لقد عَوّدت نفسي أن لا أكتب في السياسة وأن لا أخوض في تحصيلاتها لقناعتي أن الكاتب إذا غمس قلمه في تحليلات سياسية سيفقد مصداقية قلمه وذلك لكثرة محاورها وتجاذبات الآراء الصادقة والضبابية فيها لكن المشكلة أنه لايوجد مجلس واحد في يومنا هذا يخلو من الحديث عن السياسة الكل يتحدث عرف أم لم يعرف حقائق مايجري في هذا الكون. كان الكلام في السياسة خطوط حمراء يجب أن لايتجاوزها كاتب في صحيفة ما أو ضيف في مقابلة تلفزيونية او إذاعة مسموعة الكلام في السياسة اليوم تجاوز كل ألوان الخطوط ولم يعد هناك خط أحمر أو أزرق أو أرجواني، الصغار قبل الكبار يتحدثون في السياسة حتى النساء واللاتي كانت مجالسهن تغرق في الحديث عن الموضة وفلانة ماذا عملت وعلانة ماذا احدثت اصبح الكلام في السياسة شغلهن الشاغل. لقد اختلط الحابل بالنابل فمانراه اليوم ونسمعه في مجالسنا وعلى شاشات الفضائيات جعلنا نفقد مصداقية التحليل المنطقي واختلطت علينا مسارات المعرفة ولم نعد نفرق مَن ضدْ منْ وذلك لكثرة التدليس وطمس الحقائق والبعد الحقيقي عن وضوح الواقع. السياسة إختصاص وفن وخبرة، والمتكلمون في السياسة هم الذين خرجوا من رِحم هذه المحاور الثلاثة ولكن مانراه هو هذا الكم الهائل من المحللين أدعياء السياسة حجبوا عنا اهل الاختصاص وأصبحت الساحة لكل من هب ودب وأغرقوها بفنون الخداع وزيف القول واستباحوا لأنفسهم تقييم مجريات الأحداث وفق أهواء يؤمنون بها باطنها الخبث والنفاق . لقد آن الأوان أن يستحي أولئك الذين لاهَمّ لهم الا التنقل من فضائية إلى أخرى يصرخون ويتبجحون بثقافتهم المملوءة حقدا ونفاقاً وسعياً بعد ستجداء يقلبون الحقائق لإرضاء سادتهم وطمعاً في الظهور وعليهم ان يتركوا الميدان لفرسانه فقد انكشفت ميولهم وضحالة تحليلاتهم.