- شهد يوم أمس إكمال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز 100 يوم ملكا للمملكة العربية السعودية. ثلاثة أشهر ونيف من «الحزم» والعزم، تكللت ب71 أمرًا ملكيًا، ورسم لخارطة طريق واضحة لمستقبل السعودية الجديد، وأبرز ملامحها «التنمية والشباب». بل إن اسم الحملة العسكرية التي قادتها الرياض تلبية لنداء الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي، والتي عُرفت ب«عاصفة الحزم» تحولت إلى ملهم لصناعة عناوين الأخبار، فأصبحت الصحف والفضائيات تعنون الأوامر الملكية، وتحديدا تلك المتعلقة بإعفاءات مسؤولين لم يستطيعوا تلبية تطلعات المواطنين ب«الحزم». وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت كلمة «حزم» مضمنة في تغريدات رواد موقع «تويتر» مثلاً، ليكون الحزم والعزم أبرز ملامح سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز. العهد السلماني، اتسمت فيه المائة يوم الأولى بالحيوية والتجديد المستمر، فالأوامر الملكية قد تصدر في منتصف الليل إعفاء لوزير لم يؤدّ واجباته، أو لإرساء الأمن ومنع أي تهديدات، كما كان الإعلان عن بدء العمليات العسكرية في اليمن، حيث كان الإعلان قرابة الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل السادس والعشرين من مارس (آذار) . وشهدت المائة يوم الأولى كذلك أحد أبرز القرارات فيما يتعلق بالتعليم، وهو دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي في وزارة واحدة تحت اسم «وزارة التعليم»، وإلغاء المجالس المتعددة، وحصرها بمجلسين هما مجلسا الشؤون السياسية والأمنية والشؤون الاقتصادية والتنمية، اللذان يشهدان اجتماعات أسبوعية مستمرة، ترفع من خلالها التوصيات إلى مجلس الوزراء. وبحسب صحيفة الشرق الأوسط بدأ ملك الحزم الملك سلمان بن عبد العزيز عهده بجملة قرارات ملكية وتعيينات في مجلس الوزراء، اتسمت بضخ دماء شابة في المجلس، وبعد ذلك بقرابة شهر، ألقى خادم الحرمين خطابا ملكيا في العاشر من مارس، اتضحت من خلاله أبرز سمات عهده، حيث أكد لدى استقباله الأمراء والوزراء والعلماء وعضوات وأعضاء مجلس الشورى، أن كل مواطن في السعودية هو محل اهتمامه ورعايته، وقال: «قد وضعت نصب عيني مواصلة العمل على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة منذ توحيدها تمسّكًا بالشريعة الإسلامية الغراء، وحفاظًا على وحدة البلاد، وتثبيت أمنها واستقرارها، وعملاً على مواصلة البناء وإكمال ما أسسه من سبقونا من ملوك هذه البلاد (رحمهم الله)، وذلك بالسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة كافة، والعدالة لجميع المواطنين، وإتاحة المجال لهم لتحقيق تطلعاتهم وأمانيهم المشروعة في إطار نظم الدولة وإجراءاتها. إن كل مواطن في بلادنا وكل جزء من أجزاء وطننا الغالي هو محل اهتمامي ورعايتي، فلا فرق بين مواطن وآخر، ولا بين منطقة وأخرى، وأتطلع إلى إسهام الجميع في خدمة الوطن، ولقد وجهت سمو وزير الداخلية بالتأكيد على أمراء المناطق باستقبال المواطنين والاستماع لهم ورفع ما قد يبدونه من أفكار ومقترحات تخدم الوطن والمواطن وتوفر أسباب الراحة لهم». في ذلك الخطاب، أكد الملك عزمه على وضع الحلول العملية العاجلة التي تكفل توفير السكن الملائم للمواطن، وبعد يوم، استمع مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية لعرض مقدم من وزير الإسكان شويش الضويحي، ليكون الأمر الملكي بعد ذلك بإعفاء الضويحي من منصبه وتكليف الدكتور عصام بن سعيد بمهام الوزارة، ليأتي تأكيدا على سياسة الحزم والعزم في مواصلة العملية التنموية، وتلبية تطلعات المواطن والعمل على راحته. ولم يمضِ شهر على خطاب الملك ولقائه بأمراء المناطق والوزراء والمواطنين، حتى أعفي وزير الصحة أحمد الخطيب، بعد مشادة كلامية أظهرها مقطع مرئي بينه وبين أحد المواطنين، لتواصل السعودية الجديدة سياسة الحزم بإعفائه من منصبه، وبعد أقل من يوم من صدور أمر الإعفاء، وجه ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعلاج والد المواطن الذي ظهر في المقطع يطلب العلاج، ونقله على وجه السرعة. 71 أمرًا ملكيًا تنوعت ما بين إعفاء المسؤولين وتعيينهم، وإلغاء المجالس العليا المتعددة، وحصرها بمجلسين فاعلين، هما مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان. لكن بين ال71 أمرًا، كان قبول طلب ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز إعفاءه من منصبه وليا للعهد، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، وقبول ترشيح الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، وحصوله على غالبية أصوات هيئة البيعة لولاية ولاية العهد ب28 صوتًا. هذه القرارات التي تبث الطمأنينة على مستقبل السعودية، وتجعل من الدراسات والأبحاث التي تتحدث عن مستقبل الحكم في السعودية لا قيمة لها. فقد حسم الملك الحازم سلمان بن عبد العزيز كل تلك التنبؤات والمخاوف بحسم مسألة تقديم الجيل الثالث، أو ما يُعرف بجيل الأحفاد - أحفاد مؤسس المملكة العربية السعودية - إلى المناصب القيادية في مؤسسة الحكم. أمن دول الجوار جزء من أمن السعودية واستقرارها، وفي ذلك مواصلة لعملية التنمية. ففي استقبال الملك سلمان لوزير الصحة المكلف وقيادات القطاع الصحي الحكومي والخاص قال لهم: «نتيجة الأمن والاستقرار في بلدنا الحمد لله جعل بلادنا وشعبنا يستفيد من كل كفاءاته، أماكن أخرى كما تعرفون راحت الكفاءات نتيجة الخلافات التي بينهم». والمقولة السابقة لخادم الحرمين الشريفين هي ما دفعت السعودية لمنع محاولات الاعتداء على أمنها واستقرارها، إما من قبل تنظيمات إرهابية ك«القاعدة» و«داعش»، أو حتى جماعات مسلحة، كجماعة الحوثي في اليمن المدعومة من إيران، فبعد أيام من قيام الحوثيين بتدريبات ومناورات على الحدود الجنوبية السعودية، وإعلان إيران عن إطلاق جسر جوي مكثف بين طهران وصنعاء، كان نداء الرئيس الشرعي اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي طلب فيه من السعودية ودول الخليج الغوث، لتكون انطلاقة «عاصفة الحزم» في السادس والعشرين من مارس الماضي، لتشكل نقطة تحول، حسب مراقبين في تعامل السعودية ودول المنطقة مع الملفات التي تهدد أمنها دون الاعتماد على حلفائها الغربيين، وتحديدا الولاياتالمتحدة الأميركية. النائب الجمهوري جون ماكين تحدث بعد انطلاقة «عاصفة الحزم» بأن الرياض لم تعد تثق بواشنطن، وأن السعوديين لم يخبروهم ببدء العمليات العسكرية إلا قبل انطلاق «العاصفة» بساعات، وبعد أيام، وفي قمة شرم الشيخ، كانت الدعوة لإنشاء قوة عربية مشتركة. هذه التفاعلات السريعة مع «عاصفة الحزم» أعادت الأمل إلى نفوس العرب، على أن العرب قادرون على صناعة الفارق، وحل قضايا المنطقة دون الاعتماد على الحلفاء الغربيين، بل تصاعدت الدعوات بعد ذلك إلى الرفض الكامل للتدخل الغربي في الشؤون العربية. وبشكل مستمر، ومنذ اليوم الأول لتولي الملك سلمان مقاليد الحكم، ظلت الوفود الدولية تتوافد على قصري عرقة والعوجا، ليشهد القصران انطلاقة السياسة الخارجية السعودية الجديدة، ورسم ملامح لمنطقة عربية أكثر أمنًا واستقرارًا. من الشرق والغرب، شهد القصران توقيع اتفاقيات ومباحثات اقتصادية وعسكرية رفيعة المستوى، وقبل أيام قليلة من انطلاق «عاصفة الحزم» شهد قصر العوجا في الدرعية انطلاق التفاهمات الخليجية، التي انطلقت بعدها العمليات العسكرية في اليمن. بدء العمليات في اليمن محاولة لإعادة الشرعية، والعمل بالعهد الذي قطعه خادم الحرمين الشريفين على نفسه حين قال إن السعودية ستدافع عن قضايا العرب والمسلمين، وستسعى لتنقية الأجواء العربية والإسلامية، إلى جانب تحذيراته أمام القادة العرب في قمة شرم الشيخ الماضية، حين حذر من الطائفية السياسية والتحالفات بين الطائفية والإرهاب، وهي إشارة لما تقوم به بعض الدول عبر محاولاتها تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة العربية لزعزعة الاستقرار وتمرير مشاريع سياسية بعينها. ولم تتخل السعودية عن واجبها الإنساني؛ فإلى جانب العمليات العسكرية بدءا من «عاصفة الحزم» وانتهاء ب«إعادة الأمل»، لبت الرياض نداء الأممالمتحدة الإنساني حين أعلنت حاجة اليمن لإعانة إغاثية عاجلة تقدر ب273.5 مليون دولار، فكان التوجيه الملكي بتخصيص مبلغ 274 مليون دولار أميركي على شكل مساعدات عاجلة تلبية للنداء الأممي. يطلق السعوديون على المرحلة الحالية «السعودية الجديدة» أو «الدولة السعودية الرابعة»، فيما يسعى آخرون لاستعارة كلمة «الحزم» استنادا إلى «عاصفة الحزم» ليطلقوها على القرارات الحازمة، أو «حزم سلمان»، إشارة لقرارات الملك الصارمة تجاه بعض المسؤولين بعد عدم تلبيتهم لتطلعات المواطنين، وتحقيق رؤية الملك في تسريع عملية التنمية وخدمة المواطن. وحزم الملك لم يستثنِ أحدا من المقصرين والمسيئين، فترجمة لخطابه الذي أكد فيه أن لا فرق بين مواطن وآخر من أجزاء السعودية، كان الأمر بمنع أحد الأمراء من الظهور الإعلامي والمشاركة في أي نشاط رياضي، وذلك بعد نعته لأحد النقاد الرياضيين بلفظ عنصري. هذا القرار إلى جانب قرارات إعفاء الوزيرين أحمد الخطيب وشويش الضويحي، والعفو عن السجناء، وتعديل سلم الضمان الاجتماعي الشهري، أثارت حالة من التفاعل الشعبي الإيجابي. وشهد الأسبوع الماضي حالة من التفاعل الشعبي مع قرارات ترتيب بيت الحكم السعودي، فالمحمدان في مقدمة المشهد؛ محمد بن نايف وليا للعهد، ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد، وهي الإجابة عن تساؤلات تتردد بين الفينة والأخرى عن مستقبل انتقال الحكم إلى جيل أحفاد مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن، فكانت الإجابة بعد تقدم الأمير مقرن بطلب إعفائه، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، بعد موافقة أغلبية هيئة البيعة، لتكون قرارات المائة اليوم الأولى ترسمها التغييرات الوزارية على مرحلتين، مما يعني التأكيد على التجديد والتنمية، ثم قرارات ترتيب بيت الحكم، لتكمل مشهد الاستقرار السياسي. مائة يوم دفعت السعوديين للاحتفاء بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ إذ أطلقوا وسما تفاعليا منذ يومين عن المائة يوم الأولى، وما زال التفاعل فيها مستمرًا. مائة يوم تختصرها ثلاث كلمات «عزم» و«حزم» و«حسم».. «عزم» على مواصلة العملية التنموية وتلبية تطلعات المواطنين والمحافظة على الأمن والاستقرار وتنقية الأجواء العربية والإسلامية، و«حزم» ضد من يحاولون زعزعة استقرار المنطقة العربية أو من يحاولون تهديد أمن المملكة، و«حسم» الجدل والخلاف حول مستقبل السعودية بقرارات رسمت ملامحها الجديدة الفتية الشابة.