مظاهر الناس لا تعبر عن حقيقة مشاعرهم خلف الوجوه الباسمة و الضحكات المجلجلة قد يختفي كم هائل من الأسى إن الحزن والألم يتسم بالعمق و الكآبة و لذلك يتدثر مختبئاً خلف معالم الوجوه المستكينة لأقدارها .. داخل كل شخص منا حزن عميق وشعور بالإخفاق و الخيبة لكل إنسان نصيب ما من ( لقد خلقنا الإنسان في كبد .. ) حياتنا في مجملها نوع من الصراع و المكابدة نحقق الانتصارات و نحتفل بنجاحات لكن يبقى ما يؤرقنا حاضراً !! إن مقاييس السعادة كلها - باستثناء الإيمان- تبدو وهمية ومضللة .. قد يرى الفقير السعادة في الغنى و المال لكن الغني قد يراها في الراحة وخلو البال قد نغبط الآخر على الأسرة و البنين و لكنه يرى الشقاء في التزامات الرعاية وقيود الأبوة قد ينظر المرء بكثير من الغبطة لمن يسكن قصراً فاخراً لكن داخل هذا الترف و المظهر قد نجد شخصاً يعيش مع ألم يتمنى التخلص منه ولو سكن في خيمة وضيعة !! كل الناس مصاب أو ينتظر مصيبة !! للحياة وجهها المشرق و روحها اللعوب و شغفها و فتنتها لكن خلف كل هذا يوجد وجه آخر للحياة ؟ لا تغتر بالمظاهر .. الرضا الظاهر في الوجوه لا يدل على الحقيقة فداخل كل شخص هزيمة موجعة أو خيبة مره أو ذكرى أليمة تهزه وتعذبه !! إن حياة كل إنسان قصة طويلة تحمل بين ثنايها فصولاً أليمة يحتفظ بها الإنسان في جزء غير مرئي من ذاكرته المثقوبة ويسترها بالرضا و التسليم و يبقى طوال عمره يداويها بالإيمان وفيض اليقين من من الناس لم يصطحب معه أمنية تسرب عمره دون أن تتحقق ، فيكتفي بطيها في قلبه و مواصلة الركض في دروب الحياة نحو هدف لم يتحقق يمضي العمر و تنطفئ جذوة الأمل ولا يشعر الإنسان بأنه وصل إلى ما يريد ، ويمضي قطار الحياة غير عابئ بأحلامنا وخيباتنا و انكساراتنا و رغباتنا وفوراتنا المخبوءة حزن الناس منذ الأزل متشابه الأسباب و البواعث يرتبط بذات الشخص أو يشترك فيه مع آخرين لكن كل شخص ينطوي بحزنه على ذاته و لا يستشعر معاناة الغير وكثير من الأحزان قد يكون مبعثها قلق على غد قد لا يأتي أو لا نعيشه و إن عشناه قد نكتشف أن ما قلقنا حياله كان مجرد وهم !! و الأسوأ حينما يكون مبعث الألم و الحزن نابعاً من قلق بسبب نظرة المجتمع أو الرغبة في مجارات عاداته و الخوف من سلطة هذا المجتمع ونقده وعدم قدرته على استيعاب أفكارنا و ظروفنا دون سبب واضح !! وماذا بعد ؟ هل هذه الحياة هي كل ما نقلق عليه ؟ هل تستحق كل هذه الصراعات التي نخوضها من أجلها وهي تواصل المسير غير عابئة بنا هل تستحق مواصلة الركض ، أم ندير ظهورنا لها و نستسلم أم نبقى تحت رحمة قلق مستمر كمن يجلس على كرسي هزاز .. يحركنا لكنه لا يوصلنا إلى أي مكان !! هل نركز ونطيل النظر في تفاصيل أوجاعنا الروحية و الحسية ونفوت الاستمتاع بجمال الحياة و معالجة ألغازها الممتعة !!؟ في ظني أن لغز الحياة المتمثل في تعلقنا بها رغم كبدها لا يمكن الإجابة عليه بمعزلٍ عن الإيمان الصادق العميق .. ففي أي اتجاه نظرنا للحياة سنجد أنها ناقصة بدون إيمان يمنحنا التسليم و الرضا و السلام الداخلي و انسجام الروح مع البدن و تفريغ الغضب فالحياة لا يمكن فهمها من دون وعي كامل بحقيقة الخلق و معنى الاختبار الذي جاءت به الشرائع و أيقنته العقول السليمة و الفطر الصالحة ومقتضى عدل الله سبحانه أن يصيب كلاً منا نصيبه من كدر الدنيا و نصبها و آلامها و إن كان بطرق مختلفة.. إن ظاهر حال الناس لا يعبر عن حقائقهم و لا يمكن تخيل كمال الاستقرار و النعيم الدنيوي لأي إنسان !! لا بد له من منغص يفسد عليه لذاته و يستحث فطرته للجوء إلى إيمانه و العمل من أجل حقيقة هي أسمى من كل ما هو زائل لكن استشعار ما نحضى به من النعم الظاهرة والخفية و الشعور بمصاب الآخرين قد يكون سبيلاً للخروج من كل المنغصات التي نعيشها أو نتوهمها .. ( اللهم متعنا بالإيمان واليقين ) إضاءة : عجبي منك أيها الإنسان .. حرصك على السعادة يورثك القلق !! أحمد بن عبدالله أباالخيل