لماذا تترك لليأس مجالاً أن يوغل في قلبك؟ ويمتلك عليك مشاعرك؟ ويعطل تفكيرك؟ ويدفعك إلى بعض مظاهر السلوك المنحرف، انطواءً، ويأساً، وانتقاماً، ونكوصاً عن الحياة المشرقة بالأمل؟ أنت أكبر من اليأس والقنوط، والألم، حينما تكون أكبر من الدنيا، وأسمى من مظاهرها الزائفة، وشهواتها القصيرة، ومتعها المؤقتة، وإذا كنت أكبر من الدنيا كان الله سبحانه وتعالى عندك (أكبر من كل شيء) لأ نه وحده هو (الكبير المتعال) ولأن كل شيء هالك إلا وجهه، ولأنه بكل شيء محيط، وعلى كل شيء قدير، ولأنه هو الرحمن الرحيم، القادر العظيم الذي يقول للشيء (كن فيكون)، ولأنك تردد كل يوم عشرات المرات، (الله أكبر، معلناً بها إيمانك القاطع بأن الله أكبر، وهنا تكون أنت بيقينك وإيمانك أكبر من الحياة ومظاهرها الزائفة، وأكبر من آلامها وأوجاعها، وتعبها ونصبها. قف على قمة الإيمان الشامخة التي لا تستطيع أعاصير الحياة أن تقترب منها، أو تصل إليها بما تثير من الغبار والأتربة، وأقذار الحياة الدنيا الفانية. حينما تقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث) فإنك بهذه العبارة ترقى بنفسك إلى قمة الإيمان الشامخة، ومنها تطلُّ على الحياة بما فيها ومن فيها، فتتمكن من رؤية أهلها يتكالبون عليها، ويتهارشون فيها فتشعر بمدى ما هم فيه من الضياع، وما يعانونه من الأسى والشقاء، وما يصلون إليه من الهبوط والانخفاض، وتشعر بعظمة ما أنت فيه من نعمة الشموخ والارتقاء والسمو، فتزداد ثقتك بربك، ويقوى إحساسك بقيمتك، ويتعمَّق شعورك بالسعادة والرِّضا واليقين. (برحمتك أستغيث) توجهها إلى الحي القيوم، وأنت تدرك أنه الحيُّ الذي لا يموت، والناس جميعاً يموتون، وأنه القيُّوم على كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، والقائم على الحياة وما فيها ومن فيها، والكون الفسيح بما ترى منه وما لا ترى، والآفاق المترامية بذرَّاتها وأجرامها وكواكبها، توجهها إليه سبحانه وأنت على يقين لا يقبل النقض من صحة قوله عز وجل: ?وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا? ومن صحة قوله سبحانه وتعالى: ?وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ? فتشعر بالراحة التامة، والطمأنينة الشاملة، والرِّضا المطلق وتشعر بأنك غني بالله ورحمته غنى مطلقاً لا تشعر معه بالحاجة إلى أحد من الناس أبداً، حتى وأنت تضطر أحياناً إلى عرض حاجة من حاجات الدنيا على أحدٍ من البشر فإنما تعرضها بذلا للسبب، ومعك يقين صادق بأن الذي سيقضي حاجتك إنما هو الله سبحانه وتعالى وحده دون سواه. (برحمتك أستغيث) استغاثة عظيمة السموِّ والارتفاع، لأنك بها تستمطر رحمة الله، وهو الرحمن الرحيم الذي كتب في كتاب عنده فوق العرش (إن رحمتي سبقت غضبي) كما ورد في الحديث الذي رواه الشيخان، ورواه البخاري من طريق آخر: (إن رحمتي غلبت غضبي)، ما أعظمها من رحمة مطلقة تسبق الغضب وتغلبه. (برحمتك أستغيث) شعار لا يرفعه إلا من تعلقوا بالله وحده لا شريك له، فلنكن منهم لنعيش على قمة الإيمان الشامخة. إشارة: إن كان بعد المرء عن إيمانه=