إن الواجب على المؤمن الحق، أن ينظر إلى الشريعة الإلهية بعينِ الكمال والتقدير والكفاية، قال تعالى: (أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) العنكبوت (51). بلى؛ يكفينا يا الله.. تلك الشريعة الكاملة التامة الحسنى بإطلاق. قال ربنا عز وجل: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر (22). فهو أحسن الحديث بإطلاق؛ قد حوى أحسن العقائد، وأحسن الأحكام والشرائع، وأحسن القصص وأصدقها بإطلاق، ومن اعتقد غير ذلك، فقد أخطأ الطريق وجَانبَ الرشد والهِداية والصواب. يأتي هذا الحديث في الوقت الذي يُنادي بعض أبناء الإسلام باقتفاء آثار الحياة الغربية، حذو القذة بالقذّة! لا سيما فيما يتعلق بالمرأة. كلُ ذلك بزعم الحرية والمساواة مع شقيقها الرجل!! في حين لو تأملت المسلمة كلام ربها عز وجل: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) آل عمران (36)، لكفاها في دحض مزاعم التسوية ودعاوى المساواة التي يُنادَى بها في الغرب، ويردد أصداء ذلك الضجيج المزعج بعض بني جلدتنا في الشرق! في محاولةٍ حثيثة لتطبيق النموذج الغربي في واقع المجتمع المسلم، فإلى ماذا ترمي حركات التغريب؟! 1- إلى إنشاء مشروعٍ حضاري نهضوي يؤسس بنيانهُ على تقوى من الله؟! 2- أم إلى مشروعٍ اجتماعي يخدم شريحة المطلقات والأرامل في المجتمع، ويسدلُ الستار على فصول معاناة مستمرة؟! 3- أم إلى مشروع تنموي يكفل حل مشكلات المجتمع التي يتناولها الإعلام بين الحين والآخر؟! 4- أم إلى إيجاد مشاريع ترعى الأمومة والطفولة وتحفظ كيان الأسرة من التمزق والضياع؟! وغيرها من تساؤلات تحملُ في طيَّاتها أحلاماً وآمالاً عِدة! إنها تساؤلات واقعية موجهة إلى حركات التغريب، تنتظرُ إجابات شافية مقنعة! غير أني سأسوق إجابةً لأحدِ أقطاب التغريب، لنضع أيدينا على الحلقة المفقودة التي تستنفر جهود تلك الحركة ليل نهار وكل حين: يقول الدكتور عبدالعزيز البدَّاح في كتابه: (حركة التغريب في السعودية): "وفي هذا السياق أنقل عن واحد من أبرز رموز التغريب يؤكد أن القوم بعيدون غاية البعد عن أي مشروع يخدم الأمة وينفع الوطن ويعود عليهما بالرخاء … طالب الكاتب … المسؤولين عن الحوار بمناقشة أمور هامة تتعلق بالمرأة وبمستقبل الوطن .. إنها من وجهة نظر الكاتب؛ الاختلاط والحجاب!!!".[1] ويستطرد: "إن القارئ المنصف كان يتطلع إلى أن يطالب الكاتب بمناقشة قضايا الفقر، البطالة، العنوسة، المخدرات، غلاء الأسعار، وعشرات القضايا المعلقة التي لم تجد طريقها للحل والمعالجة!".[2] فما هي غايات التغريب وأهدافه، في ظل فقدان الرؤية الواقعية الصادقة والهدف الحقيقي؟! يجيب على ذلك المؤلف:[3] 1- خلع الحجاب. 2- الاختلاط بين الجنسين. 3- رفع قوامة الرجل عن المرأة. 4- عمل المرأة في المجالات كافة. وسنتناول تلك الأهداف بشيء من الإيجاز: أولاً: خلع الحجاب: ربما غاب عن الكثيرين ممن قصروا عن تحصيل العلم الشرعي، غاب عنهم أن الحجاب فريضة إلهية واجبة في حق المرأة المسلمة، وقد تواترت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة حول ذلك، وليس هذا مقام بسطها ولكني سأكتفي بدليل واحد من كتاب الله تعالى؛ وطالبُ الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل!.[4] قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب (59) فالآية الكريمة تضمَّنت الإجابة عن تساؤلين: الأول: ماذا أفعل؟ والثاني: كيف أفعل؟ فإجابة ماذا أفعل؟، هي (الإدناء). والإدناء في اللغة العربية – وقد نزل القرآن بلسانٍ عربي مبين-، فالإدناء هو الإرخاء والسدل والإطالة والستر.[5] أما إجابة كيف أفعل؟، فهي من أعلاكِ أيتها العاقلة؛ من أعلى نقطة فيك أيتها المسلمة وهي الرأس؛ لأن حرف الجر "على"؛ من معانيه أنهُ يفيد معنى العلو والفوقية. وعليه سيكون الإرخاء والإدناء للثوب أو الجلباب من النقطة الأعلى في المسلمة سابغاً شامل الإسدال على جميع البدن بما في ذلك الوجه. فالله عز وجل لم يستثنِ من بدن المسلمة جزءاً يجوز كشفه، وإلا لكان الأمر في الآية الكريمة بأن يدنين على (بعضهن)، لا (عليهن) بالمعنى الذي يفيد الاحتواء الكامل بالحجاب السابغ الساتر. إنه – أي الحجاب – فريضة وعبادة نسوية محضة، شأنهُ شأن سائر شرائع الإسلام. ومن جحدهُ بزعم أنه تقليد اجتماعي أو عادة من عادات المجتمع، فلا أملك إلا تذكيره بآخر رسالة إلهية موجهة إليه وإلي وإلى الناسِ جميعاً: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة (281) وأما حركة التغريب وهجومها على هذه الفريضة الإلهية (الحجاب)، ومحاولة نزعه ونبذه، فقد ذكر المؤلف الشيء الكثير من تلك النماذج والأمثلة؛ منها سعي الإعلام لإبراز وإظهار من خلعن حجابهن من النساء وإضفاء الألقاب عليهن وإجراء المقابلات معهن. ومنها أيضاً التصريحات المسيئة لهذه الفريضة الإلهية، تلك التصريحات التي لو حصل لأصحابها العلم بالله ومعرفته سبحانه وتعالى كما يجب، لما تفوَّهوا بمثل ما تفوهوا به. (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) الزمر (67) ثانياً: الاختلاط بين الجنسين: يعتبر اختلاط المرأة بالرجل في أماكن العمل والتعليم والترفيه والرياضة وفي مجالات الحياة وجوانبها كافة مطلباً من مطالب دعاة التغريب، ولهذا ركزت كتبهم ومقالاتهم ورواياتهم وتوصيات مؤتمراتهم على هذا المطلب، وسعوا إلى تحقيقه على أرض الواقع.[6] وقد أخذت الدعوة إلى الاختلاط أشكالاً وأساليب عدة؛ فتارة تدعو تلك الحركة للاختلاط بين الجنسين بحجة استغلال الطاقات النسوية! وتارة بالدعوة للتفريق بين الاختلاط والخلوة! وتارة بربط الاختلاط بالتنمية[7]. وكأن شريعة الله التامة الكاملة قد غفلت عن كل تلك المصالح!! فهل توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم للنسوة بأن يستأخرن في الطريق لئلا يختلطن بالرجال، صريح في منع الاختلاط أم الخلوة؟! وكذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء". قال نافع فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.[8] مع أن دخول الباب والخروج منه حدثٌ عرضي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم خصص للنساء باباً يدخلن منه. فهل يُعقل أن تأمر الشريعة بالتفريق بين الجنسين في المواقف العابرة المؤقتة، وتجيز اختلاطهما في المواقع الدائمة والمواقف المتكررة؛ كأماكن الدراسة والعمل؟! هذا ليس من الحكمة في شيء وشريعة الرحمن تتنزَّه عن ذلك. وأما التنمية واستغلال الطاقات النسوية، فحتى تحسن الغاية والهدف ويُبارك فيهما، لا بد من إحسان الوسيلة والمسلك وفق ما يُرضي الرب عز وجل. ولا خير في غايةٍ مطيَّتها ما حرَّم الله تعالى. والخير للطاقات النسوية أن تعمل بما يفيدها ويخدمها ويخدم دينها وشريعتها وفق المنهج الرباني الذي رسم لنا رسول الله صلى الله على وسلم معالمه، وما عدا ذلك فخسران وهدر وتشتيت في الدنيا، (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس (81)، ومساءلة وموقف عظيم في الآخرة. وأما الإصلاح والإفساد، فتحديد ذلك لا يخضع لرؤية البشر أو الأفراد، إذ هي أمرٌ نسبي متفاوت؛ لذلك اغتر المفسدون الأول وظنوا أنهم على خير، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) البقرة (11)، وإنما يُعلم ويُعرف مما جاءت به الشريعة الإلهية وعلى ضوء هدايات نصوصها الشرعية. فما استحسنته الشريعة وأمرت به فهو الحسن والخير، وما نهت عنه وحذَّرت منه فهو الشر والقبح. وسبيلُ الأخذ والتطبيق لما جاءت به هو الإصلاح، ومخالفته إفساد. لذا فقد يُطالب بعض أبناء الإسلام[9] باستيراد شيء من النُظم الغربية، أو التطبيقات الحياتية في الغرب وإحلالها محل ما أنزل الله تعالى بدعوى اختلاف الزمان، أو دعوى سبق الغرب الحضاري وتقدمه، فذلك نوع من الإفساد مهما ظنهُ الضمير الجمعي أو العالمي خيراً أو صلاحاً. (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة (50). وإنما الحق أن الزمان والمكان والمجتمعات الإنسانية بأجمعها لا يصلُحُ واقعها إلا بشريعة الرحمن عز وجل، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك (14) وشهد شاهدٌ من أهلها: تقول الكاتبة الأمريكية (هيلسيان ستانسيري)، بعد أن مكثت شهراً في جمهورية مصر العربية: "إن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم, ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده[10]: التي تقيد الفتاةَ, والشبابَ في حدود المعقول, وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوروبي, والأمريكي.. فعندكم تقاليد موروثة تُحَتِّمُ تَقْيِيْدِ المرأة, وتُحَتِّمُ احترامَ الأبِ والأم, وتُحَتِّمُ أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية, التي تهدد اليومَ المجتمعَ, والأسْرةَ في أوروبا, وأمريكا.. إن القيود[11] التي يفرضها المجتمعُ العربي على الفتاة, صالحة ونافعة, لهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم, وأخلاقكم (وامنعوا الاختلاطَ وقيدوا حريةَ الفتاة) (بل ارجعوا إلى عصر الحجاب) فهذا خير لكم من إباحية, وانطلاقِ ومجونِ أوروبا وأمريكا.. (امنعوا الاختلاطَ) فقد عانينا منه في أمريكا الكثير: لقد أصبح المجتمعُ الأمريكي مجتمعاً معقداً, مليئاً بكل صور الإباحيةِ والخلاعة, وإن ضحايا (الاختلاطِ), والحريةِ قبل سن العشرين, يملؤون السجونَ, والأرصفة, والبارات والبيوت السرية, إن الحرية التي أعطينا لفَتَياتنا, وأبنائنا الصغار, قد جعلت منهم عصابات أحداث, وعصابات جيمس دين, وعصابات للمخدرات والرقيق.. إن الاختلاط, والإباحيةَ, والحريةَ في المجتمع الأوروبي, والأمريكي, هدد الأسَرَ, وزلزلَ القِيمَ, والأخلاقَ, فالفتاةُ الصغيرةُ تحت سن العشرين في المجتمع الحديث, تخالط الشبابَ, وترقص, وتشرب الخمر, وتتعاطى المخدرات, باسم المدنية والحرية والإباحية.. وهي تلهو وتعاشر من تشاء تحت سمع عائِلتِها وبَصرها, بل وتتحدى والديها, ومدرسيها, والمشرفين عليها, تتحداهم باسم الحرية, والاختلاط, تتحداهم باسم الإباحية والانطلاق: تتزوج في دقائق, وتطلق بعد ساعات, ولا يكفلها أكثر من إمضاءٍ وعشرين قرشاً, وعريس ليلة".[12] والأدلة الشرعية في منع الاختلاط كثيرة متعددة. ثالثاً: رفع قوامة الرجل عن المرأة: فرض الإسلام قوامة الرجل على المرأة قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ) النساء (34)، فهي شريعة إلهية خالصة[13]. وهي – أي القوامة – ليست مقصورة على الرجل وزوجته، فالأب قوّام على البنات والأخ على أخواته، والقوَّام: هو المبالغ في (القيام)، والمراد بذلك السعي في مصالح المرأة وشؤونها وتكوين سياج حماية لها من كل ما يتهدد بقاءها أو كرامتها، وليس المراد السيطرة أو الإذلال فهذا مفهومٌ سقيم في بعض الأذهان التي ما فهمت الشريعة الإلهية كما يجب، فلا يزال عالقاً بها بعض رواسب الجاهلية الأولى!! قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي"[14]، وقال أيضاً بأبي هو وأمي: "استوصُوا بالنِّساءِ خيراً" [15]، وقال: "إِنَّي أُحَرِّجُ عليكم حقَّ الضعيفينِ: اليتيمُ، والمرأةُ".[16] فبالله من الذي أنصف المرأة وانتشلها من أوحال الامتهان والظلم؟! فهل تأتي عاقلة فتغضب على ربها وعلى شريعته ودينه بعد ذلك؟! تلك الحقوق والكرامة والمنزلة الرفيعة التي لو لم يمنحها الإسلام للمرأة ما أقرها العالم الإنساني وما التفت إلى ذلك المخلوق الضعيف الذي يسمى المرأة!! فهل تتنكَّرُ العاقلة بعد ذلك لشريعة ربها وتركضُ لاهثة خلف حقوقية مزعومة من تشريعاتِ البشر ونظم جاهلية، من شأنها الهدم لا البناء، والتفريق والتشتيت لا الجمع والتأليف، والأدهى من ذلك الإساءة لشريعة رب الأرض والسماء؟! إن القوامة التي يُسيء إليها الغرب والمستغربون من أبناء الأمة، هي عندنا في الشريعة الإلهية مقام تكليفٍ للرجل لا تشريف، إذ عليها من التبِعات الشيء الكثير، وحسبُكِ أن تري شاباً في العشرين يسعى على قوت أمهِ وأخواته بعد وفاة والده! إنه مثالٌ ممدوح في الشرق والغرب على السواء، بل في أي مجتمع إنساني، لأنه قائم على مبدأ الرحمة والالتزام بالمسؤولية تجاه من ولي رعايتهم، وغيرها من معاني التضحية والإيثار، فبذلك أمر الشارع الحكيم وهذا الشاب ليس إلا نموذج تطبيقي فحسب! فلماذا تُهاجم شريعة القوامة كأمر وتشريع في الدين الإسلامي، في حين ترفع القُبعة احتراماً وتبجيلاً عندما يوجد نموذج تطبيقي؟! إنهُ التخبّط والتناقض اللَّذين لا تخلو منهما أي جاهلية، وما أكثر صور ذلك التناقض في جاهلية اليوم المعاصرة! ألا تستحقُ الشريعة التي أكرمت المرأة بإثبات حق المهر لها – على سبيل المثال – بأن يُشاد بها وتمدح ليل نهار على تلك التكرمة للمرأة والسمو بمكانتها. في الوقت الذي يُمجّد خاطبٌ غربي؛ لأنهُ وهب مخطوبته وردة حمراء أو خاتماً كطقسٍ من طقوس طلب الزواج؟! (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وجدير بالذكر قبل الانتقال إلى النقطة الأخيرة، أن تعلم المسلمة أنه مهما شرَّع القانون العالمي من أحكام ونظم وقوانين تناقض الشريعة الإسلامية وتعارضها؛ كاتفاقيةِ (السيداو) [17] وغيرها، فإنها ليست بمعزل عن المساءلة الإلهية، ولا بمنجاة من العقاب الإلهي؛ لأن كل فرد مسؤولٌ عن التزامه بالشريعة الإلهية، ومسؤول عما اكتسب من الأعمال إن خيراً فخير أو شراً فشر. فتلك الاتفاقيات العالمية ليست مبرراً للمسلم لانتهاك حدود الله عز وجل، فقميِنٌ بكل عاقلٍ وعاقلة أن يلتمس طريق النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، فاحذري أيتها المسلمة. قال تعالى: (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ) الصافات (33-35) فمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله؛ هو السمع والطاعة لله ولرسوله، والخضوع والانقياد والاستسلام لدين الله عز وجل [18]. وأنتِ تقرئين قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة (208-209) وتقرئين قوله سبحانه: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) البقرة (166) في ذلك اليومِ ذي الهول؛ لن تنفع تلك الدعاوى آخذاً بها مقتفياً آثارها! في ذلك اليوم ذي الهول؛ لن تُسعف مؤتمرات قضايا المرأة وتشريعاتها الأرضية الوضعية من تمردت على شرع ربها بزعم الحقوقية والمساواة! [19] في ذلك اليومِ ذي الفزع؛ لن ينفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً. وهل الإيمانُ إلا علمٌ وتطبيق وعمل، وتعظيمٌ وقر في القلوب والنفوس من قبل ذلك؟! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) الحشر (18) رابعاً: عمل المرأة في المجالات كافة: للمرأة حق النفقة على زوجها وأبيها وفق الأحكام الإسلامية، ولكن حاجة المجتمع – وأحياناً حاجة المرأة – تدعوها للعمل، وهذا لا يمانع فيه الإسلام مادام في إطار الضوابط الشرعية والآداب الإسلامية التي تكفل سد حاجة المرأة مع حفظ كرامتها وصيانة عرضها.[20] ولذا يمكن القول بأن عمل المرأة لا بد أن تُراعى فيه جملة ضوابط شرعية: 1- ألا يكون في عملها إخلال بواجبها كأم أو زوجة. 2- أن يكون عملها في جو من الحشمة والوقار. 3- أن يكون ملائماً لطبيعة المرأة متفقاً مع أنوثتها. وهنا يكمن الفرق بين عمل المرأة وفق الأحكام الإسلامية وبين عملها وفق الرؤية العلمانية، إذ الرؤية العلمانية تُلغي هذه الضوابط كلها ولا تُراعيها عند حاجة المرأة للعمل. [21] إذن نحن أمام صورتين من عمل المرأة: 1/ عملٌ بضوابط شرعية؛ وهذه هي الرؤية الإسلامية. 2/ عملٌ مفتوح بلا أي ضوابط؛ وهذه هي الرؤية العلمانية أو المادية الغربية. وما وقع الخلل لدى بعض أبناء الأمة في هذه المسألة إلا نتيجة الخلط بين الرؤيتين، في ظل هيمنة العولمة الثقافية، واكتساح المادية المعاصرة واتجاهاتها الفكرية للمجتمعات المسلمة. وبالمثال يتضح المقال: في موقف سابق حدث خلاف بين امرأتين كل واحدة منهما تنتمي إلى قُطرٍ عربي، والوصف الجامع مسلمتان. فأتت إحداهما على ذكر بعض الحقوق التي حصلت عليها المرأة في بلادها، ومنها دخول المرأة عالم الفن الذي أتاح أعمالاً نسوية ك (الرقص!!)، فاسترجعت الأخرى. فثارت المتحدثة في استعلاء وهي تؤكّد شرفية المهنة بالأكل من عمل اليد، والقضاء على بطالة المرأة!! سبحان الله!! .. سبحان الله؛ إذ تتحدث وكأنها تحكي إنجازاً من إنجازات الأمة العِظام أو مجداً من أمجادها التليدة!! سبحان العزيز القائل: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناًۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فاطر (8) والقائل جل في عُلاه: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) النمل (24). إنهُ التلبيس والتزيين الشيطاني للمنكر والمعصية. ذلك التزيين الذي يحول بين المرء، وبين تمييز الحق والباطل، ما لم يكن على هدى من الله وبصيرة من نور وحيه وهِدايته. فهذا مثال على اختلاط الرؤى وضبابية المفهوم لدى البعض فيما يتعلق بعمل المرأة!! والحق أن استحلال البشر لما حرّمته الشريعة لا يجعله حلالاً! كما أن تعارف البشر على المنكر وائتلافهم إياه لا يقلبه معروفاً! وإنما تلك الاختلالات الأخلاقية مؤذنة بنزول العقاب الإلهي والعياذُ بالله، وبئس عذاب الآخرة. قال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) هود (117) وقال سبحانه: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) التوبة (67-68) فتنبّهي أيتها المسلمة وكوني على بصيرة بين ما أقرهُ الإسلام من حقوق لك؛ وبالتالي فهي الحقوق الشرعية المشروع لكِ بأن تطالبي بها، وبين ما أقرّهُ البشر مما ألبسوه ثوب الحقوقية وما هو كذلك، إن هو إلا جنوحٌ وانحرافٌ في المفهوم. وكذلك ما وضعهُ الشرع لكِ من ضوابط عملك كامرأة، فيجب عليكِ مراعاتها والأخذ بها انطلاقاً من كونكِ مسلمة لديها شريعة إلهية تأتمر بها وتقف عند حدودها تعظيماً لمن أَمَرَ وحَكَمَ وأنزل الكتاب سبحانهُ وتعالى. قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم، قالوا، يا نبيَّ اللهِ أو منهم؟ قال، بل منْكم".[22] ففي الحديث الشريف تأكيد لمفهوم الجِدَّة [23]، والنبي صلى الله يخاطب صحابته الكرام عن أيَّام تشبه أيامنا هذه! للصابر عن الوقوع في ألوان الفتن ومغريات العولمة – اعتصاماً بربه واستمساكاً بدينه القويم – من الأجر كأجر خمسين من الصحبِ الكرام. بشرط الثبات على ما كان عليه صدر الأمة الأول (بما أنتم عليه): وهي الحنيفية السمحة من نبعها الصافي؛ الكتاب والسنة. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ويهيئ لنا من أمرنا رشداً.. اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك.. كتبتهُ/ مريم تيجاني 22/ 10/ 1436ه —— [1] حركة التغريب في السعودية، ص92. [2] نفس المرجع والصفحة. [3] ويشهد لذلك واقع الحركات التغريبية في العالم الإسلامي، فإلى يومنا هذا لم تخرج بإنجاز حقيقي واقعي ملموس يخدم الشريعة والأسرة والمجتمع! وإنما ترتب عليها هدم الأسرة وإضعاف الروابط الاجتماعية التي حث عليها الشارع، وجنوح الأحداث، وتسطيح عقول الناشئة. وغير ذلك من المشكلات الشرعية والاجتماعية والأسرية التي لا تزال ترزح تحت نيرها تلك المجتمعات. [4] حذار أيتها المسلمة من أن تكوني ممن قال الله فيهم: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً). [5] انظر: المعجم الوسيط، ومعجم اللغة العربية المعاصرة. [6] حركة التغريب في السعودية، ص107. [7] المرجع السابق، ص111-112. [8] أخرجه أبو داود بسند صحيح. [9] بسبب هاجس التقدم والتحضّر والهزيمة النفسية أمام الغرب! كما هو الحال في كثير من قضايا المرأة. [10] بعض رموز المجتمع الغربي تعتقد أن بعض الثوابت الشرعية من قبيل التقليد الموروث في المجتمع؛ إما جهلاً أو قصداً، والحق؛ أن منع الاختلاط والسفور. وإقرار الولي والمحرم شرائع إلهية ثابتة، ومن رمى لنقضها أو إعلان الحرب عليها إما أن يكون جاهلاً أو قاصداً، ففي الأولى يُوضَّحُ له الدليل ويُطلب منه الاطلاع وطلب العلم والمعرفة، وأما الحالة الثانية فغالباً أنهُ يعلم الدليل الشرعي ولكنهُ يجحدهُ لشيء في نفسه! هنا لا بد أن يعلم أن حربه ليست على المجتمع وإنما على رب الشريعة التي أنزلها، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور (63). [11] في الحقيقة أنها ليست قيوداً، وإنما ضوابط تنضبط بها المجتمعات المسلمة فيحسن مسيرها في الدنيا ومآلها في العقبى، وهي من قبيل القوانين والنظم التي تصدرها تلك الدول لتنظيم حياتها ومعيشتها، إلا أنها في الشريعة الإسلامية إلهية المصدر، وعلى وجهٍ من التمام والكمال والكفاية متى أُخذت بقوة. [12] جزء من مقال: (امْنَعُوا الاخْتِلاَطَ وَقَيِّدُوا حُرِّيَةَ الْمَرْأة)، صحيفةُ الجمهورية بالقاهرة 9 يونيو 1962م، نقلاً عن اقرئي حتى لا تُخدعي، ص25-26. [13] ولجهل بعض المستغربين للأسف، أنهم يظنون أن القوامة تقليد اجتماعي!! تقول إحدى المستغربات: "والرجال يعتقدون أن المرأة كائن آخر، والمرأة في تعبيرهم ناقصة عقل ودين، وهم يعتقدون أن الرجال قوامون على النساء"، حركة التغريب في السعودية، ص121. ولا أدري هل اطلعت المتكلمة على كتاب الله أم لا؟! (!!!) [14] إسنادُهُ صحيح. [15] حديث صحيح. [16] إسنادُهُ حسن. [17] اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، أو سيداو اختصاراً (بالإنجليزية: CEDAW)؛ هي معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم عرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار 34/180 في 18 ديسمبر 1979. وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء. الموسوعة الحرة ويكيبيديا. [18] للأهمية يُرجى الاطلاع على معنى (لا إله إلا الله)، ومقتضاها وشروطها ونواقضها. [19] تقول خبيرة أمريكية في شؤون الأسرة: (إن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة غير عملية أو منطقية، وأنها ألحقت أضراراً جسيمة بالأسرة والمجتمع!). المساواة حقيقة أم ادعاء؟! لموسى بن ذاكر الحربي، ص12. [20] حركة التغريب في السعودية، ص128-129. [21] نفس المرجع السابق والصفحات. [22] إسناده صحيح. [23] ذكرنا في مقال سابق مفهوم المرأة الجديدة على ضوء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها". وهو عودتها عن لوثة الحياة المادية المعاصرة، واتجاهاتها الفكرية المنحرفة، إلى الاعتصام والاستمساك بما كان عليه أمر الإسلام الأول؛ وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من أمهات المؤمنين وصحابته الكرام.