مكة المكرمة – الزبير الأنصاري الإسلام أعطى المرأة كرامتها بعد أن كانت من سقط المتاع المكانة السامية تحققها المرأة عبر تعاليم الإسلام خصّ الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وإمام وخطيب المسجد الحرام، قرّاء «الشرق»، بخطبة كتبها خصيصاً من أجلهم، في إطار حرص الصحيفة لنقل منبرية خطبة الجمعة إلى قضايا تمسّ المجتمع عبر فتح نافذة لخطباء المساجد للمشاركة في البناء والتنمية ورفع الوعي.. وهذه خطبة الشيخ السديس: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الزوجين الذكر والأنثى، وجعل لكل دوره في الحياة الدنيا، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي أوصى أمته بالنساء خيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما صبح بدا، وما ليل سجا، وسلم تسليماً سرمدياً أبداً. أما بعد: إخوتي القراء، من محاسن ديننا الإسلامي، ومميزات شريعتنا الغراء: أنها جاءت بالشمول والكمال، فلم تترك جانباً من جوانب الحياة إلا نظمته أحسن نظام وأحكمه، ولله الحكمة البالغة فيما يخلق ويختار، ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) (الملك: 14). إخوتي القراء، ومن الجوانب الرئيسة التي تولاها الإسلام بالعناية والرعاية، وأحاطها بسياج منيع من الصيانة والحماية، ورسم لها خير منهج لما لها من الأهمية والمكانة: الجانب المتعلق بالمرأة وشؤونها، ومسؤوليتها في الأمة، ومكانتها في المجتمع، وما لها من حقوق، وما عليها من واجبات، وما ذاك إلا لأنها اللبنة الكبرى، والنواة الأولى التي يقوم عليها عماد الأسرة، وبالتالي نهضة الأمة وبناء حضارتها، ولأنها الأم الرءوم المشفقة، العفيفة المربية، والزوج الحنون المؤنسة، والأخت الكريمة السارّة، والبنت اللطيفة البارّة، بل هي المدرسة الحقيقية لإعداد الأجيال، وصناعة الرجال. إخوتي القراء، لقد جاء الإسلام والمرأة مهضومة الحقوق، مهيضة الجناح، مسلوبة الكرامة، مهانة مزدراة، محل التشاؤم، وسوء المعاملة، معدودة من سقط المتاع، وأبخس السلع، تباع وتشترى، توهب، وتكترى لا تملك ولا ترث بل تقتل وتؤد بلا ذنب ولا جريرة، فلما جاء الإسلام بحكمته وعدله، رفع مكانتها وأعلى شأنها، وأعاد لها كرامتها وأنصفها فمنحها حقوقها، وألغى مسالك الجاهلية نحوها، واعتبرها شريكة للرجل شقيقة له في الحياة. وقد ذكرها الله في كتابه الكريم مع الرجل في أكثر من موضع؛ يقول سبحانه: ((فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى)) (آل عمران: 195)، وقال تعالى ((من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)) (النحل: 97)، وقال تعالى وتقدس سبحانه ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)) (الحجرات: 13). وأوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم خيراً، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً)) ولأحمد، وأبي دواد، والترمذي عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم). كما ضمن لها الإسلام الكرامة والإنسانية، والحرية الشرعية، والأعمال الإسلامية، التي تتفق مع طبيعتها وأنوثتها، فيما لا يخالف نصاً من كتاب، أو سنة، ولا يعارض قاعدة ومقصداً من مقاصد الشريعة، وفي محيط نسائي مصون، كما ساوى بينها وبين الرجل في عدد من المجالات، إلا أن هذه المساواة قائمة على ميزان الشرع ومقياس النقل الصحيح، والعقل الصريح، فقد جعل الله لكل من الرجل والمرأة خصائص ومزايا، ومقومات ليست للآخر. وأهّل كلاً منهما لما سيقوم به من مهام في هذه الحياة، فأعطى الرجل قوة في جسده، ليسعى ويكدح، ومنح المرأة الحنان والعطف لتربية الأبناء، وتنشئة الأجيال، وبناء الأسرة المسلمة. إخوتي القراء، أي شيء تريده المرأة بعد هذا التكريم؟! وأي شيء تنشده بنات حواء بعد هذه الحصانة والرعاية؟! أيستبدلن الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! أيؤثرن حياة التبرج والسفور، والتهتك والاختلاط، على حياة الطهر والعفاف والحشمة؟! أيضربن بنصوص الكتاب والسنة، الآمرة بالحجاب والعفة عرض الحائط، ويخدعن بالأبواق الماكرة، والأصوات الناعقة، والدعايات المضللة، والكلمات المعسولة الخادعة، التي تطالعنا بين الفينة والأخرى، وتثار بين حين وآخر؟! أيتركن التأسي بأمهات المؤمنين الطاهرات، وأعلام النساء الصالحات، ك»عائشة وخديجة، وفاطمة، وسمية، ونسيبة»، ويقلدن الماجنات، ويتشبهن بالفاجرات، عياذاً بالله؟! أختي القارئة، إنك لن تبلغي كمالك المنشود، وتعيدي مجدك المفقود، وتحققي مكانتك السامية، إلا باتباع تعاليم الإسلام، والوقوف عند حدود الشريعة، فذلك كفيل أن يطبع في قلبك محبة الفضائل والتنزه عن الرذائل، فمكانك والله تحمدي، وبيتك تسعدي، وحجابك تصلحي، وعفافك تريحي وتستريحي! قال سبحانه: ((وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)) (الأحزاب: 33) ((يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)) (الأحزاب: 59). فأنتِ في الإسلام درة مصونة، وجوهرة مكنونة، وبغيره: دمية في يد كل فاجر، وألعوبة وسلعة بها يتاجر، بل يلعب بها ذئاب البشر، فيهدرون عفتها وكرامتها، ثم يلفظونها لفظ النواة، ويرمونها رمي القذاة، فمتى خالفت المرأة آداب الإسلام، وتساهلت بالحجاب، وبرزت للرجال مزاحمة متعطرة: غاض ماؤها، وقل حياؤها، وذهب بهاؤها، فعظمت بها الفتنة، وحلّت بها الشرور والنقمة. فيا أيتها المسلمة المعتزة بشرف الإسلام، ويا أيتها الحرة العفيفة المصونة، أنت خير خلف لخير سلف، تمسكي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكوني على حذر وفطنة من الأيدي الماكرة، والعيون الغادرة، والأنفس الخبيثة الشريرة، التي تريد أن تنزلك من علياء كرامتكِ، وتهبط بكِ من سماء مجدكِ، وتخرجكِ من دائرة سعادتكِ، وإياكِ والخديعة والانهزام، أمام هذه الحرب السافرة بين الحجاب والسفور، والعفاف والإباحية، وكيف وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التبرج والسفور مطية الفساد، وطريق الشرور. إن أعداء الإسلام قد ساءهم وأقضّ مضاجعهم ما تتمتع به المرأة المسلمة من حصانة وكرامة، فسلطوا عليها الأضواء، ونصبوا لها الشباك، ورموها بنبلهم وسهامهم، ومن الغريب أن يحقق مقاصدهم، ويسير في ركابهم، ويسعى في نشر أفكارهم، أناس من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، فيشنون الحرب الفكرية الشعواء، على أخواتنا المسلمات ماء وجوهنا، عبر العناوين الخادعة، والمقالات الساحرة، هنالك وهناك، فينادون زوراً وبهتاناً بتحرير المرأة، ويطالبون بعمل المرأة وخروجها من المنزل، ويشيعون الشائعات المغرضة، والشبه الداحضة عن المرأة المسلمة، فيقولون عن المجتمع المسلم المحافظ: «إن نصفه معطل، ولا يتنفس إلا برئة واحدة، وكيف تترك المرأة حبيسة البيت، ورهينة المنزل؟!» وما إلى ذلك من الأقوال الأفاكة، والعبارات المضللة، فماذا يريد هؤلاء ، وإلى أي شيء يهدفون؟! نعم إنهم يهدفون إلى تحرر المرأة من أخلاقها وآدابها، وانسلاخها من مثلها وقيمها ومبادئها، وإيقاعها في الشر والفساد! يريدونها عارضة للأزياء، وسلعة للسذج والبسطاء! فمن لصلاح البيت، وسعادة الأهل، وتربية الأجيال؟! خبروني بربكم، أي فتنة تقع، وأي بلاء يحدث، إذا هتك الحجاب، ووضع الجلباب، وافترس المرأة الذئاب، نتيجة السفور والاختلاط في الدوائر والمكاتب، والمدارس والأسواق؟! أما يكفي زاجراً، ويشفي واعظا يا إخوتي القراء ما وقعت فيه المجتمعات المخالفة لتعاليم الإسلام من الهبوط في مستنقعات الرذيلة، ومهاوي الشرور، وبؤر الفساد، حين أهملت أمر المرأة، حتى انطلقت الصيحات المجربة، والنداءات المتكررة، مطالبة بعودة المرأة إلى حصنها وقرارها؟! هل يرضى من فيه أدنى غيرة ورجولة أن تصير امرأته وموليته مرتعاً لأنظار الفسقة، وعرضة لأعين الخونة، ومائدة مكشوفة، ولقمة سائغة، أمام عديمي المروءة، وضعاف النفوس؟! ولقد أفادت الأوضاع السائدة أن خروج المرأة من بيتها هو أمارة الخراب والدمار، وعلامة الضياع والفساد، وعنوان انقطاع وشائج الألفة والمحبة والفضيلة، وانتشار غوائل الفساد والرذيلة بين أبناء المجتمع. فإلى أخواتنا المسلمات في عالمنا الإسلامي، وإلى نصف أمتنا الثاني، يوجه هذا النداء الحاني، من هذه البقعة الطاهرة: بالتمسك بالحث بكتاب الله، والعضّ على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالنواجذ، اتباع تعاليم الإسلام وآدابه. وإلى الجمعيات النسائية، في كل مكان يوجه نداء التحذير من مغبة مخالفة المرأة لهدي الإسلام، والانسياق وراء الشعارات البراقة، والدعايات المسمومة المضللة ضد أخلاق المرأة، ومثلها، وقيمها. وإلى المسؤولين عن الفتاة المسلمة تعليماً ورعاية، قوامة وعناية: أن يتقوا الله عز وجل، ويقوموا بواجبهم تجاهها، مع التركيز والعناية بالجوانب الإيمانية والتربوية والأخلاقية، لابد من وضع حد فاصل، وسد منيع، أمام السيول المتدفقة من المظاهر الفاضحة، والمناظر الماجنة، والأفلام الخليعة، والصور العارية، وشبه العارية، التي تقضي على الغيرة والأخلاق، وتورث الدياثة والرذيلة. أما أولياء أمور النساء من أزواج وآباء: فإننا نذكرهم بواجب القوامة على المرأة، امتثالاً لقوله سبحانه: ((الرجال قوامون على النساء)) (النساء: 34)، فعليهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يقوا أنفسهم، ونساءهم، وأبناءهم عذاب الله سبحانه، وذلك بالقيام بتربيتهم، وأطرهم على تعاليم الإسلام، وليحذروا من ترك الحبل على الغارب، فإننا نناشد فيهم غيرتهم على نسائهم، ونخاطب فيهم شهامتهم، ذباً عن أعراضهم، وصوناً لمحارمهم، فضلاً عن ديانتهم وأخلاقهم. إخواني وأخواتي القراء. إن قضية المرأة من الخطورة والأهمية بمكان كبير، وتحتاج إلى عرض متجدد مركز، لأنها اتخذت مطية، وغرضاً من أعداء الإسلام، يبثون من خلالها شبههم، وينشرون أباطيلهم وسمومهم في غفلة كثير من المسلمين، ولكيلا ينخدع بعض الدهماء والدهماوات فإن على المسلمين كل في مجاله العناية بهذه القضية، وبيان منهج الإسلام فيها، لنثبت للعالم بأسره أننا ولله الحمد في يقظة من أمر ديننا، وأن فتياتنا المصونات عزيزات بإسلامهنّ متمسكات بدينهنّ، لا تنطلي عليهنّ أقوال الناعقين، أعداء المثل والقيم والمبادئ السامية، لاسيما ونحن نعيش في بلاد الحرمين حرسها الله، حيث تتحلى المرأة بالسير على المنهج الإسلامي الصحيح، حتى أصبحت فريدة في نوعها، متميزة عن غيرها، شامة بين بنات جنسها، في وقت تتقاذف المرأة فيه أمواج الفتن، وما ذاك إلا بتمسك قادتها وفقهم الله بتعاليم الإسلام، وتأكيدهم على منع كل ما يخالف ذلك من مظاهر التبرج والسفور، والاختلاط، ونحوها، ولله الحمد والمنة. ويحسن هنا التنبيه إلى أمر مهم إخوتي القراء، وهو: أن المرأة المسلمة إذا حضرت بيوت الله، ولاسيما في بلاد الحرمين الشريفين، فإن عليها أن تكون مثالاً في الاحتشام والوقار، والستر والعفاف، والحجاب الشرعي في وجهها وجميع بدنها، اتباعاً للنصوص الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة، كما يجب عليها أن تكون بعيدة عن مزاحمة الرجال، وإيذائهم بالتعطر، والتزين بالثياب الجميلة، والحلي الفاخرة، ليُكتب لها الأجر إن شاء الله. فهل تجد هذه الكلمات آذاناً مصغية، وقلوباً واعية؟! ذلك ما أرجو وآمل، ((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب)). السديس