على ضوءِ هداياتِ النبوة ربما يمكن القول بأن المصطلحات الحديثة كمصطلح التجديد، والتقدم، والتطور، والتحضُّر، قد غدت هواجس وأهدافاً أممية، لا يخلُ من طرحها محفل، أو حدثٌ، أو مشهد، بل حتى على مستوى الأفراد، فالجميع – إلا من رحم الله – يدور في تلك الدائرة! فيصرفُ زهرة الشباب ويهدرُ عنفوان العمر؛ لئلا يوصم بالتخلف أو الرجعية من أناسِ العصر، لا سيما الغربيون منهم! – في انكسارٍ وهزيمةٍ نفسية بادية -. ذلك مبلغهُ من الحياة! – وكأن تلك المصطلحات الحديثة من مسلَّماتِ الشريعة التي لا يتم إيمان المسلم إلا بها!-. ولا شك أن للإعلام وبريقه دوراً كبيراً جداً في إعادة هندسة بعض العقول المسلمة المعاصرة وفقَ أولويَّاته وأهدافه؛ الأمر الذي تحوَّل بالكثير من أبناءِ المسلمين من الاهتمام بالأوَّليات الحقيقية، وانصرافهم إلى المفضول إن كان فيه شيء من فضل! عن الأخذ بالأفضل الفاضل بإطلاق، وهو ما خُلِقوا من أجله. وللانبهارِ الجامح كذلك ضريبته المؤلمة في تقليد المغلوب للغالب! وهو – أي الانبهار – أحد ثمرات العمل الإعلامي ليل نهار على منصةِ بعض العقول البائسة. لكن هلَّا توقّفنا قليلاً وأعدنا النظر في كفتي الميزان؟! هلَّا راجعنا الحسابات؟! كوننا مسلمين أتباع دينٍ لا يقبل الله ديناً غيره ليس بالأمر الهيِّن ولا بالسهل، فالمسلمُ لا يكون مطية لأحد، بل الواجبُ في حقه الحِفاظ على هذا الدين من موقعه، فلا يؤتين دين الله من قبله. وليستحضر عظمة المعاني وجلالها حين يكونُ الهم: "ماذا سيقول الله عني"، "ما منزلتي ومكاني عند الله"، "أين سيراني الله"، "ماذا سيسمعُ الربُّ من كلامي وخطرات نفس"؟! ثم يبدأ بإعادة هندسة حياته وفكره وقلبه وسائر شؤونه على ضوء ذلك، فذالكم الفلاحُ والله. كالحقيقة التي زَفَر بها صدر الفاروق رضي الله عنه وهو يبكي: "وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟!".[1] حقاً أيتها المسلمة؛ وما تصنعين بثناء الناس؟!، وما تصنعين بمعرفة الناس؟!، وما تصنعين بألقابٍ يضفيها عليكِ البشر؟![2]، وما تصنعين بعلمٍ وشهادات يمنحها البشر لا تزيدك من الله إلا بعداً حيثُ خلت من الأهداف السامية المرضية لدى ربِّ البشر؟! إنني في سياقِ الحديث عن المرأة الجديدة حقاً، فالعنوان واقعيٌ بامتياز لا من قبيل الجذب الصحفي أو خلافه! ولكن لإيضاح سبيل التجديد الحقيقي الذي يكون عند الله مرضيَّاً مقبولاً. ولكن قبل ذلك دعيني أيتها العاقلة أتمشَّى معك في معجم لغوي لإلقاء الضوء على مصطلح التجديد، ثم ننتقل إلى المرأة الجديدة الحقيقية: مفهوم التجديد: التجديد في اللغة نقيض البِلى، يقال: شيء جديد وجدَّ الثوب والشيء يجِدُّ؛ أي صار جديداً، وهو نقيض الخَلَق، وتجدَّد الشيء صار جديداً، وجدّده أي صيَّرهُ جديداً.[3] نستفيد من هذا المعنى أن ثمة شيئاً في الأصل، ثم بلي وخلق وصار قديماً بعوامل ومؤثرات أفسدت جمال جِدَّته، ثم صار جديداً بعد ذلك بزوال تلك المؤثرات والعوارض. فهذا هو المعنى الصادق الصائب لمصطلح التجديد، والذي يؤيدهُ النص الشرعي، قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها".[4] وما سِوى ذلك المفهوم الشرعي للتجديد من مفاهيمهِ الحديثة المعاصرة؛ لا تخرج عن أحدِ حالين: إما أنها تتماشى مع شريعة الله تعالى وتتأدبُ مع أحكامها وما جاء به مبعوثُ رب العالمين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم؛ بمعنى أنها لا تحاربها ولا تناقضها وتسعى لنقضها!، فهذهِ لا غبار عليها البتة، بل يؤخذُ بها بحسب ما فيها من المصلحة. وإما أن يكون مفهوماً مناقضاً معارضاً لما جاءت به الشريعة الإلهية، ومناقضاً لمعلومات الدين الضرورية؛ التي من أهمها وجوب طاعة الله ورسوله إذ هما مقتضى الإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فهذا المعنى المنحرف الجانح الذي يجدرُ بكل مسلم عاقل أن يُلقى به عرض الحائط ولا كرامة! قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب (36) فمن زعم أو اعتقد أن التطبيقات الغربية الحياتية والمعيشية للمرأة هو التجديد الذي يجب أن يكون في حق المسلمة، فقد أراد لنفسِهِ الخيرة، وعصى الله ورسوله، وبات وصف الإيمان لديهِ في خطر! علماً أن سبب نزول الآية كان في أمرٍ أكبر أهمية بالنسبة للمرء أو الفرد، من مجرد طريقة المعيشة التي قد يتكيَّف معها بشكلٍ أو بآخر! ألا وهي مسألة المشاعر التي لا يملكها الإنسان؛ فزينب رضي الله عنها (كرهت) زواجها ابتداء من زيد بن حارثة، فنزلت الآية الكريمة لتعلمنا أن كل ما في المسلم لله تعالى، وعلى ذلك ينبغي أن يقيم ويحيا في عبوديةٍ أبدية خالدة حتى يلقى الله تعالى، مادام قد رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام (162). فكيف بما يملكه المرء من إرادةٍ وقدرة على التزام الشريعة، ثم لا يفعل؟! ناهيك عن أن يتمرد ويُبري أقلام اللمز والطعن فيها. المسلمة الجديدة: وإذا كان التجديد بمعناه الشرعي الصحيح هو المستفاد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم الآنف الذكر، فالمرأة المسلمة الجديدة هي التي رجعت عن تخبطاتِ العصرنة والعولمة، ولوثة الحياة المعاصرة والانبهار المذيب لهوية وشخصية الفتاة المسلمة، والاتباع الفكري للثقافة المادية اليوم، فرجعت عن كل ذلك إلى الاستمساك بالدين والشريعة النقية الصافية التي أنزلت على خير البشر من نميرها العذب الصافي؛ الكتاب الكريم والسنة المطهرة. إنهُ الإسلام العتيق الذي أعلى قدر المرأة ومكانتها، فأصبحت تستنشقُ عبير الحرية والكرامة في مدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن سامتها الجاهلية الأولى الجهلاء سوء العذاب، وأهدرت كرامتها ككائن إنساني له الحق في أن يحيا ويعيش! أما اليوم فنحن أمام جاهليةٍ معاصرة من نوعٍ آخر، لا ترى وأد الأنثى بالكلية كالجاهليةِ الأولى، وإنما استبقاءها واستحياءها لمآرب أخرى! وواقع المجتمعات الغربية أصدقُ شاهد؛ من اختلاطٍ، وسفور، وتشريع الإجهاض، وتقليدها أعمالاً تغتال أنوثتها، والترخيص لدور الخنا والفجور حتى باتت ضرورة اجتماعية! فأصبحت المرأة الضحية الدائمة لتلك المجتمعات! تلك المسالك التي يرى بعض أبناء الإسلام جدواها وفعاليتها في مقابلة شريعة الرحمن التي يصمونها بالتخلف والرجعية – تعالى الله علواً كبيراً – (سبحانك هذا بُهْتَانٌ عظيم) النور (16) فتنبَّهي أيتها العاقلة، فإن العاقل من عقل عن الله أمرهُ ونهيه، قال عز وجل بشأن أهل النار: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك (10). فلا يكون المسلم عاقلاً إلا إذا عقل عن الله ما جاء في كتابه الكريم وصحَّ فهمه للدليل الشرعي على فهم النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة الصالح. فذلكم الفلاح.. ذلكم الفلاح أيتها العاقلة، فتلمَّسي سير الخالدات، ومن تبوأن المنازل الرفيعة في الإسلام، ومن بُشِّرن بجنات الخلود ورضا الرب عز وجل عنهن، واقتفي أثرهن وانعمي بهن قدوات صدقٍ لكِ لتسعدي وترقي معارج الخلود في الدنيا والآخرة. فإن الله تعالى أمر نبيه باقتفاء سير الصالحين من قبله والاهتداء بها: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) الأنعام (90). ولي ولكِ في رسول الله وأمهات المؤمنين أسوة حسنة أيتها المسلمة. بعدٌ فكري: إن الإشكال الكبير الذي ترزح تحت نيره المرأة المسلمة في واقعنا المعاصر، هو ذلك التعتيم والتضليل الفكري الذي يمارسه الإعلام المعاصر اليوم، حتى غدت المفاهيم تحيا أزمة حقيقية تستدعي النظر الجاد والحل السريع! فمثلاً؛ ثقافة الحقوقية أصبحت اليوم من التشويش بمكان، حتى باتت المرأة في معظم المعمورة تنادي بجملة مطالب ترى في خلافها هضماً لها أو إهداراً لحقوقها وكرامتها وحقها في المساواة مع الرجل.. إلخ. ولو أعملتْ عين البصيرة لنظرت في المصطلح تحريراً (الحقوق)، ليحسن التأصيل أولاً، ثم جملة ما أُسِّس عليه بعد ذلك، وهذا ثانياً. فما معنى الحق ومن الذي يملكه؟! سؤالٌ من الأهمية بمكان! فأما شق السؤال الأول فجوابه: أن "الحق عند المسلمين، من أسماء الله تعالى، وفي لغة العرب التي نزل بها القرآن، هو الأمر الثابت".[5] بينما في الفكر الغربي، فإن الحق هو ما يقرره ضمير الجماعة أو قانونها الذي تسير عليه أو السلطة التشريعية المسيطرة [6]، فمصدر الثقافة الحقوقية بشري إنساني. هذا من حيثُ التعريف. أما من حيثُ شق السؤال الثاني؛ من يملك تقرير الحقوق المختلفة وإثباتها، فواضحٌ من خلال التعريف. ففي الشريعة الإسلامية، فإن الله تعالى هو الذي أثبت الحقوق وجعل الأحكام المختلفة المتعلقة بالجنسين وتعاملهما مع الكون من حولهما. كقوله تعالى: (وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ.. ) النساء (2)، (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةًۚ) النساء (4)، وقوله تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) النساء (7). فجعل لليتيم حقاً وجعل للمرأة حقاً في المهر إن خُطبت للزواج، وجعل للمرأة حقاً في الميراث، وغير ذلك من الحقوق الربانية التي حظِيَت بها المرأة [7]. في حين لم تجعل الشريعة للمرأة الحق في منافسةِ الرجال فيما أناطت بهم من أعمال وتكاليف. فها هي أمنا الصدِّيقة رضي الله عنها تسأل نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، تقول: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألا نَغْزو ونُجاهدُ معكُمْ؟ فقالَ: لكُنَّ أحسنُ الجهادِ وأجمَلُهُ الحجُّ، حجٌ مبرورٌ. فقالت عائشةُ: فلا أدعُ الحجَّ بعدَ إذْ سمعتُ هذا من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ".[8] كما لم تقر اختلاطها بالرجال، فها هو نبي الله يأمر النسوة بعد خروجهن من المسجد وانتشارهن في الطريق: "استأْخِرْنَ؛ فإنه ليس لَكُنَّ أن تَحْقُقْنَ الطريقَ، عليكنَّ بحافَات الطريق".[9] لقد خرجت النسوة من دارٍ للعبادة – مسجد رسول الله – والقلوبُ والأفئدة لم تزل سليمة طيبة بندى الموعظة والتذكرة، ولا يزال عالقاً بمسامعها صوتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو آيات ربِّه في تلك الصلوات المباركات، ومع ذلك يأمرهن بأن يستأخرن! كما أن الجهاد حربٌ مقدسة ضد العدو، لإعلاء كلمة الله، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، ومع ذلك لم تؤمر به المرأة، رغم كونهِ عِبادة محضة، وذروة سنام الإسلام!! مراعاة لطبيعتها – وقلبها قبل ذلك! – وأنوثتها ووظيفتها الحقيقية في صناعة الرجال وتأسيس الأجيال الناهضة. [10] فهل يسوغ أن يعتقد مسلم أن ما يزعمهُ العالم المتحضر المعاصر اليوم من حقوق للمرأة المسلمة.. حقوقاً ومطالب حقيقية؟! غفلت عنها الشريعة؟! – تعالى الله علواً كبيراً – . إنهُ الفرق الجوهر بين ثقافة الحقوقية في الإسلام، وعند الغرب الذي يسعى للهيمنة الفكرية لمفاهيمه في أوساط المجتمعات المسلمة للقضاء على دينها وهويتها الإسلامية. لكن ما يؤسف له وقوع بعض أبناء الإسلام في تلك الفِخاخ الفكرية؛ الأمر الذي أدى لانحراف الرؤية وتشويش المفاهيم! والإساءة لشريعةِ رب العالمين. إنكِ بمطالبتكِ بتطبيقات الحياة الغربية أيتها المسلمة تخضعين لتشريعات البشر.. لا تشريعك الإلهي لو تعلمين!! كتبتهُ/ مريم تيجاني 16/ 10/ 1436ه — [1] البداية والنهاية لابن كثير، (7/126). [2] ظهرت في واقعنا المعاصر ألقاب فخمة ضخمة لتزيين المنكر، وتلبيس الحق بالباطل، وجر المسلمة لوحل تفكيرهم وأهدافهم؛ كقولهم: ناشطة، حقوقية.. إلخ. فيجدرُ بالعاقلة أن تتنبَّه! [3] لسان العرب لابن منظور، (مادة جدد). [4] إسناده صحيح. [5] حقوق الإنسان في الإسلام للتركي، ص50. [6] انظر: المرجع السابق، ص52. [7] في الوقت الذي لم نجد لتلك الحقوق مكانة في ثقافة الحقوقية الغربية المعاصرة اليوم! [8] رواهُ البخاري. [9] رواه أبو داود، وحسَّنه الألباني. [10] من ضمن لوثةِ المفاهيم المعاصرة، اعتقاد بطالة المرأة المربية، وهذا خطأ فاحش إذ الوظيفة الأساس والأسمى للمرأة هي تربية الأجيال؛ وبالتالي يجب تنحية مفهوم البطالة عن الجانب النسوي تماماً.