في مشهد عالمي يزداد تعقيدًا، لم يعد التنافس في مجال الابتكار محصورًا بين الأسماء التقليدية. فالصين، التي كانت قبل عقد من الزمن تستثمر ما يعادل 72 % فقط من إنفاق الولاياتالمتحدة على البحث والتطوير، نجحت اليوم في تضييق الفجوة إلى 96 %، في قفزة تُعد واحدة من أبرز ملامح التحوّل في الاقتصاد العالمي. في الوقت الذي كشفت فيه بيانات وتقارير جديدة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن تباطؤ ملحوظ في نمو الإنفاق على البحث والتطوير في دول المنظمة خلال عام 2023، مقابل استمرار النمو القوي في الصين، ما يشير إلى إعادة تشكيل خريطة الابتكار العالمية. السعودية نحو اقتصاد معرفي في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها مشهد الابتكار العالمي، تبرز المملكة كقوة صاعدة تسعى إلى إعادة تشكيل موقعها في الاقتصاد العالمي من خلال الاستثمار في البحث والتطوير. ومنذ إطلاق رؤية السعودية 2030، أصبح الابتكار أحد المحاور الرئيسية لدفع عجلة النمو والتنويع الاقتصادي، حيث تسعى المملكة إلى بناء اقتصاد يعتمد على المعرفة والتقنية، بدلًا من الاعتماد التقليدي على النفط. وفي هذا السياق، أطلقت المملكة عام 2022 الإستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، والتي تهدف إلى رفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من أقل من 0.8 % من الناتج المحلي الإجمالي حاليًا إلى 2.5 % بحلول عام 2040، بما يتماشى مع المستويات العالمية في الدول الصناعية. وتشير تقديرات رسمية إلى أن إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير تجاوز 14 مليار ريال سعودي في عام 2023، بزيادة تفوق 30 % مقارنة بالسنوات السابقة. مجالات البحث العلمي وتركّز المملكة جهودها البحثية في أربعة مجالات ذات أولوية إستراتيجية تتمثل في الصحة والدواء، والطاقة المستدامة، والبيئة واستدامة الموارد الطبيعية، والذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية، وتعززت هذه الجهود من خلال إنشاء كيانات داعمة، مثل هيئة البحث والتطوير والابتكار، وتوسيع نطاق عمل مراكز الأبحاث في الجامعات السعودية، إضافة إلى تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما شهدت الجامعات السعودية قفزات ملحوظة في مؤشرات البحث العلمي، حيث أصبحت العديد منها ضمن تصنيفات عالمية مرموقة، نتيجة زيادة عدد الأوراق العلمية المنشورة، وحجم براءات الاختراع المسجلة. وتعمل مبادرات مثل برنامج الباحثين الوطنيين ومراكز التميز البحثي على تمكين الكفاءات الوطنية ودعم الأبحاث التطبيقية المرتبطة بالتحديات التنموية. وتدل هذه المؤشرات على أن السعودية، التي تخطو بثبات نحو اقتصاد ما بعد النفط، تدرك أن السباق العالمي لم يعد يعتمد فقط على الموارد الطبيعية، بل على القدرات المعرفية والابتكار العلمي، مما يجعل من استثماراتها المتصاعدة في البحث والتطوير ركيزةً حيوية لمستقبل تنافسي ومستدام. تباطؤ في اقتصادات كبرى وذكرت التقارير أن معدل النمو في الإنفاق على البحث والتطوير داخل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بلغ نحو 2.4 % بعد احتساب التضخم، مقارنةً ب3.6 % في عام 2022. وعلى الرغم من تصدر قطاع الأعمال بتمويل بلغ 74 % من إجمالي الإنفاق، فإن دولًا مثل ألمانياوفرنسا شهدت أداءً باهتًا، حيث لم يتجاوز النمو في ألمانيا 0.8 %، بينما سجلت فرنسا تراجعًا بنسبة 0.5 %. الصين تواصل الصعود في المقابل، قفز معدل النمو في الصين إلى 8.7 %، متجاوزًا بذلك الولاياتالمتحدة 1.7 % والاتحاد الأوروبي 1.6 %. ويعود ذلك إلى تراجع النمو في عدد من اقتصادات أوروبا الغربية، في حين سجلت دول مثل إسبانيا وبولندا نسب نمو تجاوزت 8 %. وتُظهر الأرقام أن الصين باتت قريبة من الولاياتالمتحدة في إجمالي الإنفاق على البحث والتطوير، حيث بلغ إنفاقها 96 % من المستوى الأمريكي، ارتفاعًا من 72 % فقط قبل عشر سنوات. إسرائيل وكوريا تتصدران رغم هذه التحولات، بقيت كثافة البحث والتطوير نسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي الإجمالي ثابتة عند 2.7 % في دول المنظمة منذ 2020، و2.1% في الاتحاد الأوروبي. في المقابل، بلغت النسبة في الصين 2.6 %، بينما تصدرت إسرائيل وكوريا القائمة بنسبة 6.3 % و5.0 % على التوالي. تمويل موجه للطاقة والدفاع تراجعت مخصصات الميزانية الحكومية للبحث والتطوير إلى 0.6 %، بعد انتعاش في 2022 نتيجة حزم التحفيز. ورغم ذلك، سجلت قطاعات الطاقة والدفاع ارتفاعًا كبيرًا، بنسبة 29.1 % و16.1 % على التوالي، في ظل تنامي التركيز على الأمن والتقنيات المستدامة. الاستثمار المعرفي اليوم، ومع اقتراب الصين من معادلة الكفّة، يبدو أن ملامح العقد القادم سترتسم من جديد، لا عبر المؤتمرات والشعارات، بل عبر معادلات البحث والتطوير والاستثمار المعرفي طويل الأمد. السعودية تدخل سباق الابتكار بثقة 2022 إطلاق الإستراتيجية الوطنية للبحث والتطوير 2040 الهدف رفع الإنفاق إلى 2.5% من الناتج المحلي الإنفاق الحالي: 14 مليار ريال سعودي النمو خلال السنوات الأخيرة: +30% أولويات المملكة البحثية: الصحة والدواء الطاقة المستدامة البيئة واستدامة الموارد الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقبلية جهود داعمة: إنشاء هيئة البحث والابتكار توسّع مراكز الأبحاث الجامعية دعم برنامج «الباحثين الوطنيين» صعود الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية صعود بكين وتباطؤ أمريكا في سباق الابتكار قبل 10 سنوات: إنفاق الصين = 72% من إنفاق أمريكا على البحث والتطوير اليوم: إنفاق الصين = 96% من مستوى أمريكا نمو الإنفاق على البحث والتطوير (2023): الصين: +8.7% إسبانيا: +8.0% بولندا: +8.0% أمريكا: +1.7% الاتحاد الأوروبي: +1.6% ألمانيا: +0.8% فرنسا: -0.5% كثافة الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي: إسرائيل: 6.3% كوريا الجنوبية: 5.0% دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: 2.7% الاتحاد الأوروبي: 2.1% الصين: 2.6% تغير الأولويات الحكومية: تمويل الأبحاث في الطاقة: +29.1% تمويل الأبحاث في الدفاع: +16.1% تراجع مخصصات البحث الحكومي إلى: 0.6% من الميزانيات