يُحكى أن جارية قالت لسيدها: “ما أجملُ السماء؟ ” فأجابها: “نجومها!”، قالت: ما قصدتُ السؤال، بل التعجب، فقال: قولي “ما أجملَ السماء!”، سواء أكان سيدها علي رضي الله عنه، أم غيره، فقد كانت بداية إشارته رضي الله عنه لأبي الأسود الدؤلي بوضع قوانين النحو حينما قال: “انحُ هذا النحو”. كانت له نظرة ثاقبة، فعلِم أن اللغة ستَضيع ما لم تُكتب قواعدها، وستأتي أجيال ضاعت سليقتها بسبب مخالطة الأعاجم. واليوم نحن في أشد الحاجة لحفظ لغتنا من الضياع. ويقال إن أبا الأسود مرّ برجل يقرأ القرآن فقال: “أن الله بريء من المشركين ورسولِه”، قرأ “رسولِه” معطوفة على (المشركين) وهذا يُغير المعنى، والصحيح أن (رسولُه) مرفوعة. فذهب أبو الأسود إلى علي رضي الله عنه وشرح له كيف أن العربية في خطر، فأيدهُ سيدنا علي رضي الله عنه. وبما أنه من الضروري التواصل مع ثقافات العالم وأقطاره بسبب الوسائط الحديثة، ومن المستحيل أن ننعزل عن بقية البشر، أصبح وجوباً إيجاد طريقة تضمن الحفاظ على هذا الكنز (لغتنا العربية). مما يحزن كل مهتم باللغة أن يرى الخلط الكبير بين التاء المربوطة (ة) والتاء المفتوحة (ت)، وبين الهاء (ه) والتاء المربوطة (ة)، وبين همزة الوصل (ا) وهمزة القطع (أ)، وبين الضاد (ض) والظاء (ظ). أما النحو فحدِّث ولا حرج، لحنٌ جلي، بنصب المجرور، وجر المرفوع، وجمع المثنى. أنا لا أطلُب المستحيل، كأن يكون كل المجتمع على دراية كبيرة باللغة وما يتعلق بها من فنون، إنما أطلُب الحد الأدنى فقط، أن يتم التفريق بين ما ذكرت آنفاً، أن يَحفظ الطالب من نصوص الأدب ما يُحافظ به على ما تبقى من سليقة العربي، أن يتم التركيز على الفهم لا على الحفظ، ليس من المهم أن يَحفظ الطالب قواعد اللغة ليحصد أعلى الدرجات، بل الأهم أن يَفهم ما يسمى قاعدة، ولو لم يحفظها. فالفقه أهم من العلم؛ ولذلك كان سيدنا سليمان (الفقيه) أحكم من أبيه داوود (العالم) عليهما السلام جميعاً. ما لم يُتخذ القرار بأسرع وقت ستَسمع (ما أجملِ السماءُ). بسبب حركة على أجمل كُتب النحو، فماذا يجدر بنا أن نكتُب مع كل ما حولنا من ألحان! يجب أن نكتب ونقرأ لنبلغ السماء نحواً. فهد بن جابر @FahdBinJaber