عند مدخل ساراييفو قرب خط الجبهة السابق وبعيدا عن الخلافات السياسية التي تهيمن على البوسنة، يعمل نحو 50 من التجار الصرب والمسلمين الذين تواجهوا سابقا في حرب دامية، على التعارف وبيع خرافهم بمناسبة عيد الأضحى. ويقول ميلومير رادوفيتش الصربي المقيم في بولوزي البلدة الواقعة قرب ساراييفو، في جمهورية الصرب، الكيان الصربي في البوسنة «كل واحد منا كان في صفوف أحد الجيوش خلال النزاع الطائفي بين عامي 1992 و1995. كنا مرغمين على ذلك. إلا أنني لم أرتكب يوما أي جرائم حرب». أما رادوفيتش «60 عاما» فاقتاد إلى السوق في داريفا نحو عشرة خراف سيتم ذبحها بمناسبة عيد الأضحى. وقد باع للتو خروفين إلى مسلم من ساراييفو التي باتت تسكنها غالبية من المسلمين. ويوضح الرجل قبل أن يهتم بقطيعه لاستقبال زبون جديد «كنت آتي إلى هنا قبل الحرب أيضا لبيع الخراف. ثمة أشخاص يعرفونني هنا. الرجل الحق لا يتغير. فإذا كان رجلا قبل الحرب يبقى رجلا كذلك خلال الحرب وبعدها». وتعرض للبيع في السوق عشرات الخراف المحجوزة في حظائر خشبية منفصلة. وتدخل إليه شاحنات صغيرة وسيارات وتخرج منها بانتظام. وفي وسط جلبة المحادثات والصفقات التي تبرم توضع الخراف التي أوثقت قوائمها، بصعوبة في صندوق السيارات. ويقول جمال قزاز وهو بقال من ساراييفو جاء لشراء خروف إن مسألة «شراء خروف من بائع مسلم أو صربي سؤال لا أطرحه على نفسي. فالمهم هو السعر ووضع الخروف». وحول عدة طاولات أقيمت في وسط السوق، تهيمن أجواء من الاسترخاء وتحتدم الأحاديث بعيدا عن التوترات الطائفية الاعتيادية في البلاد. فهنا الحديث يتمحور فقط حول التجارة. وتقام الروابط بين باعة المجموعتين أو تتجدد حول المشاوي وفناجين القهوة. ويشير ليبو رادوفيتش وهو صربي آخر إلى أن «الوضع عاد إلى ما كان في السابق. فنحن نجلس معا. نحن الشعب ذاته ونتكلم اللغة ذاتها. لكن البعض يحاول أن يظهرنا عكس ذلك». ويؤكد ثابت بوريك «أرغمت على إطلاق النار باتجاههم وهم اضطروا أيضا إلى إطلاق النار باتجاهي. ونحن نادرا ما نتحدث عن النزاع. لدينا المشاكل ذاتها اليوم. وهم يعملون مثلنا. إنه كفاح يومي». ويضيف «علينا العيش معا. السياسيون عندنا يسلكون طريقا خاطئا». وبعد 16 عاما على انتهاء النزاع يبقى المجتمع البوسني منقسما كثيرا بين الطوائف الثلاث التي تواجهت في الحرب، أي المسلمين والصرب «أرثوذكس» والكروات «كاثوليك». ويأسف الكثير من المحللين لكون رفع شعار الخوف من الآخر لا يزال يؤمن الفوز بالانتخابات. ويقول كمال دراكوفاتش «ما يردد علينا في التليفزيون يوميا أمر سخيف». ويختم قائلا «الساسة يكذبون. السياسة الفعلية نحن الذين نصنعها» .