لم أتخيل أن يكون يومي حافلا بالجنان، أو أن تكون «المجنانة» التي تجسد السلوكيات الجنونية بأشكالها المختلفة متداخلة مع أبسط الأمور. بدأت يومي بتنظيف أسناني كبلايين البشر حول العالم. واستخدمت معجون أسنان يحتوي على عنصر الفلور لحماية ميناء أسناني من الإساءات، والإهانات التي ستتعرض لها خلال اليوم: من عوالق سكريات، وبكتريا، وغبار، وحامض الكلور، والكبريت، وغيرها من المواد الفتاكة الناتجة من الماء، والطعام، والهواء والتي ستحاول بكل ما لديها من مؤهلات أن تهاجم أسناني لتقلص ما تبقى لها من عمرها الافتراضي لتغير خصائصها التي أنعم الله علينا بها. وبصراحة أحد أحلامي أن تستمر معي كامل أسناني طوال عمري بإذن الله عز وجل. وعنصر الفلور من اهم ما يستخدم لحماية الأسنان، وهو من أساس مكونات معجون الأسنان بأنواعه المختلفة في جميع البلدان حول العالم. وذلك لأنه «يتشعبط» على الميناء أي غلافها الخارجي بمشيئة الله، فيكون أحد موانع الحماية الرئيسة لأسنان البشرية اليوم وكل يوم. وهذا الموضوع له أهمية بالغة لنا جميعا لدرجة أن بعض الدول تعمد إلى إضافة مادة الفلور إلى مياه الشرب كسياسة صحية لرفع مستوى صحة الأسنان لدى البشر. وإليكم الطرفة في هذا الشأن: الفلور من أكثر العناصر تفاعلا على الإطلاق ويمكن تشبيه سلوكياته «بالمجنانة» فهو يتفاعل مع جميع العناصر تقريبا شاملة تلك التي لا تجرؤ المواد الأخرى على التفاعل معها. وكمثال على ذلك نجد عنصر الذهب صاحب مكانة معروفة فهو «ابن ناس» جدا، ويعرف «مكانته»، ولا يتفاعل إلا في النادر. مثل البشر الذين لا يدخلون أنفسهم في «مهاترات» لا داعي لها. ولكن الفلور لا يعترف بذلك فيتفاعل مع الذهب. وهناك مجموعة من العناصر تسمى «العناصر النبيلة» لأنها لا تتفاعل مع أي من العناصر الأخرى ولا مع بعضها، وتشمل الهليوم، والرادون، والزينون، والكريبتون. تعيش في أمان إلا من الفلور الذي يهاجمها ويتحد مع بعضها «بالغصب». ومن عجائب هذا العنصر أنه يمتص بعض أطياف الضوء بشكل عجيب. معظم العناصر تمتص الضوء لتعكسه بنفس اللون.. يعني امتصاص اللون الأصفر يخرج الأصفر، والأحمر يخرج الأحمر، وأما الفلور ومشتقاته فهم يمتصون الألوان الخفية ما فوق البنفسجية ويعكسونها بعدما يمتصون الكثير من طاقتها فتخرج كألوان مرئية. العملية معقّدة. وهي من أسرار شيفرة ألوان النقود الورقية تفاديا لعمليات التزوير. ففي بعض العملات تستخدم هذه الخواص العجيبة للتلاعب بالضوء في صناعة أحبار بعض العملات الورقية ومنها عملة «اليورو» حيث يتم التحري عن أي عمليات تزوير باستخدام الضوء لاستشعار الضوء الصادر عن الفلور. وبالمناسبة فالاسم العلمي لما يفعله الفلور بالضوء هو «الاستشعاع» «فلوريسنس» Fluoresence والكلمة مشتقة من كلمة Fluor فلور. وسبحان الله أن حتى الضوء لا يسلم من تفاعلات هذا العنصر «الطائش». وفطرت بعض الفول بالشطة اليوم. وتأملت أن المجنانة لا تقتصر على عالم الكيمياء فحسب، ففي دنيا النبات نجد عالم الفلفل الحار العجيب. ومن الطرائف أن هناك مقياسا لحرارة الشطة يدعى مقياس «سكوفيل» وتتراوح درجاته من صفر (لا حرارة محسوسة) كما هو الحال في الفلفل الأحمر، أو الأصفر، أو الأخضر البارد، إلى حوالي خمسين ألف وحدة في شطة «التاباسكو» على صحن الفول المذكور أعلاه، إلى أكثر من مليون وأربع مائة ألف وحدة. والسؤال هنا هو لماذا هذا التركيز الهائل من الحرارة؟ والفلفل المعني هنا هو الشهير باسم «عقرب ترينيداد» Trinidad Scorpion Butch وتم اكتشافه في أستراليا. حتى اسمه يزرع الخوف في النفوس. وللعلم فلو تم لمسه بدون قفازات فهو يسبب التهابات لمدة يومين على الأقل. لماذا كل هذا؟ أمنية هل تعتقد أن ستنجو من المجنانة اليوم؟ فكر مرة ثانية فهي حولك في بعض الأماكن التي لا تتخيلها. وربما أغرب ما في «المجنانة» هي ممارستها من قبل بعض الحكومات. والافتراض هنا هو أن أبسط قواعد الإنسانية، وممارسات الحضارة تحكم التصرفات الخارجة عن المعقول. ولعل أغرب الحالات هي تلك التي نرى تطبيقاتها الشرسة على الشعبين الشقيقين الفلسطيني والسوري. أتمنى أن نرى نهاية للظلم الواقع عليهما بنصر من الله عز وجل. وهو من وراء القصد.