معظم العناصر التي أنعم الله علينا بها على هذا الكوكب معدنية وصلبة. ونعرفها كمعادن مثل الحديد، والصفيح، والألومنيوم، والفضة. والعديد من العناصر تعشق التفاعل مع العناصر الأخرى كما تعلمنا في الكيمياء، وبعضها يتفاعل بطرق شرسة فيحارب و«يصارع»، وبعضها «يشحذ»، وبعضها «يستلف»، والبعض الآخر «يسرق» إلكترونات من العناصر الأخرى وكل هذا من أجل تعديل أوضاع ذراته. ومن هنا تنتج التفاعلات الكيماوية التي تكون عالمنا اليوم. وتصدر عنها كميات كبيرة من الطاقة و«الدراما الكيميائية» والمواد الرائعة التي تكون عالمنا بمشيئة الله. ولكن هناك عائلة من العناصر التي لا تتفاعل مع بعضها، بل ولا تتفاعل مع أحد. حالها في «الطراوة» فهي مرتاحة بأوضاعها الذرية من ناحية الإلكترونات، وبالتالي «فتترفع» عن سلوكيات العناصر الأخرى من سرقات، ومضاربات، وشحاذة، وتسليف لدرجة أن أطلق عليها مصطلح «الغازات النبيلة». وبصراحة هذا الاسم لا يعكس النبل بقدر ما يعكس التنبلة. وللعلم فهي تسمى أيضا باسم الغازات «الخاملة» بسبب عدم تفاعلها. والغريب أن لكل منها قصة عجيبة، وكمثال فقد تم اكتشاف أولها وهو غاز «الهليوم» على سطح الشمس بنهاية القرن التاسع عشر. وتم رصده وتحليل مكوناته الذرية آنذاك وأطلق عليه اسم «الغاز الشمسي» لأن الكلمة اللاتينية Helium مشتقة من كلمة «هليوس» Helios وهو اسم الشمس بتلك اللغة. والعناصر الأخرى في تلك العائلة، كلها غازات «تنبلة» هي: النيون، والأرجون، والرادون، والكريبتون والزينون. ولكن التنبلة لا تقتصر على عالم الكيمياء فحسب، ففي عالم الأحياء نجد بعض الأمثلة العجيبة أيضا. وفي الواقع فسأختصر وآتي بالكلام من الآخر: معظم الكائنات تمارس التنبلة بطرقها الإبداعية. من أكبر المخلوقات البحرية وهي الحيتان، إلى أكبر الكائنات البرية وهي الفيلة، ستجد أن جزءا كبيرا من الوقت لا يفعل فيه الكائن أي شيء. بل وحتى لو تمعنت في النحل الذي يضرب به المثل في النشاط والحيوية فستجد أن العديد من تلك الحشرات الطائرة تقضي يومها في حالة راحة تامة بدون حراك. وأما على المستوى الشخصي، وفى منزلي ألاحظ هذه الظاهرة، فأعتقد والله أعلم أن هرتنا تمارس التنبلة في أقوى أدوارها. وسبحان الله كأنها تعتنق مبدأ أن النوم العميق جدا هو إحدى واجباتها الأساسية في الحياة بالرغم من صغر سنها، وجودة صحتها، وقوة بدنها. وكنت قد قرأت ذات يوم أن الهرر تنام أثناء النهار، وتمارس نشاطها أثناء الليل. واكتشفت أن هذا لا ينطبق عليها فهي تنام في النهار والليل معا.. أمنية قد تكون التنبلة من أكبر المخاطر التي تواجه المجتمعات، وبالذات الشباب اليوم لأن الوقوع في شباكها سهل جدا، وخصوصا بسبب ندرة البرامج الشبابية النافعة الهادفة لتنمية العقول والأبدان. أتمنى أن تبقى روائع التنبلة في عالم الكيمياء، والكائنات البحرية والبرية، والحشرات، والهرر، وأما في عالمنا فهي غير لائقة وغير مرحب بها مهما كانت عجائبها. وأخيرا.. فلنتذكر أن أخطر أنواع التنبلة هي تنبلة الضمائر، وهو ما نراه اليوم تجاه العديد من قضايا الظلم وأولها قضية فلسطين، والاستخفاف بأوضاع القدس. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة