يحصر البعض مفهوم الفساد الوظيفي في أنه مرتبط دائما بالاختلاس المالي، ولكن هذا طبعا غير صحيح، فكل فعل يتم من خلاله استغلال الموقع الوظيفي بما يضر بالحقوق العامة أو الخاصة هو شكل من أشكال الفساد، لعل أحدث أشكال الفساد الوظيفي هو تصوير مقاطع فيديو من موقع العمل ونشرها عبر الإنترنت بصورة مؤذية للشخص الذي تم تصويره. في البداية، كان الأمر مقبولا حيث يصور مراجع سوء الخدمات في جهاز حكومي ما، أو يقوم بعض المتضررين بتصوير لقائهم العاصف بأحد المسؤولين، وكان كل ذلك يدخل في خانة استغلال الوسائل الحديثة لخدمة قضية أو مشكلة غائبة عن وسائل الإعلام، ولكن الأمر تحول مع مرور الأيام إلى لعبة، حيث دخل الموظفون على الخط ليصوروا بجوالاتهم مقاطع فيديو من داخل مواقع العمل تنتهك خصوصية الآخرين. وهكذا بدأنا نشاهد مقاطع فيديو لمعلمين يصورون أطفالا يبكون بحرقة بعد تعرضهم للضرب، وكذلك بعض العاملين في المستشفيات الذين يصورون مرضى أو مسنين في حالة مؤسفة، حتى تطور الأمر وأصبحنا نشاهد رجال أمن يتخلون عن مهمتهم الأساسية ويتفرغون لتصوير الجرائم وفضح الأسماء المرتبطة بها، وقد حدث هذا أكثر من مرة، حيث ظهر مقطع فيديو للسيارة التي استخدمها أحد الهاربين من سجن الدمام وهي ممتلئة بالدماء بعد نهاية تبادل إطلاق النار مع رجال الأمن، وكذلك مقطع الفيديو الذي يخص الجريمة الأخيرة التي حدثت في الرياض والتي راح ضحيتها مواطن كان في نزهة برية عائلية، قبل أن يطلق عليه القاتل النار بالاتفاق مع زوجة القتيل، في هذه الجريمة ظهر مقطع فيديو للجثة وللزوجة وهي تتحدث داخل الدورية، كما ظهرت بعض الوثائق التي تخص القضية بالأسماء دون أدنى اعتبار لأسرار الناس، وفي انتهاك فاضح للخصوصية لم يكن من المتوقع أبدا أن يقوم به من يحملون أمانة حفظ أسرار الناس. لذلك كان قرار سمو وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف في محله حين أمر بمعاقبة المتورطين بتصوير هذه المقاطع المؤسفة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا لم يوضع حد لهذا الاستهتار الوظيفي في مختلف القطاعات الحكومية، فإننا قد نشاهد غدا مقاطع فيديو تفضح أدق الأسرار العسكرية، ونسيء إلى مواطنين ومواطنات يعتقدون أن هذا الموظف أو ذاك يتقاضى راتبه مقابل أن يخدمهم وليس من أجل تصويرهم وانتهاك خصوصيتهم. قد يكون التصوير مهما في بعض حالات الإنقاذ أو معاينة مسرح الجريمة، ولكن ليس بهذه الطريقة العشوائية المؤذية، فقد شاهدت بالصدفة عملية إنقاذ أحد العمال في فندق في مدينة خليجية، ولاحظت أن أحد رجال الدفاع المدني كان يصور الحادثة بكاميرا صغيرة معدة لهذا الغرض، وقد خمنت أن استخدام هذه الكاميرا عوضا عن كاميرا الجوال الشخصي يحد من عملية النشر ويسهل عملية تفريغ الصور بطريقة مضمونة بدلا من البحث عنها في جوال أبو محمد أو جوال أبو عبدالله!. [email protected]