عيد الفطر المبارك له مكانته الخاصة في قلوب الجميع، بعد أن شارف الشهر الفضيل على الرحيل ، ويحتل هذا الشهرو عيد لافطر المكانة المميزة في مدينة الطائف، فجميع الأحياء لها رونقها الخاص في استقبال هذا الشهر الكريم والعيد وطريقة عيشهم فيه. فمن بين هذه الأحياء يظهر لنا حي امتلأ بالسكان سواء من السعوديين و الوافدين له من الجالية الأفريقية، فلهم طريقتهم في استقبال شهر رمضان المبارك ويسمى ب«حي وادي النمل»، الذي يعتبر من أقدم الأحياء في مدينة الطائف، ونشأ من بيوت الزنك، وتحول من وادٍ إلى حي متكامل الخدمات. هذا الوادي ذكر في القرآن الكريم في قوله تعالى: (حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)، أي هو الوادي الذي مر به نبي الله سليمان وكان مسكنا للنمل ومملكة لها. تقول أم أحمد التي عاشت معظم حياتها في هذا الحي: «بمجرد إعلان دخولنا شهر الصيام، نتبادل نحن والجيران وأهل الحي التهاني بزيارة خفيفة قبل نهاية اليوم الذي تم الإعلان فيه، ثم تعلق الفوانيس الرمضانية المميزة وتمتد السفرة الخاصة بالسحور والإفطار التي تعج بالأطباق العربية الخالصة، والتي تتنافس سيدات الحي على إعدادها بمهارة، وفي العيد تشعل القناديل التي تضىء الحي بأكمله». وأكدت أم أحمد، أن رمضان المحبة والتواصل بين الأقارب والأرحام، تكثر فيه الخيام الرمضانية التي تؤنس أهل الحي حتى خيوط الفجر الأولى. وأبانت أن مشهد رمضان المعتاد لم يعد كذلك أبدا، ففي أيامنا هذه تغير المشهد الرمضاني وصار أفراد بعض العوائل الآن يلتفون حول الشاشات التلفزيونية لمتابعة المسلسلات المميزة والمقاطع الكوميدية المضحكة، ويجتمعون على مائدة إفطار حديثة تعج بالأطباق الإيطالية والمكسيكية والأوروبية، لينتهي اليوم بسحور مميز في أحد المطاعم الشهيرة السريعة في إعداد الوجبات والأطعمة، حيث الوقت لا يتسع لإعداد سحور منزلي. أما أم فهد فتقول: «المشهد الرمضاني بين الماضي والحاضر أصبح مختلفا كثيرا، لأنه أصبح شهرا استهلاكيا بامتياز»، مضيفة أن رمضان لم يعد شهرا خاصا بالعبادة والزهد، بل أصبح الآن استهلاكيا بامتياز وفقد رونقه بسبب الازدحام في الأسواق وتكدس الأطباق بشكل خرافي وتكدس المسلسلات الرمضانية أيضا التي تكرر نفسها بشكل مقيت. وتتابع أم فهد قائلة: «في الفن مثلا لم نعد نميز الرديء من السيئ بسبب التكدس، حين كنت صغيرة كان هناك فنان توفي في زمن قريب يضحكني في برامجه، كان هو واثنان معه فقط على الساحة الدرامية، أما الآن فالجميع يتجه للإضحاك وكثر الفنانون». وأكدت أنها تشتاق لرمضان الذي عاشته في الزمن الماضي الذي كان يتسم بالبساطة في كل شيء. ويرى العم إبراهيم سعد، الذي عاش في أروقه هذا الحي سنوات مديدة، أنه في الزمن الماضي كانت الحياة بسيطة جدا ولم تكن مكلفة، كما أن رمضان في السابق كانت البيوت تعلن حالة الطوارئ لاستقبال هذا الضيف الكريم، الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، فيتنافس الناس فيه لبذل المعروف وصلة الرحم والتقارب الاجتماعي وإصلاح ذات البين، أما مائدتهم فكانت نكهات فطورهم متواضعة تعبق بطيب قلوبهم فتجد السفرة مليئة بأطباق الجيران المتبادلة. وأكد العم إبراهيم أنهم في السابق كانوا يقضون نهارهم وليلهم بين الطاعات لا يهمهم حر ولا برد، ففرحتهم بالشهر كبيرة وفي حال كان لديهم سمر أو سهر، فهو لا يتعدى الساعة الثانية عشرة كأقصى حد لكون الناس يهتمون بسحورهم وصلاتهم للفجر وينتهي الشهر وهم محزونون عليه. من جانبه يقول أبو عمر: «إن سفرة رمضان تختلف اختلافا جذريا عندي، فأنا لا أحب التبذير في رمضان، فتجد سفرتي بسيطة قد لا تشاهد عليها إلا القليل من الطعام، إضافة إلى التمر والماء، بعكس ما تجده عند الغير، فتجدهم يبذرون في الطعام وغيره في هذا الشهر الفضيل، ولو نأتي على مخزون رمضان لدي الآن فهو يعتبر بسيطا جدا، لأنك قد تجلب لمنزلك العديد من الأطعمة والمواد الغذائية التي ربما قد تفسد في ثنايا هذا الشهر، فالجميع الآن عند سماعهم اقتراب شهر رمضان تجدهم في الأسواق وربما لو كان لديهم استطاعة لأخذوا كل ما في سوق من مواد غذائية وغيرها، خوفا منهم أن في ثنايا شهر رمضان سوف تفتقر جميع الأسواق للمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وهذا الأمر غير صحيح فأنت ربما تستعين بالبقالة الصغيرة القريبة من منزلك في حال لم يكن هناك شيء».