يشعر ريّان بفرح داخلي ينتابه حين يتذكر أن ضيفاً كريماً يطرق الأبواب... وخصوصاً أن اسمه مرتبط به... إنه شهر رمضان... وريان باب من أبواب الجنة يدخله الصائمون... لشهر رمضان حكايا ومزايا خاصة لها وقعها في قلوب الكثيرين.... لكن الأكثر شهرة بين الناس...الموائد أو الافطارات... فلماذا تكثر الأصناف والأطباق وتحدث التخمة والسمنة عند البعض؟ علماً أن هذا الشهر الفضيل هو شهر عبادة محض.. وما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، فحين تشبع البطون تسمن الأبدان وتضعف القلوب..... ومع ذلك ترى أن السمة البارزة في رمضان هي الأطباق والأكلات المبالغ في تقديمها....لدرجة ان مكبات النفايات تشعر هي الاخرى بالثقل ..في حين أن هناك العديد من الشعوب الفقيرة التي تئن من جوعها وتتلوى.... يتجول ريان في شوارع بيروت المزدحمة...يدخل الأسواق الشعبية ماسكاً يد والدته....يندهش...تعجبه المصابيح والزينة التي تكاد تخنق الأزقة... لكنها تذكره دائماً برمضان.... وهاهي محال الحلويات والأطعمة اللذيذة تعرض مختلف الأصناف بشكل مغرٍ ...لا يزال ريان عالقاً بذهنه أن رمضان..شهر جميل....فيه عبق خاص... ونكهة مميزة... والأجمل من ذلك كله الأجواء العائلية والاجتماع حول مائدة واحدة في وقت واحد...حيث تزدان الموائد بما لذ وطالب... وتعج بألوان الخضروات وأصناف الأطباق المحضرة...امممممممم....يشعر ريان بالجوع يسري في حنايا معدته.... ولكل تفصيل قصة... تعتبر فوانيس رمضان من الذكريات الهامة وموروث تاريخي استخدم في صدر الإسلام في الإضاءة ليلاً للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب . وللفوانيس شهرة خاصة في مصر وهي عرفت منذ الخامس من شهر رمضان عام 358 ه وقد وافق هذا اليوم دخول المعز لدين الله الفاطمي القاهرة ليلاً فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب وقد تحول الفانوس من وظيفته الأصلية في الإضاءة ليلاً إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون وقد ظهرت أنواع عديدة للفوانيس منها فوانيس الشمع التي تتميز بألوانها الجذابة والمصنوعة من الزجاج في صورة نوافذ متلاصقة في إطار من الألومنيوم والنحاس وعليها رسومات مزخرفة وباب لإدخال الشمعة التي تستقر على قاعدة معدة لذلك ويتم إضاءتها فتعكس ألوان الزجاج المزخرف وظلت تتطور حتى أصبحت الآن تستخدم التكنولوجيا الصوتية والضوئية...أما المعنى الأصلي للفانوس، كما ذكر الفيروز أبادي مؤلف القاموس المحيط هو 'النمام' ويرجع صاحب القاموس تسميته بهذا الاسم إلي أنه يظهر حامله وسط الظلام مدفع الافطار استحدثت الدولة العُثمانيّة أيام إبراهيم باشا مدفعاً في بيروت، خصصت له مدفعجياً مهمته إثبات شهر رمضان وإعلان وقت الإفطار والإمساك والأوقات الخمسة، وكذلك إطلاقه طيلة عيدي الفطر والأضحى. كان يتم إطلاق المدفع مساء يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، إذا ثبتت رؤية هلال شهر رمضان، وإلا عصر الثلاثين منه، وكانت تطلق 21 طلقة مدفع تبشيراً وإجلالاً كما حصل سنة 1859م وما بعدها. والملاحظ في مدفع رمضان أن له دولابين كدواليب العربات، والقذيفة العائدة له هي عبارة عن حشوة قماش كتّان محشوة بالبارود ومتصلة بكبسولة يضعها الجندي في المدفع ويطلقها بواسطة حبل رفيع. كان موقع المدفع أيام الدولة العُثمانيّة في الثكنة العسكرية الواقعة على رابية مطلّة على بيروت، وهو ما يُعرف اليوم بمقر مجلس الإنماء والإعمار، المدفع متجه إلى الشرق. ثم نُقل الموقع على أثرها إلى تلة الخياط قرب مقهى أبو النور الكوسا التي كانت تطل على معظم الأحياء الإسلامية، حيث أشرف على المدفع وإطلاقه رجال القناصة اللبنانيّة (جيش الشرق)، ومن بعدهم الجيش اللبناني بعد الاستقلال. وتشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن تقليد مدفع رمضان إنما يعود إلى عام 1811م في زمن والي مصر علي باشا، فقد كان جيشه قد امتلك مدافع حديثة الصنع، لذا أمر بإحالة المدافع القديمة إلى المستودعات لقدمها، وقد وضع أحدها في القلعة تذكاراً لإنتصاراته، وفي أحد أيام شهر رمضان المبارك أطلق جيش محمد علي قذيفة من المدفع القديم مع آذان المغرب، فظن المصريون أن هذا العمل بات تقليداً، فابتهجوا لذلك وحتى قبيل الأحداث اللبنانيّة عام 1975م، كان مدفع الإفطار ومدفع الإمساك يُطلق، ولكن من منطقة تلة الخياط، في المنطقة التي تعتبر أعلى مرتفع في بيروت، ثم من تلة زريق قرب دار الأيتام الإسلامية، وعادت هذه العادة ابتداء من عام 1995م بإطلاق مدفع الإفطار ومدفع السحور من منطقة السفارة الكويتية قرب قصر رياض الصلح. المسحراتي ارتبط رمضان بعادات وتقاليد ظهرت ولم يكن العرب يعرفونها منها (المسحراتي) وهو رجل يطوف بالبيوت ليوقظ الناس قبيل أذان الفجر يضرب على الطبلة ويردد بعض (اللزمات) من قبيل : (قم يا نائم وحد الدائم) أو (سحور يا عباد الله) وأحيانا ينادي أهل الحي كل بإسمه نظير أجر رمزي يجودون به عليه المسحّر هو الرجل المميز في رمضان، وينحصر عمله في ذلك الشهر، فهو الذي يوقظ الناس للسحور. ولكل حي مسحر أما اليوم فلا يرغب بعضهم بالاستيقاظ للسحور، أو يفضلون الاستيقاظ في وقت معين معتمدين على ساعة المنبه، وقد ينبهون المسحر ليخفض صوته عند مروره بهم . بدأت مهنة المسحراتي أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي أصدر أمراً بأن ينام الناس مبكرين بعد صلاة التراويح وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، أما أول مسحراتي فعلى في مصر فكان «عتبة بن اسحق» والي مصر أيام الفتح الإسلامي وكان يخرج بنفسه في مدينة الفسطاط لتسحير الناس وهو يردد «يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة» يعود ريان إلى البيت قبيل موعد الافطار بقليل.... فيجد والده يتعجل الفطور...ليدخن سيجارته المفضلة قبل الشروع في الطعام أما جدته فهي غارقة بتحضير نارجيلة العجمي التي لا تطمئن في إفطارها إلا وهي إلى جانبها وها هي والدته تشرع بتحضير الفتوش....ذاك الطبق الصحي المنوع...وهو أشبه بلوحة فنية مزركشة تجذب ألوانه ناظري ريان الذي لطالما أحب الفتوش واستلذه بتنوع مكوناته.... وللفتوش قصة.... ففي أواخر شهر آذار العام 1862 هرب عدد من سكان جبل لبنان من المذابح التي تعرضوا لها. وقد توجهوا إلى مدينة زحلة عند دارة آل السكاف وآل فتوش وكانوا من الإقطاعيين.وكان لدى استقبالهم في دارة آل فتوش مائدة عامرة بأنواع الأطعمة من لحوم وطيور وأطباق عديدة. بيد أن أهل الجبل كانوا نذروا الصوم قبل وصولهم إلى بر الأمان، لذلك لم يتمكنوا من تناول اللحوم واكتفوا بما وجدوا من خضار وأكلات نباتية أخذ بعض المدعوين يأكل من أطباق السلطات مغمساً بالخبز، وعندما بدأ يأكل سلطة الخضار بالخبز صار أحد الحاضرين من آل سكاف يضحك ويقول لصاحب البيت:" فتوش، شوف ضيوفك عمياكلو السلطة بالخبز. هيدي أكلة جديدة". حينئذٍ قال البطريرك غريغوريوس يوسف (رئيس بطريركية أنطاكية والإسكندرية واورشليم وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك): "خلص منسميها فتوش ومناكلها بأيام الصوم " وقد صادف ذلك التاريخ أواخر شهر رمضان من العام 1278 هجرية، فأخذ جيران زحلة في القرى الإسلامية فكرة طبق الفتوش وجعلوه مرتبطاً بصومهم في شهر رمضان المبارك. وقد استمرت هذه العادة حتى يومنا هذا، لذلك قلما ترى مائدة رمضانية في بلاد الشام تخلو من طبق الفتوش. ومن المعلوم أن اسم عائلة فتوش مشتق من اللغة التركية وهو اسم الدلع لاسم فاطمة يتحمس ريان عند رؤيته للخضار التي تقطعها أمه تقع مستسلمة في الوعاء... خس... بنذورة... خيار.... فجل... نعنع ... بصل.... حامض وملح وزيت....وخبز محمص أو مقلي....فيبدأ بدندنة بعض كلمات اغنية توتة للفنان أحمد قعبور ..... في عنا حكاية رمضان اللي كلو اشكال الوان للصبي بدنا نحكيها و نحكي للبنوتة توتة توتة عجقة زينة بالطرقات بالمطبخ معجوقة ماما محتارة بطبختها و مش ممكن إدوقا و عالسفرة كترو الطلبات جيب صحون ملاعق هات ستي عم تعطينا دروس عن معنى الصوم المدروس هز براسي و قلا فاهم لكني مطووش بعد الإفطار منتجمع نتذكر أهالينا رمضان الشهر اللي بيجمع كل الرحمة فينا وبابا اللي بشغلوا بيتأخر بكير بياخذنا نسهر يبرم فينا و يسلينا مع إنو بيتوتي وبسرعة تبدأ الأطباق والصحون والعصائر تتهافت إلى مائدة الافطار.... ربع ساعة ويطلق المدفع.... التمر ..الجلاب.... الماء...وللشورباء حظ وافر في الموائد الرمضانية.. وهناك الفتة والحمص بالطحينة اللذان يحرص الصائم على وجودهما على المائدة إضافة إلى العديد من المأكولات التي لا ينفصل وجودها عن رمضان منها الكبة النية والباذنجان بالطحينة وغيرها. هناك على المقلب الآخر.. تنشغل ثريا- عمة ريان المتخصصة بتحضير الحلويات المنزلية وهي تتولى إعداد صنف يومي من الأرز بالحليب- القشطلية- عيش السرايا- الكلاج- زنود الست- العثملية- القطايف- الشعيبيات..إلى غير ذلك من الوصفات الشعبية يجد ريان بين يدي عمته رقائق بيضاء... تكاد تتكسر لرقتها وهي مستديرة الشكل..تخرجها من كيس ملون.. أخضر أزرق أو أحمر... تضعها على الطاولة تبلها بالماء والنشاء وتضع عليها القشطة التي سبق وأن حضرتها ثم تلفها على شكل مربعات متوسطة الحجم فإذا انتهت من ذلك وضعت الزيت على النار وبدأت بقليها فتحيلها مربعات ذهبية شهية....أمام هذا المشهد يتذكر ريان وصف الشاعر العباسي ابن الرومي للزلابية المقلية قائلاً كأنما زيته المقلي حين بدا كالكيمياء التي قالوا ولم تصب يلقي العجين لجيناً من أنامله فيستحيل شبابيكاً من الذهب ومن المشاهد الرمضانية المحببة هي انتشار محلات القطايف في كل الشوارع فلا يكاد يخلو شارع أو حتى زقاق ضيق من صانعي الكنافة والقطايف الذين يصنعون الأفران الخاصة بهما في الشوارع في مشهد محبب .... وللكنافة والقطايف حكاية ترجع إلى عصر المماليك فهم أول من أدخلوا صناعتها للترفيه عن الصائمين والمحرومين لدرجة أنها أصبحت موضع مساجلة بين الشعراء فداعب أحدهم الكنافة بقوله : سقى الله أكناف الكنافة بالقطر وجاء عليها سكر دائم الدرر وقال شاعر في مدح القطايف: هات القطايف لي هنا فالصوم حينها لنا قد كان يأكلها أبي وأكرهها أنا لكني منذ ذقتها ذقت السعادة والهنا واحد.. اثنان..ثلاثة... ها هو مدفع الافطار ينطلق متبعاً بأذان المغرب اعلاناً بحلول موعد الافطار... فيبدأ الجميع الملتفون حول الطاولة بالشروع بالتهام الاطباق بسرعة قياسية تجعل الكثير منهم يصاب بآلام في بطنه وعسر هضم وتخمة.... ريان الذي لا يعي ماذا يأكل وماذا يترك من الاطباق.. تناديه أمه... ريان... ( حبيبي خلي مطرح للحلو...) يتذكر ريان الكلاج....فيبدأ بالاختصار مع أنه تذوق كل شيء... .....صحيح لا يزال هناك أيضاً السحور...... * المعلومات التاريخية مستقاة من عدد من المصادر والمواقع المتخصصة