المراقب لتطورات الموقف السعودي حيال الأزمة السورية يدرك تماما حرص المملكة على أمن واستقرار سورية دولة وشعبا، كان ذلك واضحا منذ خطاب الملك الأول في السابع من رمضان الماضي. إذ أسس خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قواعد الموقف السعودي حيال ما يجري في سورية، وكان الملك دقيقا ومنهجيا في طرحه وتناوله لطبيعة الأزمة، واضعا آلية عملية للخروج من الأزمة وقال ما نصه الآتي: إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية؛ فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة؛ فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما، إما أن تختار بإرادتها الحكمة، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع. ويوما بعد يوم أثبتت الأحداث اليومية في سورية صوابية رؤية خادم الحرمين، إذ زج النظام السوري بالبلاد إلى حافة الهاوية والفوضى، وهو الأمر الذي حذر منه خادم الحرمين. ولكن هل توقفت المملكة عند هذا الحد وهي ترى الشعب السوري يذبح بشكل يومي وآلية ممنهجة مكتفية بالتحذير، على العكس تماما، فقد ظلت المملكة تراقب عن كثب كل ما يجري في سورية، لما للبلدين من علاقة تاريخية يختلط فيها السياسي والاجتماعي والاقتصادي معا. وترجمت هذه المواقف السياسية إلى واقع عملي، فعندما رأت أن نظام الأسد يمعن يوما بعد يوم في قتل السوريين، إذ جرى التنسيق بين دول الخليج مجتمعة على سحب سفرائها من سورية وكذلك طرد السفراء السوريين من دول الخليج في فبراير (شباط) الماضي، وكانت المملكة سباقة في هذه الخطوة العملية والصادقة. وكانت هذه الخطوة رسالة سياسية إلى النظام السوري، عله يراجع حساباته السياسية، ويعمل على معالجة الأزمة بالطرق السياسية، لكنه يثبت في كل مرة أنه مراوغ ومستعد لسفك المزيد من الدماء للقضاء على الثورة. ومرة أخرى تثبت المملكة العربية السعودية أنها الداعم الصادق والنبيل للشعب السوري في مسيرة الحرية والكرامة. ففي أول مؤتمر دولي «مؤتمر أصدقاء سورية» الذي انعقد في 27 فبراير (شباط) الماضي، شخص الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الحالة السورية بكل أبعادها السياسية والاستراتيجية، بدعوته إلى تسليح المعارضة السورية إدراكا منه أن النظام لن يغير من سلوكه العدواني والهمجي حيال الشعب السوري. وأكد الأمير سعود الفيصل على ضرورة رحيل نظام الأسد عن السلطة طوعا أو كرها، معتبرا أن فكرة تسليح المعارضة في إطار الدفاع عن النفس فكرة ممتازة، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن الأمير سعود الفيصل في كل مؤتمر دولي حول الأزمة السورية يؤكد على حق الشعب السوري في الدفاع عن النفس. حقيقة لم يجد الشعب السوري أكثر مصداقية وشفافية ووضوحا من الموقف السعودي، حيال ما يجري في سورية، ولعل المعارضة السورية تتطلع إلى مواقف عربية جريئة مشابهة للموقف السعودي. لقد عودتنا المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على الرؤية الثاقبة والرزينة للأحداث، كما عودنا الملك عبدالله على وضع مصلحة الشعوب العربية والإسلامية فوق كل اعتبار. فالشعب السوري، يدرك بما لا مجال للشك أهمية وعمق العلاقات السعودية السورية، كما أن للمملكة مكانة خاصة ومميزة لدى السوريين، وبالطبع الأمر متبادل لدى السعوديين شعبا وقيادة. وما جرى في سورية من أحداث مؤسفة قتلت وشردت الآلاف من المدنيين، أوضح للشعب السوري من هي الدول المحبة له والداعمة لحقوقه، وبالطبع فإن المملكة العربية السعودية هي من أوائل الدول الداعمة والمساندة للسوريين في اختيار مصيرهم. ولن ينسى الشعب السوري في تاريخه أن المملكة لن تتخلى عنه ودعمته في كل المحافل الدولية في وجه طاغية ونظام وحشي لا يولي أية أهمية للقيم الإنسانية ولا أي اعتبار لمفهوم الشعب. أديب الشيشكلي عضو المجلس الوطني السوري