تظل الذات الإنسانية لغزا غامضا وعصيا على الفهم، حتى وإن ظننا للحظات أننا ملكنا مفاتيحه، فحتما ستتلاشى تلك الظنون مع أبسط ردة فعل ساذجة وغير متوقعة. فقد تنطق بكلمة واحدة سهوا في مجلس ما، تكشف لك وجها آخر لصديق أو زميل عايشته لسنوات طويلة، وقد تتميز بمنجز مهني أو علمي ذي جوانب إنسانية تفيد مجتمعك فتقابل بالجحود، وقد تلتقي صدفة بمن وصفوا ب «سارقي البسمة»!. سارقو البسمة هم أناس نذروا حياتهم للتلصص على الآخرين، لا يعترفون بالأحلام أو المثابرة، أقصى ما يتطلعون إليه هو رؤيتك عابسا! فالحياة في أعينهم لوحة سوداء لا تحتمل ألوانا، العبوس إطارها والتشاؤم ريشتها، وابتسامتك تعني أن هناك ثمة خطأ في معتقداتهم! قد يسعفك ذكاؤك.. فتشعر بانعدام التوازن لدى اقترابهم، وتنأى بنفسك عنهم، وقد يتجسد بعضهم أمامك في صورة أخ أو صديق أو حبيب ليقترب منك أكثر ويخطط بدقة أكبر، ويتحين الفرصة المناسبة فيخدش شفاهك الباسمة بمخالبه وينتشي لرؤيتك تتألم! قد تكون نزعاتهم غريبة، لكن الأغرب أن فئة أخرى من البشر تميل لاتخاذ مواقف عدائية تلقائية من آخرين لا يعرفونهم شخصيا ولم يسبق أن التقوهم! ترى أين تكمن المشكلة هنا ؟! حقيقة.. لا أعلم!. لكن أقول، هناك دوما جانب نغفل عنه حين نغرق في بحر اللوم لأنفسنا، فلحظات التنوير التي نعيشها بعد قراءتنا للآخر ومعرفة ما يختبىء في قلبه، واكتشافنا للحقائق التي نجح في إخفائها والهوية التي طمسها.. فقط للوصول إلى هدفه، تجعلنا أكثر إدراكا لتلك المزايا التي نتمتع بها وغابت عن شاشة رادارنا الداخلي، وبالتالي ترتقي نظرتنا إلى ذواتنا وتتعمق الثقة في أنفسنا وقدراتنا.. ونقترب من ذواتنا أكثر باعتبارها امتدادا للذات الإلهية في أسمى درجاتها خلقا وأخلاقا. إنهم لا يعلمون أنهم بمحاولاتهم لسرقة تلك البسمات.. منحونا أجمل الضحكات!.. أخيرا.. أوجه سؤالي لكل إنسان يسعى لمعرفة ذاته أكثر: أوَ تشتهي.. وتشتكي؟!. [email protected]