من أجمل وأغلى اللحظات في حياة الكاتب من وجهة نظري، هي حين يستمع لرجع الصدى لتلك الحروف التي رسمها على ورقته سواء كانت تتفق معه أو تختلف، وليس السرّ في ذلك الجمال أو تلك السعادة التي يشعر بها، أن اسمه أو صورته قد زيّنت صفحات إحدى أهم الجرائد أو المجلات وهو الهمّ الأكبر للبعض كما يعتقد الكثير، بل لأنه يزداد يقيناً بأن هناك من يقرأُ له ويهتم بفكره ويتابعه بشغف، إذا استثنينا بالطبع قرّاء الصدفة!، وهي نسبة لا بأس بها لازالت تستخدم المطبوعات كسُفرة للطعام، رغم علمها بالضرر الصحي الذي تسببه المواد الكيميائية والأصباغ الموجودة فيها، عدا عن الإثم الذي سيلحق بها إن كانت تحتوي تلك الصفحات على آيات قرآنية!. وإلى جانب ذلك اليقين وتلك الفرحة، هناك لحظات الظُرْف التي تختلف من كاتب لآخر، فمن الظريف فبالنسبة لي مثلاً أن تُفهم ما ترمي إليه حروفي بطرق مختلفة، قد تكون في بعض الأحيان بعيدة تماماً عن الواقع أوالهدف أوالمعنى، لكنها تحمل من الظرف ما يرسم البسمة حين أسمعها، والأظرف حين يسألني أحد القراء “انتي تقصدي مين بالكلام دا؟” أو “القصة دي حقيقية واللا من خيالك؟” أو “أكيد أحد ساعدك في الفكرة صح؟”. لكني أعتقد بأن اللحظات الأكثر قيمة هي حين ترى أفكارك وقد أصبحت محل نقاش، وأنا هنا لا أقصد الإثارة بل النقاش الفكري العقلاني الذي يستفز الآخر لطرح وجهة نظره، والذي يؤدي في النهاية إلى تلاقح الأفكار.. وهو الهدف!. وأخيراً أختم مقالي بهذا الموقف الظريف، ففي أحد الصباحات الغائمة وبسبب “مقالب” السائق التي لاتنتهي وصلت متأخرة إلى مقر عملي في إذاعة جدة، وبعد أن عبرت بوابة الدخول مسرعة أفزعني صوت رجل من الحَرَسْ ينادي باسمي!، ولا تلمني أيها القارىء فالرجل هو جنديُّ يحمل رشاشاً يقف على بعد خمسة أمتار وهو يقول بصوت جهوري: “أستاذة رندا ممكن دقيقة؟”، فاقتربت منه على مضض وأنا أنظر إليه بعد أن فشلت في رسم ابتسامة وأجبته: “اتفضل”.. حينها ابتسم وقال “بس حبيت أقلك مقالك كان حلو ماشاء الله!”. [email protected]