المعروف أن الأهداف الاستراتيجية العليا للدول لا تتغير، لكن السياسة هي التي تتغير ، فالهدف الاستراتيجي الأعلى Grand Strategy للولايات المتحدةالأمريكية هو تحقيق الأمن القومي ، وهذا الهدف يتحقق بالوصول إلى الأهداف الاستراتيجية والسياسية التي ترسمها الولاياتالمتحدة. فالحزب الجمهوري يركز اهتمامه على الأمن القومي، أما الحزب الديمقراطي فيغلب عليه الجانب الإنساني فيركز على العدالة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، وكان مجاله داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي عهد أوباما أخذ هذا الاهتمام ينتقل إلى السياسة الخارجية ، لهذا نجده يعلن انسحاب الولاياتالمتحدة من العراق وأفغانستان مع إيقاف العمليات التي تشن بذريعة حماية الأمن القومي، واستبدلت بالتدخل من أجل حماية الجانب الإنساني. فالأنظمة التسلطية التي كانت تحميها الولاياتالمتحدة في الماضي أخذت اليوم تدعو واشنطن إلى إسقاطها حتى لو كانت لصالح منظمات لا تتفق معها ، لهذا وجدت أمريكا نفسها ملزمة أخلاقياً بتأييد الحركات الثورية التي سوف تفضي إلى الديمقراطية، اعتقاداً منها بأن أفضل حليف لواشنطن هو الأنظمة الديمقراطية، وهذا ما أربك روسيا والصين اللتين لا تصدقان ذلك ، فعمدتا إلى الوقوف إلى جانب الأنظمة التسلطية ضد إرادة الشعوب مما أفقدهما المكانة في ضمير المجتمعات العربية. لقد كانت الولاياتالمتحدة في القرن الماضي تتعاون مع حكومات غير ديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط لبلوغ أهداف أمنية، وهو ما أجاز لها دعم بعض الحكومات الهشة باسم حماية الاستقرار الدولي ،مستعيضة بذلك عن الحرب الباردة، فدعمت الأنظمة التسلطية في مصر لقاء الخروج من الحلف السوفيتي وإبرام اتفاق كامب ديفيد ، ودعمت النظام في سوريا لقاء تعهدات بعدم تسخين الجبهة السورية ضد إسرائيل. وبعد أحداث ليبيا قررت روسيا والصين دعم الأنظمة التسلطية ،لأن الربيع العربي لم يتبين حتى الآن أنه سيفضي إلى الديمقراطية، فوقفتا في صف السلطة السورية وإيران، خشية أن تتحول الثورات إلى تجربة إلكترونية رقمية عابرة تتابع لحظاتها ثم تهمل. إن عقيدة التدخل الإنساني الأمريكي في الشرق الأوسط لن يكتب لها النجاح، إذا لم ترتبط بالأمن القومي الأمريكي كما يقول هنري كيسنجر.