انتشرت في الآونة الأخيرة مواقع تعليم الشعر عبر الإنترنت، وحاول القائمون على هذه المواقع إيجاد آلية دقيقة لضبط مسار النص عبر أحد البحور المعروفة في عالم الشعر، كما أن تلك المواقع توفر على الكاتب اختيار القافية المناسبة للنص، ليتم الوزن والقافية بشكل آلي. الشعراء اختلفوا حول هذه الآلية الإلكترونية، فمنهم من يرى أنها تفسد القصيدة وتتيح المجال أمام من لا يملك أدوات الشعر للعبث في هذا المحيط الذي يجب الا يدلف اليه ويمارس فن الكتابة فيه سوى المبدعين، وصنف آخر من الشعراء يرون أن تلك الخطوة تسهم في انتشار الشعر وتمهيد الطريق أمام عدد كبير ممن يجدون صعوبة في نسج مشاعرهم في قصائد موزونة ومقفاه، أما الصنف الثالث من الشعراء فقد شككوا في قدرة تلك المواقع على توفير الحد الأدنى من مقومات النص الشعري، واستبعدوا قدرة تلك المواقع على وزن القصيدة وزنا سليما. الشاعر سالم الرويس أوضح أن الكثير من أدعياء الشعر يعتقدون أن أهم ما يجعل من الشاعر شاعرا هو قدرته على إقامة الوزن،هذا للأسف هو الفهم الخاطئ الذي سبب كثيرا من الفوضى في عالم الشعر. وأضاف «بما أننا نحن العرب أمة صوتية فقد اخترع مبدعو هذه الأمة ولله الحمد نظاما إلكترونيا يسهم في نشر عدوى الشعرية للمستشعرين، ويوفر عليهم ما كانوا يصرفونه من أموال مقابل شراء القصائد، كما ساهم هذا النظام في تعليم الشعر الشعبي لغير المتحدثين باللهجات الشعرية، فقد أصبح بإمكان الهنود والبنغال وأيضا الأطفال فكرا وسنا، أن ينتجوا هذا اللون من الشعر الذي سوف يسهم في حل كل القضايا، فما على الشاعر سوى الدخول إلى أحد هذه المواقع وسيصبح شاعرا عظيما يشار له باليد وبكل الأصابع، وتظن تلك المواقع أنها قد خدمت الشعر والشعراء ومستهلكي الشعر، حينما هدتهم لما ضل منهم، حيث ما عليك إلا اختيار البحر والقافية والغرض وسوف تجد نظاما يستبدل مشاعرك بمشاعره، بل سوف ينجدك بكل القواميس، خاصة قواميس الاستجداء، تلك التي تدخل تسهيلا لهضمها تحت غرض المدح». واستطرد الرويس «نعم إن من يتصور أن هذا هو الشعر، وبهذه السهولة، لا يمكن أن يكون شاعرا، فمن يعرف كيف تأتي القصيدة، لا يمكن أن يعتقد أن هذا هو الشعر، فما الوزن والقافية إلا جسد الشعر، أما روحه فشيء مختلف تماما، ولهذا يعتبر شعر الحكماء والفقهاء والشعر التعليمي دخيلا على الشعر، وقاصرا عن بلوغ مكانته وتأثيره، ولهذا أبعد هذا النوع من الشعر من الدراسات الأدبية». واستدل الرويس بقصيدة للشاعر سعد بن جدلان تتماشى مع رؤيته للشعر يقول مطلعها: يا اللي تقول الشعر فتحه وكسره يقول فكرك مقدي وانت ما اقديت اسرح نهارك وان ضوى ليلك اسره وتعود من بحر الشعر مثل ما جيت أحلى بيوت الشعر سهله وعسره عسره على الإبداع سهله ليا اوحيت يضرب بها هوج الدواوين جسره ما هيب لا من جاب بيت سقط بيت من جهته، شكك الشاعر عبدالله عطية الحارثي في قدرة تلك المواقع على وزن النص بشكل سليم، ولفت إلى أن هناك مفردات يتغير نطقها بحسب موقعها في النص، مبينا أن المواقع الإلكترونية لا يمكن أن تتنبه لذلك، ودلل الحارثي بمفردة «شفتك» حيث إنها في بيت الأمير خالد الفيصل القائل: في «شفتك» جمر حمر فيه وقاد اغليت انا لون الجمر من غلاها تنطق بشكل مختلف عن نطقها في بيت أحد الشعراء الذي يقول فيه : «شفتك» تسرق من شفق جده النور وتسلب من التوت الفرنسي حماره وبين الحارثي أن الوزن يتحكم في طريقة نطق الكلمة، مستبعدا أن يكون لدى نظام وزن الشعر الآلي تلك الحاسية التي لا يجيدها سوى الإنسان الذي يملك إذنا موسيقية ترشده لذلك. وفي سياق متصل، رأى الشاعر حسين بن فهد القحطاني أن تلك المواقع قد تساعد من يصعب عليه نظم الشعر وتسهل عليه صياغة مشاعره في قالب شعري لتقديمه إلى من يحب، مبينا أن ذلك لن يؤثر على الشعراء المميزين، وقال إن قدرة تلك المواقع لن تصل إلى قدرة المبدع الذي يملك الحس المرهف والأدوات الشعرية القوية. من جانبه، أوضح الشاعر عبدالله الطفيلي الذي يستعد هذه الأيام لإحياء أمسية شعرية ضمن أنشطة صيف الطائف بتاريخ 10/8/1432ه، أن التقنية هي عدوة الإبداع، مستشهدا بما أحدثته هذه التقنية من فساد كبير في مجال الفن التشكيلي. وأشار الطفيلي إلى أنه ينحاز دائما إلى ما ينتجه الفكر الإنسان في عالم الأدب بعيدا عن التقنية وبعيدا عن أية وسيلة مساعدة أخرى.