شن رئيس نادي الرياض الأدبي السابق الدكتور محمد الربيع هجوما على المثقفات والمثقفين الذين عزفوا عن التسجيل في الجمعيات العمومية للأندية الأدبية في مختلف مناطق المملكة، ووجه لهم تساؤلا «ألم تكونوا تطالبون بالانتخابات في الأندية الأدبية؟ إذن أين أنتم من التسجيل في الجمعيات التي تخولكم لانتخاب مجلس الإدارة في كل ناد»، فيما لم يخف الربيع استغرابه من الإقبال الضعيف على التسجيل. وحول هذه القضية أجرت «عكاظ» استطلاعا مع المثقفين والمثقفات عن أسباب العزوف، وهل هو موجود فعلا، أم أن أعداد المسجلات والمسجلين على قوائم عضوية الجمعيات العمومية للأندية معقولة. في البداية قال الدكتور محمد عبدالله المشوح «صحيح أن الإقبال على قيد الأسماء في الجمعية العمومية للأندية الأدبية لا يرقى إلى الطموح ولا المستوى الذي كان متوقعا أو مأمولا على الأقل، وهذا بلا شك أصاب الكثيرين بالإحباط، ذلك أن مثل هذا التصرف مثير للدهشة، خصوصا أنه صادر عن النخب المثقفة، والذين طالما نادوا بترسيخ ثقافة الانتخاب والتصويت». وأردف قائلا «أعتقد أن السبب في ذلك هي الحالة الهزيلة التي تعيشها الأندية الأدبية بمجملها، عدا ناديي الرياضوجدة نسبيا، أما الأندية الأخرى فهي ما زالت تغرد خارج السرب، ولم تقم بأي دور للمناطق التي تتواجد بها». وأضاف المشوح «ومن هنا فإن المثقف لا يجد في الأندية الأدبية ما يستدعي لهثه، ولعل ذلك أيضا كان سبب الاختيارات غير الموفقة التي منيت بها الأندية الأدبية في مجالس إدارتها الحالية، والتي أشعرت الناس بالإحباط الشديد الذي جعلهم لا يعولون كثيرا على تلك الأندية، كما لا أعتقد أن هناك مطالب محددة أو معينة، إنما هي حالة ذهول وإحباط فحسب». من جهته، قال عضو مجلس إدارة نادي تبوك الأدبي الكاتب والروائي عبدالرحمن العكيمي «علينا أن نتفق على أن مطالب المثقفين تختلف وتتباين، لكنها تتفق بوجه عام في علو تطلعاتها، وتحمل النادي كمؤسسة تعنى بالعمل الثقافي مسؤولية عظيمة لا تقبل أنصاف الحلول على الإطلاق، ويظل إرضاء المثقف والمبدع على وجه الخصوص أمرا ليس باليسير، كون المبدع له رؤيته الخاصة للأشياء، كما أن له رسالته وأحلامه التي لا سقف لها، وهناك العديد من المثقفين في بلادنا تحديدا لديهم مواقف خاصة اتجاه الأندية الأدبية، واتجاه المؤسسات الثقافية بوجه عام، فلا زلنا نذكر موقف ناقدنا الكبير الدكتور عبدالله الغذامي، والذي رفض دخول الأندية الأدبية في فترة ماضية». ويضيف العكيمي «لعلنا نتحدث عن فئة من المثقفين والمبدعين اختاروا الابتعاد عن المؤسسات الثقافية وعدم الانخراط لممارسة العمل الثقافي والإداري بداخلها وذلك لقناعتهم أن العمل في مثل هذه المؤسسات يفرض عليهم قيودا ويحاصرهم بالروتين الذي ربما يعطل نتاجهم واهتمامهم واشتغالهم على مشاريعه الإبداعية»، ويقول: «ثمة مثقفون ومبدعون ينتظرون من رؤساء الأندية دعوتهم للتسجيل في الجمعية العمومية ودعوتهم لترشيح أنفسهم في عضوية مجلس الإدارة، ودور الأندية الأدبية أن تدعو هؤلاء المثقفين والمبدعين فالبعض لن يشارك في التسجيل مالم تتم دعوته والاتصال به». ويؤكد العكيمي على أهمية تجربة الانتخابات في الأندية الأدبية في بلادنا حيث إنها تجربة ثرية ومهمة في مشهدنا الثقافي وستؤتي ثمارها دون شك. القاص والروائي أحمد الدويحي خالف الربيع الرأي بخصوص العزوف، وقال «مع احترامي للدكتور محمد، فلا صحة لوجود عزوف بل على العكس، فالمسجلون أعدادهم جيدة، والذي أعرفه أن التسجيل جيد». لكن الدويحي انتقد التكتلات في الانتخابات «خصوصا تلك التي حدثت في انتخاب مجلس إدارة النادي الأدبي في مكةالمكرمة، وفاز بها تكتل الأكاديميين»، وأردف قائلا «لكن المهم أن هناك انتخابات، ولا بد أن نرضى بالنتائج، لكن لو كان هناك عزوف فهو نتيجة لما حدث في أدبي مكة، وبعد فوز سيدات في الانتخابات في مكة اعتبرن الانتخابات صحيحة»، وأكد الدويحي «لا بد أن نسلم بأن الديموقراطية لا تأتي في ليلة أو ليلتين، لكن مجرد فكرة الانتخابات خطوة جيدة». رئيسة اللجنة النسائية بأدبي الرياض هدى الدغفق تقول «لا أعتقد أن هناك عزوفا بما يعنيه العزوف من اعتزال ومقاطعة ويأس أو عدم ثقة من قبل المثقفات، وهنا أتساءل: كيف يمكن الحكم القطعي بعزوف المثقفات، وأي مثقفات قصد أستاذنا الدكتور الربيع؟». وأضافت الدغفق «إذا كان حكمه على الأمر من خلال تجربة أدبي مكةوالجوف، فليس هذا حكما صائبا؛ لأن المثقفات في تلك المنطقتين قلة قليلة، وتحكمهن فكرة التقاليد الاجتماعية الأكثر محافظة، خصوصا في مدينة الجوف، كما أن مثقفات مكة معظمهن يقمن في جدة، وبالتالي فهن منتسبات إلى أدبي جدة، وهناك ناحية مهمة جدا تتعلق بفكرة (الكوتة الثقافية) التي طرحتها الكاتبة سهام القحطاني، وهي التي تعني معنى حقيقيا للمساواة النوعية الثقافية في عدد المقاعد، بحيث يحق للمثقفة مايحق للمثقف من عدد المقاعد دون التحديد بمثقفتين والبقية رجال ما تشعر معه المثقفة بممارسة نوع من القوامة عليها حتى من الجانب الثقافي الفكري الذي لا بد أن يتحرر من هذه الفوقيات القبلية، وهو أمر يدعو المثقفة إلى بعض العزوف. ومن جانب آخر لم تطرأ على السطح بعد أحوال إقبال المثقفات في الأندية الأدبية الأخرى الأكثر فعالية من ناحية حضور وتواجد المثقفة مثل أدبي الرياضوجدة والدمام، حيث يمكن اعتبار تأخر المثقفات في تسجيل أسمائهن في الجمعيات العمومية وتأويله ذكاء وروية أكثر منه شيء آخر حيث تنتظر المثقفة ردود الفعل وتأخذ وقتها في فهم واستيعاب ووعي التجربة وتجاوز عثراتها قدر الإمكان، وإذا كانت وزارة الثقافة ذاتها اعترفت أمس بوجود عثرات في لائحة الأندية الأدبية الخاصة بالترشيح وبالانتخاب وبالجمعية العمومية بشكل عام فلا ضير أن تأخر المثقفة في التسجيل مبني على أساس اكتساب الخبرة والحصول على تجربة وافرة واستثمار مزيد من الأوراق التي تنجح معها في مشروعها الانتخابي وتخدم مؤسستها. وحتى لو توصلنا فيما بعد إلى يقين بعزوف المثقفات فهو أمر يستدعي الدراسة فعليا ولكنني سأرجع أمر ذلك إلى رغبة المثقفة في الاطلاع على المشروع عن بعد ثم خوض تجربته بعد ظهور نتائجها بحيث تستفيد من تجربة مقبلة أكثر نضوجا وتقديرا لدور المثقفة وأهميتها كصانعة قرار، ولعلي أعطيها بعض الحق في ذلك، فهي لم تعتد على إدارة مؤسستها الثقافية، لكن ينبغي أن لا تتسرع في إصدار الأحكام السلبية وتقف ضد اكتساب المثقفة للخبرة ومحاولاتها لإنجاح دورها». الكاتبة والإعلامية فاتن يتيم تشير إلى أن كلام الدكتور الربيع حول عزوف المثقفين والمثقفات غير صحيح، وتقول «ربما يكون هناك حضور كبير من جهات أخرى دخيلة على الأندية الأدبية، أو جهات أكاديمية لا صلة لها بالأدب والثقافة كما حصل مع النادي الأدبي في مكة، مما غطى على حضور المثقفين، وقد يتسبب هذا الحضور في ترجيح الكفة لصالحهم مثلا نتيجة لكثرة أعدادهم واختلاف اهتماماتهم ومرجعياتهم وانتماءاتهم، لكن أن يقال بأن هناك عزوفا من المثقفين ومن المثقفات تحديدا فهذا غير صحيح، وحتى الآن عدد الأعضاء جيد ولا يزال في ازدياد حسب علمي، كما أعرف مجموعة من المثقفات اللاتي حصلن على العضويات وسيقمن بترشيح أنفسهن لمجالس الأندية دون الالتفات لاحتمالية الفوز من عدمه، واضعات نصب أعينهن أن لهن حق الترشح كالرجال تماما، فضلا عن رغبتهن بخوض التجربة وإثبات حضورهن بالدرجة الأولى، وبطبيعة الحال أنا واحدة منهن». الإعلامية أسماء العبودي ترى أنه لم يثبت إلى الآن عزوف المثقفات عن التسجيل في كل الأندية الأدبية، وإن كان ذلك قد حدث فللأمر أسبابه، وأهمها أن بعض المناطق لها ثقافتها الخاصة والتي لا تجد أن هناك أي أهمية لمشاركة المرأة، والبيئة المحيطة بالمرأة تستعيب أن يكون للمرأة صوت ثقافي، كما أن المشاركة النسائية دائما ليست بحجم المشاركة الرجالية والتي غالبا ما تكون متاحة ومناسبة لظروف الرجال، والحوافز المادية ربما لا تكون مغرية للنساء اللواتي ربما يستقطعن الكثير من وقت أسرهن وأطفالهن للمشاركة الثقافية، وربما من الأفضل لنا بدلا من مناقشة عزوف النساء من الأفضل أن نناقش ماهي المغريات التي تدفع النساء للمشاركة بفعالية أكبر، وأضيف إلى أن هناك شروطا للعضوية بالأندية، في الغالب المثقفون لا يجدونها جديرة مثل اشتراط شهادات دراسية أو طباعة كتاب وغيره، لأن هناك من المثقفين والمهتمين ربما لا يحملون هذه الشهادات ولكن لديهم الاهتمامات بقضايا الثقافة بفعالية والتزام.