أتفهم حالة التوجس التي تحيط ببعض الجهات والدوائر الرسمية وعلاقتها المتأزمة مع وسائل الإعلام باعتبارها وفقا لرأيهم تتدخل في قضايا ليست من تخصصها، وتدس أنفها مضخمة ومجيرة للأحداث وفقا لرأي كاتبها. هذا الشكل من التوجس مرده إلى أزمة فهم للأداء الوظيفي للصحافة، وعدم إدراك الناقمين إلى تطور أدواتها التفاعلية التي لم تعد مقتصرة على المؤسسات الصحافية الرسمية، وبالتالي جدوى لوحة «ممنوع الاقتراب» أصبحت معدومة ونحن نتقلب في عصر صحافة الشارع. بعض من هذا التوجس شهدته في حضوري لملتقى القضاء والإعلام، الذي جمع لأول مرة القضاة مع الإعلاميين على طاولة نقاش واحدة، وكانت فرصة سانحة لا تتكرر بأن نستمع إلى رأي شريحة كان ديدنها الاحتجاب عن وسائل الإعلام ومعرفة نقاط نقدهم للأداء الإعلامي، وهو الأمر الذي ارتفع بشكل ملحوظ ضمن أوراق الملتقى، فرغما عن تنوع الاتهامات التي وجهت إلى الأداء الإعلامي وحيز «المصداقية» في نقل الخبر والوقائع، واتهام بعض الصحفيين بالاعتماد على طرف واحد دون بقية الأطراف، مع بحثهم عن الإثارة وتجيير الحوارات إلى هذا المنعطف... وهذه جميعها تمثل نقدا شكليا عاطفيا مع كامل احترامي لذلك الرأي، وهو جزء من الانطباع المتولد دون السؤال عن سبب اعتماد الصحافة على رأي دون آخر، ومرده في الأغلب إلى عدم تجاوب الأطراف الأخرى وصمتها وعدم استيعابها لأدوات العمل الصحافي. السؤال الذي يطرح هنا: على أي مبدأ اعتمد وصف الصحافة ب «السلطة الرابعة»؟. دعونا من الخلط الناشئ بربطها بالسلطات الدستورية الثلاث «التشريعية التنفيذية القضاء»، وإنما وفقا لمطلقها الأول الآيرلندي بيرك الذي وصفها بالقوة التي تؤثر بالشعوب وتعادل أو تفوق قوة الحكومات، وعطفا على مسارات الصحافة وتكوينها المختلف في المجتمعات؛ يظل الإعلام والقضاء وجهان يتبادلان المنافع الدستورية: الإعلام يتحرى ويتحقق ثم ينشر عن وقائع الفساد وإن طالت القضاء، والقضاء يحمي حرية النشر والتداول وإن كانت تمسه بشكل مباشر، وطالما نظام القضاء لا يحجر واسعا في هذا الشأن؛ فعليه تمهيد الطريق للإعلام باعتباره سلطة تأثير تراقب القضاء كما غيره، وطالما وجدت الأنظمة التي تكفل للأطراف حق المرافعة والشكوى وفقا للوائح والتشريعات؛ فإن إجابة السؤال المطروح كل فترة «من يحاكم الإعلاميين؟»، أصبح معروفا بجهة مستقلة تنظر في المخالفات الصحافية وتضم الأطراف العدلية كافة. إنصافا: الملتقى فتح نوافذ تواصل ذات عمق وتأثير في فهم وجهة نظر الطرفين، وليت الجهات الأخرى تبادر سماعا واستماعا في نقاش مفتوح مع الإعلام، وفي مقدمتهم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة