عنصر الإبهار البصري كان سمة إضافية ارتحلت بنا على صعيد سوق عكاظ وأضافت إلى جانب إبداع الكلم المنتشي بعبق التاريخ ورائحة المكان الذي يضج بالمنثور من كنانة امرئ القيس وابن العبد طرفة وبقية رفاق المعلقات؛ لتشعر حينها وأنت تسير على جادة السوق بالبون الشاسع بين «هذ» شعراء عصرنا وبين ما أبدعه عقل ذلك الصبي في عصره يوم أن نزل مع عمه إلى غدير ماء فأقبل الصغير بفخه قاصدا صيد «القنابر»، وحين مضى غالب اليوم دون قنص قنبرة واحدة، حمل فخه عائدا إلى عمه يائسا من قحط الصيد، ليتلفت على حين غفلة إلى حبه الذي كان منثورا وقد هبطت القنابر من السماء تأكله.. فأنشد «عظيمته» التي غدت مضرب المثل «يا لك من قنبرة بمعمر .. خلا لك الجو فبيضي واصفري، ونقري ماشئت أن تنقري .. قد رحل الصياد عنك فابشري، ورفع الفخ فماذا تحذري .. لا بد من صيدك يوما فاصبري»، وليغدو ذلك الصبي من بعدها علما في عالم شعرنا العربي، ساق خلوده في معلقته ذات الاستفتاح المطلعي بديار خولة الكعبية، نرددها إلى أبد الدهر: لخولة أطلال ببرقة ثهمد .. تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد، مع كامل الاعتذار لطرفة عند عقد المقارنة أسوة ب «ألم تر أن السيف ينقص قدره .. إذا قيل أن السيف أمضى من العصا». جانب الإحياء الجديد المتمثل في سوق عكاظ برز هذا العام بشكل جلي في استلهام الماضي تقريعا وتشجيعا للحاضر، فأما جانب التقريع فهو لرحيل الاحتفاء بالشعر والشعراء في أوج عصرنا ونحن نتقلب في معالم الجيل الجديد و«كبسة الأزرار» على معلقات البلاك بيري وصفحات الفيس بوك حتى غدت ساحة الشعر قائلة «ما عندك أحد»، وجانب التشجيع يحضر خجلا من طرف خفي يطل علينا قائلا «هلموا إلينا.. ولا يأتون البأس إلا قليلا»، فرغما عن الحوافز وميادين التعليم إلا أن شعراء «الرئة الواحدة» هم الغالب في مشهدنا، حالهم كحال المتطفلين على مائدة الفكر والرواية والإعلام، مع فارق جوهري يكمن في «قوة قلب» أولئك الأشباه إلى درجة أن يعتلي أحدهم منبرا ليلقي قصيدته أو قصيدتها وقد أعلن البراءة من سيبويه والخليل بن أحمد، في سقط يتلو سقط!. في إحدى جلسات سوق عكاظ أعلن الزميل الدكتور علي الموسى تأبينه للشعر العربي، وضج بعض الحضور على هذه الصدمة، وصدقا: رغم الصدمات لم نزل متبلدي الحس وكأن الشعر ليس ميدانا من ميدان العرب. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة