حالة التشنج والاحتقان التي شهدها معرض الرياض «الدولي» للكتاب في أيامه المنصرمة وحتى هذه اللحظة، كشفت عن أزمة وعي محيطة بالمشهد، تفتقد إلى أبسط مقومات التعامل الحضاري إن سلمنا بأن من حق الإنسان أن يبدي وجهة نظره: يناقش ويحاور ويطالب وقبل ذلك لا يصادر الرأي الآخر أو يفرض وصايته المطلقة على غيره بشعار «أنا.. ومن بعدي الطوفان»، وحسبنا نتقلب بالأدب القرآني «وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين». الوعي في أصله «تحريضي» لكنه لا ينفك عن الأخلاقيات بأي حال من الأحوال، وعندما يصاحبه سلوك مفتقد للإطار الأخلاقي فإن الوعي يتحول إلى فوضى، وهذا أدق وصف يطلق على المتهورين من حدثاء السن الذين أجلبوا بخيلهم ورجلهم في أروقة المعرض، وكنت أتمنى أن يجاوبني أحد على سؤال: ما هذه الثقافة الهشة التي تخافون من اهتزازها وسقوطها بسبب عنوان لكتاب؟. فوضى أحداث المعرض كشفت جليا عن جوانب التجنيد الخفية داخل التيارات الحركية، فالقاسم المشترك بين جموع الفوضويين هي «مذكرة» يتناقلونها بينهم تم رفعها على شبكة الإنترنت، كتبها واحد منهم بقراءته ورؤيته ونتيجته ثم عممها بينهم متجاوزا قاعدة «انشر تؤجر» إلى «طبق تؤجر»، فتراهم مذعنين إلى مطالب كاتب المذكرة دون نقاش أو حتى قراءة العنوان الذي يشير إليه، الأمر الذي يعطي قياسا لعملية «غسل الأدمغة» التي لا تعرف إلا التنفيذ دون قيد أو شرط، وهو منحى تتميز به التيارات الحركية التي تعمل جاهدة إلى غرس «تقديس الأشخاص» داخل المنظومة، وبالتالي إعلان السمع والطاعة باعتبار رأي قادتهم نصا مقدسا لا يقبل الجدل، فاستغلوا جانب الحماسة عند الشباب لتمرير رؤاهم دون أدنى وعي، فأسهل عملية يمكن القيام بها هي «اجتزاء النصوص» من سياقها العام، ثم إطلاق أوصاف العربدة والفسق والزندقة والمجون عليها، كما هو الملاحظ في تلك المذكرة الناشطة بين أيديهم، وعندما يدور الحوار مع أحدهم تكتشف عمق الجهل وعقلية «الريموت كنترول»، فلا يعرف تفاصيل العمل ولا مؤلفه ومراحل حياته وتحولاته التي خاضها، كما هو الحال مع إنكارهم عناوين الراحل عبدالله القصيمي، وما فطنوا إلى أن ما ينكرون عليه يمثل المرحلة الأولى من حياته التي كانت توصف بالتعصب السلفي!. ما حدث من فوضى، هو عمل حركي منظم واضح المعالم يفتقد لأبسط مقومات التواصل الحضاري، اقتداء بسنة فرعون «ما أريكم إلا ما أرى.. وما أهديكم إلا سبيل الرشاد»، وليتهم فهموا: انظر إلى ما قيل، لا إلى من قال!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 128 مسافة ثم الرسالة