ما زال الدكتور عبدالله الغذامي يتأمل مشهد الرواية المحلية من نافذة النقد الثقافي.لذا فهو يهتم بأثر الرواية في المجتمع وما تحدثه من ردود فعل باعتبارها واقعة اجتماعية تدرَّب المجتمع على القبول بها كما يميل إلى أن الأخطاء الروائية التي تحدث الآن هي التي ستصنع المجد الروائي في المستقبل.ولا يخفي الدكتور الغذامي انحيازه إلى الخطاب السواليفي في الرواية باعتباره الكاشف لما وراء النص. وأكد على أن النقاد الشباب لديهم الفرصة في تأكيد حضورهم النقدي باشتغالهم على النص الروائي بكثافة.وفي المقابل اعتبر الغذامي أن من ينتظر ولادة شاعر هو إنسان يعيش خارج الزمن مؤكدا أننا لا نملك شاعراً سعودياً جماهيرياً.وفي هذا الحوار لثقافة الرياض تحدث الدكتور الغذامي عن الكثير من الظواهر الثقافية التي عبر عنها بطريقته المعهودة الصادمة والحادة التي تثير الجدل والاختلاف: * قبل عامٍ تقريباً أجريتُ معك حواراً عن الرواية المحلية.وكان له صداه في الوسط الروائي. كيف وجدت ردود فعل الروائيين والروائيات على هذا الحوار؟ - طبعاً لم أقم بلومهم على ردة الفعل هذه، لأنه من الطبيعي أنهم كتبوا روايات وكانوا يتوقعون أن يجدوا ثناءً على أعمالهم. وهذا أمرٌ يحدث عند كل البشر. إذا توقعت الثناء ولم تجده فمن المؤكد أنك ستغضب. بالنسبة لي غضبهم مفهوم لكنني ومع الأسف الشديد لا استطيع أن أكذب على نفسي ولا على الحقيقة. لذلك قلت رأيي وبكل تأكيد أعطيتهم الحقَ الكامل في الغضب. لأن هذا شعور بشري طبيعي. أي أن الأمر بالنسبة لي هو أنني أجبت على السؤال كما يجب أن يكون في عرفي. @ بعد الحوار هل تواصل معك أحد منهم، أقصد تواصلا شخصياً؟ - عادة لا أحبُّ أن أحوِّل الأشياء الشخصية إلى عموميات. ولكن حدثت اتصالات على المستوى الشخصي من عدد من الروائيين والروائيات. بعضهم سألوا لماذا لم أتحدث عنهم! وكان الجواب طبعاً واضحاً: أن طامي لم يسألني عنكم بالتحديد. لكن هذه الاتصالات كلها تدور في إطار الأحاديث الشخصية الخاصة. @ إذن لم تتضمن تلك الاتصالات تحاوراً حول الرواية؟ - لا لم يحدث، ولاحظ أن هناك مشكلة عويصة: الفهم العام صار الآن في الرواية وفي ظن من يكتبها - المجموعة كلها - أنه لا يوجد من يكتب نصاً ويعتقد أنه ليس بجيد.ولذا فإن الانتظار المتوقع هو أن يجد ثناءً كما توقعاته، وهذه مفارقة عجيبة، أن تجد كثيراً من الروائيين والروائيات يتكلمون في الصحافة على أن النقاد لا يهتمون بهم. وإذا تكلم ناقد وأبدى الرأي الموجع في النص عادوا وغضبوا، بلغةٍ أخرى هم لا يطلبون رأي النقاد، إنهم يطلبون مديحهم. وهذه مشكلة ثقافية ومعرفية. الناقد والتسويق للرواية @ هل هذا يعني أن الناقد أصبح دوره ينحصر في التسويق للرواية؟ - لا ليس كذلك. أنا أحلِّل العبارة التي تأتي وتتردد في الصحافة عموماً وليس عند الروائيين والروائيات فحسب. بل عند كل المبدعين حتى الشعراء والشاعرات. هناك كلام ينشر في الصحافة على أن "النقاد لا يهتمون بالأعمال الإبداعية". لو تتأمل في هذه الجملة وتسأل نفسك: لو جرى نقد سلبي لهذه الأعمال ماذا ستكون ردة الفعل؟. ستكون بالغضب طبعاً. مما يعني أن هذه الجملة إن فحصناها ليست صحيحة. إنها تعني "أن النقاد لا يمتدحون أعمالنا". الواضح أن هناك طلباً للمديح والثناء. هذه مغالطة أولى، أما الثانية فهي افتراض عدد من المبدعين والمبدعات أن الناقد إذا تكلم مثنياً على العمل فمعناه أن هذا سيساعد على تسويقه. وهذا تصور غير صحيح أيضاً. العمل في الواقع يسوِّق نفسه، امرؤ القيس أو هوميروس من قبلهما عندما كتبوا لم يكن بين أيديهم نقاد حتى يسوقوهم. ولكنهم انتشروا. محمود درويش كمثال. الناس لا تنتظر أن تقرأ كلام النقاد عن محمود درويش كي تذهب إلى الاستماع إليه في أمسيته. في بيروت درويش ألقى أمسيته في ملعب كرة قدم امتلأ بالجمهور. ولو سألت هؤلاء لن تجد فيهم ولا واحداً في المائة قرأ الأعمال النقدية المكتوبة عن محمود درويش. لذلك أتمنى أن نتمعن في جملة أن النقاد لا يمدحوننا، كذلك عدم الظن بأن الرأي النقدي سيقوم بإشاعة المبدع أو المبدعة. فالإبداع سيسلك طريقه إلى الناس دون وسيط.ولا أعتقدُ شخصياً أن هناك من كُتب عنه مثلما كُتب عن أدونيس مثلا. أسأل دور النشر عن مبيعات كتب أدونيس ستجد الرقم ضئيلاً جداً جداً. @ألا يعود هذا الأمر إلى أن أدونيس شاعر نخبوي؟ - يعود على معادلة أن النقاد مهما كتبوا لا يستطيعون أن يشيعوا اسماً. الاسم يستطيع أن يشيع وينتشر بمجموعة آليات تتعلق في حالات الاستقبال. فمثلا لا يزال الناس يقرؤون (ألف ليلة وليلة) في الشرق وفي الغرب وعلى مدى التاريخ. (ألف ليلة وليلة) مرَّ عليها قرون وكان العلماء والكتاب من الذين يمكن أن نسميهم نقاداً ينظرون إليها على أنها أدبٌ مبتذلٌ وحقير ولا يليق إلا بالجهلة والصبيان. هذه العبارة المرددة لم يمنع قط من انتشارها. يعني أنت في تجربتك. أسال نفسك: هل قرأت لنجيب محفوظ لأن ناقداً معينا دفع بك إلى قراءته؟، الواقع أنك تقرأ نجيب محفوظ لأنك حينما تمسك بالعمل تجد مقروئيته عالية وممتعة بالنسبة لك. فتبحث عن أعمالٍ أخرى لنجيب لكي تقرأها. احتفالية التوقيع مجرد لحظة اندهاش أولى @ أتصور أن احتفالية التوقيع منحت الكتَّاب تواصلاً مختلفاً مع الجمهور؟ - لا أظن ذلك. وأنا لا أريد أن أدخل في أسماء معينة. لكن هناك توقيعات صارت في معرض الرياض في السنتين الأخيرتين وبيع الكتاب أثناء المعرض وإثناء التوقيع. وبعدها لم يصبح له وجود في الذاكرة الثقافية. ويجب لا ننسى أن التوقيع هو لحظة اندهاش أولى. يعني الذي يأخذ نسخة ويستحصل على التوقيع عليها فهو في الواقع لم يقرأ الرواية بعد وربما مازال إلى الآن لا يعرف ما وضع الرواية. ويمكنك أن تسأل هذا الشخص بعد أسابيع من ذلك. حينئذ يكون وجهة النظر أو الحكم أقرب إلى الواقعية والصدق. وممكن أن يُحدث سطوة للعنوان، أو يُحدث سطوة لصاحبة الكتاب الذي تم توقيعه، ومن الممكن أيضاً أن تكون احتفالية شراء وتوقيع الكتاب في حدِّ ذاتها لها سطوتها على القارئ. @ وما دور القيمة الفنية للنص؟ - القيمة الفنية لا شك في أنها تعني الناقد الأدبي. مهمة جداً في سؤال النقد الأدبي. لكن أنا لم أعد معنياً بالنقد الأدبي. صارت مهمتي النقد الثقافي. والنقد الثقافي معنيٌ بالأنساق، أما النقد الأدبي معني بالنصوص. وأنا انتقلت من الاهتمام بالنصوص إلى الاهتمام بالأنساق. @ ما قصدته: هل تلعب القيمة الفنية دوراً في التلقي؟ - كلُّ شيء يلعب دوراً. ولكن المشكلة أننا لا نستطيع تقنين التلقي بشيء واحد فقط. الجرأة لها دور، شجاعة الطرح لها دور، كسر المألوف له دور، الغرابة المتجاوزة لها دور، المستوى الفني له دور ويأتي كواحدٍ من مجموعة عناصر. في بعض الأحيان لا نستطيع أن نصدقها مثل التنبؤ بحالة الطقس. ومثلما جرت تجربة الغرب في السينما. فعندما ينجح فيلم يضعون رقم 2ورقم 3وعادة رقم 2ورقم 3لا ينجح. مثل (جاد فاذر) الأجزاء الأخرى لم تنجح مثل نجاح الجزء الأول، مع أنه نفس المؤلف والمخرج، مما يعني أنهم لم يدركوا سرَّ نجاح الجزء الأول. فأحيانا نحن نرى النجاح لكن قد يصعب علينا تحديد كلَّ شروطه، قد نعرف بعض الشروط ولكن لا نحيط بها كلها. لو صدرت (نساء المنكر) قبل (بنات الرياض) بخمس سنوات لضجت الدنيا @ألم يحدث انقلاب في مسألة التلقي وفي طريقة اقتناء القارئ للكتاب؟ - التغيُّر شديد وفيه تغيُّر داخل التغيُّر نفسه. لاحظ الآن نحن لا نتكلم عن تغيُّر واحد، نحن نتكلم عن تغيُّر مزدوج. فهناك روايات صدرت في الأشهر الأخيرة. ولو صدرت قبل عشر سنوات لضجَّت الدنيا. هناك روايات فضحائية وفيها جرأة شديدة، والجانب الفضائحي الجريء فيها عالٍ جداً. ولكن المجتمع لم يقل أي شيء كأنه لم يحدث. هذا معناه أن المجتمع تدرَّب على أن الرواية واقعة طبيعية وليست مفاجأة سلبية وكارثية. ف(نساء المنكر) لو صدرت قبل (بنات الرياض) بخمس سنوات مالذي كان سيحدث؟ @ أتوقع ستكون قنبلة روائية ! - بالضبط - هذا معناه أن المجتمع تدرَّب الآن وأخذ جرعاتٍ كافية. بحيث أنه بدأ يتعلم على أن الرواية هي واقعة طبيعية. @ ومع هذا (نساء المنكر) في توقيت صدورها الحالي وجدت الرواج والضجيج؟ لو صدرت قبل خمس سنوات لم تقل مثل هذا الكلام الذي تقوله الآن. الوضعُ سيكون أفدح بكثير. وأنا لا أتحدَّثُ عن الرواج. أنا أتحدث عن ردة فعل المجتمع. وعندما نجد أن المجتمع بدأت ردة فعله تتعقلن فمعنى ذلك أن استجابته لهذا النوع من الأهداف حصل فيها تغير نوعي. وهذا ما أتكلم عنه الآن. أنا لست معنياً بالعمل الروائي كعملٍ روائي، الذي يعنيني ويهمني المجتمع نفسه. أنا لا اقرأ الأعمال الروائية ولا الإبداعية عموماً منذ انتقلت إلى النقد الثقافي لا أقرؤها بما أنها أعمال. أنا أقرأها بمعنى الواقعة الاجتماعية من حيث ردود فعل المجتمع عليها. بغض النظر عن العمل جيد أو الرديء. عبر ردود الفعل ستقرأ عقلية المجتمع في التعامل مع منظومة السرد حصل فيها تغيُّر نوعي وقوي جداً. @ كيف ترى المستوى الفني لنساء المنكر وهل ولدت من رحم بنات الرياض؟ - لا أحب أن أخوض في هذه القضايا. لكن بمجمل الأعمال التي صدرت، فإن الجانب الفني فيها ليس كثيراً. وليس حصراً على رواية محددة، الجانب الفني يحتاج إلى مجهود ليس بالقليل. وربما قلت لك في حديث خاص عن رواية (الأوبة) أنها فنياً ممتازة ولكن لديَّ تحفظات عليها في جانبٍ آخر غير هذا الجانب. لا أعتقد نساء المنكر ولدت من بنات الرياض. ولكن أقول إن بنات الرياض شجَّعت كثيراً من الكاتبات على أن يكنَّ جريئات لأنهن يرين أن الجرأة لا تضر ولا تقتل. ونحن عندما كنا أطفالا من الممكن أننا كنا لا نجرؤ على لعبة أو حركة ما في الفصل أو في أروقة المدرسة، إلا عندما يتجرأ أحدهم فتتجرأ. هذه جزء من لعبة البشر في الخبرة وفي التجارب. الجرأة تقاس بمقياس المجتمع وليس بقياس الفرد المثقف @ الكثير يتحدث عن الجرأة في الرواية السعودية. ولكنني لا أجد جرأة حقيقية. هناك توهم بوجود الجرأة أليس كذلك؟ - عندما نتكلم بمصطلح الجرأة يجب أن يقاس ذلك بمقياس المجتمع، وليس بقياس الفرد المثقف. فمن سمات وخصائص المجتمع المحافظ أنه لا يقبل الحديث عن خصوصياته، فأيُّ حديثٍ عن خصوصيات المجتمع المحافظ هو "جرأة". ولذلك كانت ردود الفعل على بنات الرياض خطيرة جداً. فيه من طلب توبتها وفيه من حاول يجمع تواقيع لمحاكمتها. هذه المؤشرات التي نقرأها نحن. وأنا عادة لا أطلق تعبير جرأة أو عدم جرأة بناء على منظاري أنا.أفعلها بناء على منظار المجتمع نفسه. فإذا رأى المجتمع أن عملا ما هو عمل جريء.. حينئذ لا بد أن نقبل المصطلح. @ لكن الجرأة التي تلفت انتباه المتلقي محليا.. هي جرأة الكشف الاجتماعي.مثلا البعد السياسي غائب عن الاهتمام ولا يلفت انتباه المتلقي؟ - في وقت من الأوقات كانت تلفت الانتباه.أول ما ظهرت روايات تركي الحمد كان اللافت عند عدد من الناس هو الجرأة السياسية. كان فيه حديث عن أشياء عادة لا يُحكي عنها. التجربة السياسية تجربة السجن،تجربة تشكيل التنظيمات السياسية في الستينات. هذه الأشياء كانت من المسائل التي لا يُحكى عنها. قد تُحكى في مجالس خاصة. ولكن لم تكن تحكى بشكل عام. وأنا أعرف أناساً كثيرين استفادوا من روايات تركي الحمد لأنها أبلغتهم عن الوضع السياسي في المجتمع السعودي في الستينات. وليس لديهم وثيقة على تلك المرحلة. @ هل تصنف روايات تركي الحمد كوثيقة تاريخية؟ - في بعض النواحي نعم وبكل تأكيد. وهذا حق يجب أن نسجله لتركي، لأنه روى أشياءً عاشها عاش وهو وبلا شك أصبحت جزءاً من الوثيقة. المرحلة لم تُكتب بشكل أكاديمي وعلمي وبحثي لم تسجل تسجيلا كافياً.فالذي يريد دراسة تلك المرحلة يحتاج إلى مؤشرات، وروايات تركي الحمد تعطي ذلك المؤشر. الروائيون يكتبون بشخصياتهم العاقلة @ هل الرواية السعودية تقدم رؤية مغايرة؟ - الرواية ليس مطلوباً منها أن تقدم رؤية. بل بالعكس أي رواية تدخل لمشروع إبداء الرأي وإبداء الرؤية يصبح ضعفاً في تشكيل السرد. وهذا موجود عند عدد من الروائيين تجد شخصيته العاقلة تصدر أحكاماً وهذه تسيء لبنية النص،لبنية السرد. @ هل هو دلالة حضور الخطاب الوعظي؟ - طبعاً، ومعناه أنه لم ينبثق الخطاب السردي الذي نسميه السواليفي مرة أخرى. لم يأخذ حقه. مازال الخطاب المقالة. هناك روايات هي مقالة أكثر مماهي رواية. وهناك أشياء يسميها أصحابها أو تسميها صاحبتها رواية وهي (مقالة). ولكن أنا قلت من قبل وأقول الآن ممكن يكون عندنا ألف رواية ما ينجح منها إلا خمس روايات ولكن وجود ال 995كان ضرورياً لنجاح الخمس. فالتراكم والتجارب وارتكاب كم هائل من الأخطاء هو الذي سيؤدي بعدين إلى أن الناس تعرف بالضبط كيف تكتب رواية. وأعطينا بس مهلة خمس سنواتٍ وسترى. @ هذا لو استمروا في كتابة الرواية؟ - سيستمرون. هذه منطقة دخلنا فيها مثل الرمال المتحركة وسوف تمشي حتى النهاية وسوف يتوقف أناس كثير. سيضيع ناس في السكة. وسننتهي إلى نوعين: روايات سوف تكون نماذج وهذه ستبقى كرواية (العصفورية). وروايات ستكون مجرد سجل في تاريخ الثقافة وهذه كثيرة. الآن ستلاحظ أن كثير من الروائيين يتكلمون ويقولون مثلا: تركي الحمد ليس نموذجا لنا. معناه أن تركي الحمد خرج من شرط النموذج هو ورواياته وصار مجرد مرحلة في تاريخ الكتابة. شيء جيد أن يقول الروائيون الشباب هذا الكلام لكن ماهو أجود من ذلك أن يحققوا مستوى ينتج عنه روايات تبلغ درجة النموذجية.تصير نماذج ثقافية مستمرة يشار إليها حتى لو بعد خمسين أو مائة سنة. أرى أن (العصفورية) ستكون من هذا النموذج. العصفورية هي الرواية النموذجية @ فقط (العصفورية) التي ستكون الرواية النموذجية؟ - لم أقل (العصفورية) فقط. أنا أعطيت مثالا. ومن الممكن أن تكون هناك روايات أخرى. وأنا أراهن على (بنات الرياض) لكن هذه تحتاج شروط حتى أجزم بذلك. @ هل لا بد أن تكون السواليفية حاضرة في النص الروائي؟ - هي شرط للنص الروائي. والسواليفية ما معناها؟ عندما تقرأ مائة من عام من العزلة، (داغستان بلدي). (ألف ليلة وليلة). ماذا تسمي هذه النصوص؟ عندما تقرأ روايات نجيب محفوظ ماذا تقول عن رواياته؟ نجيب محفوظ بسيط جدا بساطة عجيبة لكنه عميق جدا بمقدار هذه البساطة الظاهرية. الحكاية والسرد: @ هل هذا يعني الروائي لا بد أن يكون حكاء؟ - السرد ولد من رحم الحكي. الحكي والحكاية هي مرحلة أولى لإنتاج السردية، فإذا لم يكن لديه الوعي الكامل بالحكائية وشروط الحكائية لن يتمكن بعد ذلك من الانتقال إلى السردية، مثلما نحكي عن أحدٍ يريد أن يأخذ الدكتوراه وهو لم يدرس الابتدائية. @ هناك نماذج للروائيين أصبحت مغايرة. لم تعد رواياتهم تحمل الشرط الحكائي. مثل ميلان كونديرا مثلا؟ - هذه تستند على ثقافة أمة. على تجاربٍ سابقة لها وتبنى على الهرم، نحن لا زلنا نضع الأسس الأولى لهرمنا. لا زلنا في مرحلة تجميع الحجارة. فإذا ما يتوفر عندك القدرة على الانسياب مع اللغة. وهذه من المزايا التي رأيتها في (بنات الرياض). يعني حينما تقيسها على نصوص نجيب محفوظ تجد فيها علاقة قوية من حيث بنية اللغة. اللغة البسيطة.. اللغة التي تحكي كأنها العامية المحكية. وفي (نساء المنكر) سواليف وليست سواليفية وعلينا أن نميز بين السواليف والسواليفية. "السواليفية" شرط مصطلحي معرفي. أما "السواليف" هي مثلا كأن نجلس أنا وأنت في القهوة ونحكي. ولكن هل صنعنا رواية؟ لا. الفارق بين السواليف والسواليفية هو بين النصوص والنصوصية بين الوجدان والوجدانية بين القبيلة والقبائلية بين الشعر والشعرنة. هذه مصطلحات يجب أن نكون دقيقين فيها. الرواية النسائية: @ عدم رضاك عن الرواية النسائية المحلية إلا يعطل مشروعك واشتغالك على هذا النوع من الروايات؟ - لا استطيع أن أقول انه عدم رضا. وليس هناك شيء يعطل شيئا. فأنا لست محصوراً بالرواية النسائية السعودية. عندي الرواية الفلسطينية، المغربية، المصرية، فهناك أعمال سردية كبيرة جداً وضخمة على مستوى العالم العربي كله. وبحثي ليس محصوراً في منطقة دون أخرى. @ما هي أبرز الملامح التي رصدتها في الرواية النسائية المحلية؟ - الملامح واضحة جداً.فهناك رغبة شديدة في الجرأة وأخشى أن تنضوي هذه الرغبة إلى تصور أن الجرأة وحدها تشفع للعمل وهذا التصور طبعاً غير صحيح. الأخرى وهي ملاحظة ايجابية وليست سلبية هي السواليفية، أنا اعتقد أن السواليفية مهمة جداً والبعض المهتم بجماليات السرد يراها سلبا وأنا لا أرها كذلك.لأنها مؤشر ثقافي يكشف لي كناقد ثقافي عن انساق لا تتوفر في العمل المتقن تماما من الناحية الفنية والحبكة السرد.لأن حالة قد تنطوي على تحايل لإخفاء النسق. ولكن السواليفية فيها الشفافية التي تجعل ما وراء النص مكشوفاً مثل سواليفية (ألف ليلة وليلة). الشرط السردي الذي يجب أن يكتمل عند بدرية البشر: @ هذه السواليفية موجودة عند من الروائيات؟ - موجودة في (نساء المنكر) نص يقوم على السواليفية وكذلك صياغة سواليفية، أيضاً عند (بنات الرياض).وأنا أقول هذا مظهر جيد وإيجابي. وهذا جزء من كتابتي عن (بنات الرياض). @ بما أن قماشة العليان تكتب صدى حكايات مجالس النساء.هل ترصد هذه السواليفية في رواياتها؟ - تقريباً، ولقد قلتُ من قبل للدكتور غازي القصيبي أن قماشة تسهم في عمل جسر بين اللاقراءة القراءة. في جر مجاميع من الناس ليسوا معتادين على القراءة. فجعلهم يعتادون عليها. وأعتقد أن هذه مرحلة من مراحل إدخال الناس إلى السرد. وهي درجة من درجات السرد. @ هل تصنف رواياتها.. رواية شعبية؟ - ممكن وإلى حد ما. فنحن لدينا مطلب كبير لأن تكون لدينا رواية شعبية. في الغرب من أكثر الكتب مبيعاً هي الروايات الشعبية. (هاري بوتر) رواية شعبية أطفال وخيال. لذا نحن محتاجون لهذا النوع من الروايات. لو صدرت مثل هذه الروايات فستكون عملا ليس سهلا. وهذا سيسهم في بناء جسر مهم بين الذات المغلقة المحافظة والذات التي تثرثر لتخرج ما بداخلها. ولا تنسى أن مجتمعنا في الأصل هو مجتمع سواليفي.لكن سواليفنا بين أربع جدران لا نسمح لها لأن تخرج إلى الشارع. الرواية ممكن أن تؤدي هذا الدور. @ بعض الروائيات لدينا لهن انتماءات لتيارات فكرية، وكمثال بدرية البشر مصنفة عند البعض ككاتبة ليبرالية. هذه المرجعية هل اتضحت معالمها في نص بدرية الروائي؟ - هذه التصنيفات ليس لها معنى في مجال النقد. ولكن كلما حضرت أبعاد العقلانية المعرفية فإنها تفسد السرد. ولا تنسى أن السرد هو مهمة الأمهات، الجدات، مهمة الثقافة الشفاهية. السرد هو نتاج للثقافة الأمية. وبدرية إذا نظرنا لتجربتها في كتابة القصة القصيرة فلا شك أنها في اعتقادي لديها القدرة على أن تنتج رواية مكتملة الشرط السردي. لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق من رواية واحدة. ولاحظ أنها كانت تكتب القصة القصيرة والمقالة ثم تكتب كتاب جاد ووسط هذه المعمعة أخذت الدكتوراه. والسرد يحتاج إلى تركيز وإلى تفرغ. فلو أخذنا نموذج نجيب محفوظ وماركيز نجدهم عاشوا للسرد. فنجيب محفوظ كل حياته، أكله وشربه للقهوة وجلسته مع الناس وذهابه للحسين وجلوسه في خان الخليلي والفيشاوي الخ....، كانت كلها للسرد. فالذي يريد أن يعطي السرد حقه. عليه أن يتقبل شروط اللعبة كاملة. @ هذا الشتات في الكتابة هل أثَّر على تجربة بدرية؟ - لا استطيع أن أحكم. وحتى أحكم على بدرية وغير بدرية لا بد أن أرى أربع أو خمس روايات. وإلا سنرجع لتجربة كتجربة أحلام مستغانمي، فنحن انبهرنا بذاكرة الجسد وهو النص الأول لها، وصُدمنا بالثاني، وجاء الثالث وكان أشدَّ صدمة، كان ولا شيء، لهذا فإن حالة سردية واحدة لا تكفي لتصور أي حالة أو لأن تعطى حكما. الروائية والتجارب الحياتية: @ الروائية لدينا لا تعيش الحياة كاملة. حدودها ضيقة. فكيف تستطيع كتابة الحياة في الرواية؟ - ولا الرجل يعيش الحياة الكاملة.هناك مقولة فلسفية مهمة جداً تقول (أننا مع ميلاد كل واحد منا، يكون في طموحه ألف نموذج لألف حياة لكنه ينتهي إلى أن يعيش حياة واحدة من هذه الألف) فنحن لا نعيش ولا نرى سوى جزء من الحياة. ولو جاءت الفرصة لأحدنا بأن يدور الكون فلن يكون له سوى صيغة واحدة. @ هي لا تتعاطى سوى مع الرجل القريب. فكيف تستطيع أن تكتب الرجل المغاير في نصها؟ - حتى الرجل لا يستطيع. فأنت تجد مبدعين لا يوجد لديهم أصدقاء تجدهم منعزلين. فمثلا إبراهيم الكوني يعيش في جبل لا يرى أحدا. @ لهذا هو يرتد إلى الصحراء ويكتب التاريخ؟ - لهذا السبب وأسباب أخرى، فأنا وأنت مهما ظننا أننا نعيش الكون ومنفتحين. الواقع لا. فليس لدينا إلا حيز ضئيل جداً من الكون. @ هل هو عائد لأسلوب حياتنا؟ - عائد إلى حياة كل البشر، فلو تذهب إلى نيويورك ستجد الإنسان الذي يعيش في هذه المدينة لا يعرف إلا بضعة أمتار من هنا وهناك. ولا يعرف إلاَّ واحداً أو اثنين من البشر. وهذا الذي نتصور أنه منفتح على الكون كله، ستجد أنه أكثر ضيقاً مني ومنك. @ ولكن التجارب الحياتية تثري الروائي؟ - التجارب ما لها دخل بالعلاقات.وأنت هنا انتقلت إلى نقطة مهمة. والله البنت تعرف أو ما تعرف، عاشت أو ما عاشت هذا ليس مهما. التجارب هي عبر القراءة عبر الكتب والرأس إذا امتلأ، فالعرب يقولون (كل إناء بما فيه ينضح). الإنسان ليس من الضروري أن يمر بنفسه المفردة على التجربة. ولكن أن يبني خياله بحيث يمتلك الخيال القدرة على تصوُّر تجربة ما، وهي لم تحدث. نجيب محفوظ كمثال: كم عدد الشخصيات في رواياته؟ ستجد كلَّ أنماط الشخصيات. فهل نجيب عاش حياة هؤلاء الشخصيات؟! الحقيقة أنه لم يعش، لكنَّه استطاع بتصوره للكون وعبر قراءته وعبر ملاحظته أن يشخص خصائص تلك الشخصيات. ليس شرطاً أن نعيش واقعياً الأحداث لكي نكتب عنها. قدرة الخيال على أن يتصور أعلى بكثير من شروط الواقع. @ أليس خيال الكاتب يحتاج قليلا من الواقع حتى يكتب؟ - ماهو الواقع أصلا؟! الواقع هو منظومة خيال، الواقع هو قيمة خيالية، والذي تسميه أنت واقع هو ليس بواقع إنما هو تصورك أنت عن حدث ما وتسمي تصورك عن هذا الحدث واقع وهو ليس بواقع. لأن تصور احد أخر لهذا الحدث يختلف عن تصورك مما يعني أنه ليس بواقع. @ هذا يعني أن التجربة الحياتية لا تثري الروائي؟ - التجربة الحياتية شرط للسيرة الذاتية والرواية شيء والسيرة الذاتية شيء آخر. @ أليس مهما أن يوظف الروائي تجاربه في كتابة الرواية؟ - كل شيء يوظَّف فمجرد مشاهدتك لخبر في التلفزيون تستطيع أن توظفه. كلمة قرأتها للجاحظ ممكن أن توظفها. ففعل التوظيف شيء وأن تعيش الشيء أمر آخر. الأنوثة كقيمة إبداعية: @ الروائية هل تستفيد من خصائصها الأنثوية في الكتابة.كالمكر والكيد؟ - أولا الكيد والمكر ليسا خصائص أنثوية.ففي كتابي (المرأة واللغة). كان منصب وبشدة على أن هذه ليست خصائص أنثوية. هو تصور ثقافي غير صحيح. النقطة الأخرى: أن تستفيد المرأة من خصائصها الأنثوية هذا مطلب إبداعي كبير.إننا محتاجين إلى كتابة نسوية تؤسس لقيم إبداعية أنثوية.مثلما في الأدب هناك قيمة الفحولة كقيمة إبداعية عليا. يفترض أو نأمل أو مطمح كبير ثقافياً أن نجد الأنوثة كقيمة إبداعية توازي وتماثل وتنافس الفحولة. ولو تحقق لأي كاتبة مستوى من هذا.. فلا شك أنها ستقدم مسيرة الكتابة والثقافة بشكل كبير وإبداعي وايجابي وهو شكلٌ مطلوب أصلا. @ هل رصدت هذا التكريس للأنوثة في تجارب روائية نسائية محلية؟ - رصدتها على المستوى العالم العربي وشرحتها في المرأة واللغة. وطبعاً أشرتُ إلى تجربة رجاء عالم وأممية الخميس ولاحظ أن الكتاب صدر عام 1995كان عند الكاتبتين ملامح لفتح أفقٍ لما سميته تأنيث الذاكرة، وهذا مفهوم نقدي دقيقٌ جداً ومهمٌ جداً. لأن الذاكرة الإبداعية ما تزال ذاكرة فحولية. فإذا ما حقق درجات من تأنيث الذاكرة فمعنى ذلك أننا نخطو بعلو كبير لإنتاج نص أنثوي. @ هل تتقصد المبدعة تأنيث الذاكرة في نصها؟ - هذا شغل الناقد وليس شغل المبدعة. المبدعة لا تعي وليس في بالها هذه الأمور. @ لو رصدنا نموذج الرجل في الرواية النسائية نجده متشابها ونمطيا؟ - شروط تأنيث النص تبتدئ من تأنيث اللغة، تأنيث المكان، تأنيث الذاكرة.وليس مهماً أن يكون الرجل موجوداً أو غير موجود في نص الروائية. وأيضاً كلام المرأة عن المرأة ايضا من الممكن أن يكون بخطاب فحولي. لذا ليس شرطاً عندما تتكلم المرأة عن الرجل أو الرجل عن امرأة يحدث تأنيثاً للغة. أيضا تأنيث اللغة ممكن أن يحدث من رجال وليس من نساء فقط، وحدث ذلك عند بدر شاكر السياب، محمود درويش، وأمل دنقل، هؤلاء هناك نص أنثوي في نصوصهم، ولذلك نصوصهم تحمل تغيراً نوعياً ضخماً على مستوى الثقافة العربية.تجربة الحداثة كسعد الحميدين إلى آخر مجموعة الحداثيين كان فيها جزء من هذا الاختراق. اللغة الفحولية والشعراء: @ هل حضور النص الأنثوي عند الرجل معناه انه يكتب بجزئه الأنثوي؟ - الرجل لا يكتب لا بجزئه الأنثوي ولا بجزئه الذكوري. الرجل والمرأة معاً يكتبان مما في داخل رؤوسهما، وما في داخل الرؤوس هو امتلاء ثقافي تكوَّن على مدى قرون وأنت ترثه. فإذا كنت على درجة خارقة في الإبداعية تستطيع أن تخترق شروط هذا المكوِّن الثقافي وتهيمن عليه، فبدلاً من أن يهيمن عليك ويجعلك متحدثاً باسمه من الممكن أن تهيمن عليه أنت وتخترق شروطه. @ في الفترة الأخيرة هل أصبحت اللغة الفحولية تتوارى عند الشعراء؟ - ليس كل الشعراء.عند أدونيس لا تتوارى، فهو يعززها مرة أخرى. أدونيس يعود إلى تفحيل اللغة وتفحيل التجربة. لهذا السبب أنا قلت أنه يمثل رجعية الحداثة.لكن محمود درويش، بدر شاكر السياب،أمل دنقل، وبعض نماذج لسعد الحميدين، بعض نماذج لعبدالله الصيخان، ونماذج لفوزية لأبو خالد.وهذه المسألة تحتاج تلمساً دقيقاً جداً.وهي كيف أن تسمي هذا الشيء حالة تأنيث للغة أم حالة تفحيل للغة.لا يكفي فيها تغيير الموضوع. المقلد العظيم ومحمد عبده مجرد منشد: @ هل تأنيث اللغة عند الرجل سلبي أم إيجابي؟ - طبعاً إيجابي. سبب إيجابيته أن اللغة فحولية. مكتنزة بشروط الفحولية. فإذا جاء التغيير النوعي.. يصبح التغيير انجازاً. لذلك يحكم على المتغيرات بمقدار انجازها في تغيير ما كان. لأنك من الممكن أن تجد أناساً قمما في التقليدية. يعني مقلداً عظيماً جداً. خذ صباح فخري مثلا عندما يغني القدود الحلبية هل هو مبدع أم مقلد عظيم؟ هو مقلد عظيم. فأحيانا يختلط علينا ما بين المبدع والمقلد العظيم. فنظن المقلد العظيم مبدعاً. وهذه خدعة ثقافية لا ندركها إلا بفحص نقدي دقيق جداً. لطفي بشناق عندما يغني للأوائل يكون من القمم. لكن حينما يغني لحناً جديداً له أو لغيره يهبط كثيراً. هذه لحظة ليست سهلة. محمد عبدالوهاب استطاع أن ينتج موسيقى وينتج لحن وينتج صوتاً له وأصواتا لغيره. لأنه صنع موسيقى وذهب إلى حلب ودرس على أيدي الحلبيين والمقامات التقليدية من حلب. لكنه استطاع أن يعيد صياغاتها بطريقة مبتكرة. فعندما تسمعه لا تجد علاقة بينه وبين الطرب الحلبي. وإن كان متأسساً على ذلك الطرب في كثير من نواحيه. @ محمد عبده مبدع أم مقلد عظيم؟ - أنا لا أميل لمحمد عبده، أنا أميل لطلال مدَّاح. طلال عنده الأغنية التي تطربك.تصل إلى شغاف قلبك. أما محمد عبده فهو عندي أقرب إلى (المنشد) ولا أرى فيه مطرباً. طبعاً محمد ليس ملحناً. @ هو ملحن.. له الكثير من الألحان؟ - يقول أنه ملحن.. وأنا أقول لك ليس بملحن. @ له ألحان مثل جمرة غضى، صوتك يناديني، أنشودة المطر؟ - أنشودة المطر تمنيت أنه لم يغنيها. لأن اللغة الفصحى لا تسلك على لسان محمد عبده. محمد عبده يغني العامية ويمشي لسانه مع العامية. أما مع الفصحى فلسانه لا يستطيع أن يجاريها. لسانه عامي لا يستطيع أن ينطق الجمل الفصيحة. أعتقد أن أنشودة المطر على لسانه مخجلة جداً. @ هل هو لعدم فهمه لأبعاد النص؟ - اللسان يجب أن يتدرَّب. أنت عندما تسمع أم كلثوم وديع الصافي وغيرهم. هؤلاء درسوا مخارج الحروف، درسوا القراءات، درسوا المقامات. لسانهم وحنجرتهم دُرِّبت منذ أن كانوا صغاراً. فالحنجرة واللسان اشتغلت على القيم الصوتية للغة العربية الفصحى. غير شخصٍ خرج أصلا من البيئة الاجتماعية العامية. أحيانا عندما يغني محمد عبده لا تفهم الكلمة التي نطقها.. لا تسمعها كأن لسانه يبلعها. خذ الجملة منطوقة على لسان أم كلثوم وعلى لسان وديع الصافي ستجد الجملة تأخذ حقها في القيم الصوتية كمخارج حروف. @ طلال مدَّاح تجربته الغنائية بماذا تميزت؟ - طلال مدَّاح يتجه إلى أعماق القلب فيه بقايا الطرب الحجازي، بقايا نكهة الأغنية. وظل صوته يحمل هذا. لذلك بالنسبة لي أنا أكثر تطريباً وأقرب إليَّ من محمد عبده. @ هل هو أصدق في الأداء من محمد عبده؟ - ربما. أنا مشكلتي لا أعرف في الموسيقي وبالفن بالشكل الذي يمكنني أن أحكم فيه. ولكن أقول عن وقع الأداء على أذني فقط. غياب الموسيقى الخالصة: @ لماذا لا توجد لدينا موسيقى خالصة؟ - جزء من النقص الأساسي حتى على مستوى العالم العربي. ليس هناك موسيقى خالصة. إلا كمقدمات للأغاني، إلا شيء قليل مثل ياسر عبدالعزيز، أحمد فؤاد حسن، محمد عبدالوهاب قليلاً. رقصة أطلس عمِوما هناك نقص على مستوى العالم. أحيانا تسمع بعض الأغاني فتشعر بمتعة عظيمة، إلا أن يبدأ المغني بالغناء تذهب المتعة كلها، المقدمة الموسيقية راقية ومعبرة ومؤثرة. فإذا بدأ الغناء هبط بمستوى الإيقاع. @ هل هذا يعني الإتكاء في الأغنية يكون على الكلمات؟ - هذا ما يفعله الملحنون، والموزعون ومنتجو الأغاني، نعم يعتمدون على الكلمات، والآن مع الفيديو كليب.. يعتمد على عناصر أخرى،عناصر الصورة والألوان والأشكال والحركات. فجاءت مجموعة عوامل انضمت بعضها إلى بعض في تكوين الأغنية. @ على مستوى النص الغنائي كيف تقرأ خطاب الأغنية المحلية؟ - بالنسبة لي موجعٌ ومخجل. ولا استطيع أبدا أن أقول أن خطاب الأغنية عندنا هو الخطاب الثقافي الذي أتمناه لثقافتنا على الإطلاق. @ تجربة كتجربة بدر بن عبدالمحسن،ألم تحدث أثر في النص الغنائي؟ - لا تسألني عن أسماء. لا ارغب في الدخول في الأسماء وأقول فلان أو فلانة. ولكن عموماً لا أشعر أبداً أن الكلمات هي التي من الممكن نتكلم فيها ونقول أنها نتاج لثقافة فيها ميزة. @ كيف ترى الجيل الجديد من المطربين السعوديين؟ - أستمع لهم.. ولكن ليس هناك أسماء مثل الجيل الأول كطلال مداح ومحمد عبده وابتسام لطفي وفوزي محسون بعض أغاني طارق عبدالحكيم وبعض أغاني عبدالله محمد، هذه الأسماء قدمت الطرب الحقيقي. وكان جيل غنائي مهم. فمثلا فوزي محسون كان يمتلك قدرات في اللحن والتطريب وإيقاعات من نوع خاص جداً. وابتسام لطفي صوتٌ شجي فعلاً. وطارق عبدالحكيم في بعض أغانيه. وأنا استغرب لماذا لا تتم إعادة تلك الأغاني بصوت المطربين الشباب. عبدالمجيد عبدالله أعاد أغنية أو أغنيتين. لكن أنا أعتقد يجب أن يكون فيه مشروع موسيقي لإعادة أغاني هذا الجيل. فهذه الأغاني لم تأخذ حقها على مستوى العالم العربي. فمثلا يمكن أن تعاد أداء أغاني فوزي محسون بصوت غير صوته، وذلك لأنني أعرف أن هناك تحرُّج من أسرته حيث أنهم لا يرغبون في بث أغانيه. لا بأس نحن نحترم رغبة هذه الأسرة الكريمة لكن لو غنيت بأصوات أخرى فهذا يرفع الحرج. جيل الكعكة: @ تجربة الحداثة في الثمانينات. هل كانت محظوظة بالنقد أم بالصراع الذي حدث في تلك الفترة؟ - هي محظوظة بالنقد وبالصراع معاً. عندك ثلاثة شعراء ظهروا ومعهم ثلاثة نقاد. هؤلاء كانوا مثل الفرق المسرحية يتجولون من مدينة إلى مدينة في الأندية الأدبية. هؤلاء يلقون أشعارهم وهؤلاء يعلقون على هذه الأشعار. وأحدث ذلك فورة، لكنها فورة مرحلية ولم تنتج خطابا نقديا معرفيا. لكنها في وقتها فتحت آفاقاً كبيرة للقصيدة وللذوات أنفسهم. وأنا سميتهم في كتابي (حكاية الحداثة) بجيل الكعكة. @ هل ما زال لنص الثمانينات أثر فني؟ - يجب أن نميِّز، فهناك أسماء ظهرت في الثمانينات وانتهى أمرهم عند تلك المرحلة. ولكن هناك جيل سابق للثمانينات وعبر الثمانينات واستمر. كمحمد العلي، سعد الحميدين، علي الدميني، أحمد الصالح، عبدالله الزيد، أحمد عايل فقيهي. وعن جيل أتى بعدهم كأشجان هندي ولطيفة قاري. هؤلاء أخلصوا للتجربة ولم ينقطعوا. ومنذ أن ظهروا كشعراء ظلُّوا إلى اليوم ولم يحدث عندهم انطفاء، لذلك نحترمهم لأنهم احترموا فنهم، احترموا شعرهم، واحترموا تجربتهم. على عكس أناس ظهروا بفورة.. ثم انطفأوا. @ سر الانطفاء لدى هذه المجموعة؟ - أبسِّط ما أقوله هو عدم الإخلاص، المخلص لفنه لا ينطفئ.، أخلص لعملك وستظل ناجحاً. الكتب لها نضج بيئي معين @ الصراع الحداثي التقليدي لو حدث الآن هل سيجد ردود فعل مشابهة لما حدث في ذلك الوقت؟ دعني أختصر لك الأمر. كتابُ (الخطيئة والتكفير) لو صدر الآن سيكون كتاباً بارداً جداً. وسيكون محايداً إلى أقصى المحايدة. الأفكار لها توقيت. الأحداث الثقافية مثلها مثل الأحداث العسكرية والاقتصادية كلها لها تاريخ، ولها حالة لحظة نضج بيئي معين. إن أدركته فأنت أدركت زبدة الحدث. فلا بد أن تخرج من مجموعة بيئية وظروف وشروط محددة - إذا فات شرط من هذه الشروط فسدت التركيبة كلها. الشاعر الجماهيري @ هل لدينا شاعر جماهيري بحجم محمود درويش؟ - لا أظن. لم نستطع أن ننتج شاعراً جماهيرياً، وفي الوقت ذاته يحقق شروط الإبداعية العليا. محمود درويش ظاهرة على مستوى العالم العربي ظاهرة نادرة حتى على مستوى الشعراء الفلسطينيين الآخرين لا يبلغون درويش. فسميح القاسم هو زميلٌ له منذ الطفولة وحتى اليوم. لكن لاحظ الفارق بين الاثنين. أدونيس سابق على درويش ولاحظ الفارق بين الاثنين. أمسح الجغرافية العربية من البحرين إلى الدارالبيضاء لن تجد شاعراً بحجم محمود درويش. @ قاسم حداد ألا يعتبر شاعراً جماهيرياً؟ - قاسم حداد وكذلك محمد بنيس شعراء نخبة، هؤلاء لهم سوقهم بين النقاد. ولكن ليسوا شعراء جماهيريين. فعندما أرادوا أن يقيموا لمحمود درويش أمسية في بيروت اضطروا لكثرة الناس أن تقام في ملعب كرة قدم. @ قرأت مقولة لمحمد الماغوط أن درويش شاعر جميل ولكنه غير صادق؟ - العبارة تصدق على الماغوط وليس على درويش، ويبدو أن الماغوط كان يرى وجهه وهو يقول هذه العبارة - الله يرحمه - فأنا اعتقد أن محمود درويش هو ظاهرة ثقافية من النمط العالي على النماذج الكونية العليا. المرأة والعمى الثقافي: @ نزار قباني ألم يكن شاعراً جماهيرياً؟ - نزار له جماهير. إنما تجربته في المقياس الإبداعي تعتبر تقليدية، محمود درويش يخترق آفاق إبداعية ليست في بال أي شاعر لا نزار ولا غيره. فالمنجز الأعلى عند درويش لا يمكن مقارنته بأي شيء آخر. نزار مثل الذي يبيع بضاعة الناس عليهم. ولكنه محلِّيها بالكلمة الحلوة وبالمفردة الجذَّابة. @ ولكن نزار له قاموسه؟ - امرؤ القيس له قاموسه، البحتري له قاموسه، ذي الرمة له قاموسه، وكل إنسان له قاموسه، المسألة لا تكفي لأن يكن لك قاموساً. هذه واحدة من مجموعة عناصر. واحدة من مجموعة عوامل. وأيضاً أنا قلت عن نزار شاعراً رجعياً. يعود إلى تفحيل اللغة واستفحالها. وشعره يهين المرأة أهانة كاملة، لأن المرأة عنده جسد وليست عقل وليست معنى. @ بماذا تفسر إعجاب المرأة بشعر نزار؟ - المرأة واقعة تحت مظلة ما أسميه (العمى الثقافي). المرأة والرجل يخضعان لشروط الثقافة، شروط الثقافة هي شروط تفحيل وليست شروط تخليص من العقد والمعاني التقليدية في الثقافة. فالمرأة خاضعة للشرط الثقافي. @ لذا هي لا ترى في نص نزار أهانة لها؟ - ولا أنا. أنا كنت أقرأ نزار قباني منذ صغري. وأحفظه إلى اليوم. ولكن ما تبنيت نسقية نزار حتى دخلت في مشروع النقد الثقافي. يعني بعد أكثر من أربعين عاماً من التجربة مع شعر نزار. @ هذا يعني تم تضليلك؟ - أنا ناتج لهذه الثقافة. الثقافة تحتويني، ويجب أن تأتي لحظة استطيع التحرر من هيمنة المعنى الثقافي العام عليّ. لا أريد أن أوضع في خانة الزعيم: @ هل ترى نفسك ناقداً جماهيرياً؟ - أنا لست بناقدٍ جماهيري بكل تأكيد. ولو ترغب أن تحسب جمهوري وتقارنه بجمهور نجوم الفن والكرة لن تجد مقارنة. @ إذن هل نقول هناك ناقد نجم؟ - أرجو ألا أكون كذلك. لأن في ذلك خطراً كبيراً، إن الإنسان يؤمن في دخيلة نفسه أن له أتباعاً. إذا أحسست بالأتباع سيكونون قيداً عليك. يبدؤون يُملون شروطهم عليك. لأنك لا تريد أن تعمل عمل يُغضبهم. وفي فترة الثمانينات وقعنا في حبائل هذه. وبذلتُ مجهوداً خاصاً جداً لكي أتخلص من الحداثيين. لا أريد أن أوضع في خانة الزعيم. ورضا لاري عبر تعبيره المشهور (الغذامي زعيم الحداثيين، ولكنه يصلي) لم أكن أريد مفهوم زعيم الحداثيين لأن هذا يسبب لي عبأً. والخلاص منه هو مكسب كبير. لأنه كلما خلصت من روح قيادية لأتباع تكون أكثر حرية في التعامل مع ذاتك. ولذلك يعتبرون كثيراً من كتاباتي في السنوات العشرين الأخيرة هي خيانة لمشروع الحداثة الذي كان في الثمانيات، وهي كذلك بكل تأكيد. لأنني أريد أن أتخلص من عبء الماضواية حتى وإن كانت حداثوية. @ هل هذا التخلص غير قناعاتك في التجربة؟ - طبعا لا. التجربة تستأهل الوقوف عليها تتساهل النظر إليها. لذا كتبت كتابي (حكاية الحداثة) وما كتبته إلا لأنها تجربة تستحق أن تسجل وأن أقدم شهادتي حولها. أيضاً احترامي لمجموعة أسماء ذكرتها قبل قليل. مجموعة هؤلاء الذي أخلصوا لتجربتهم، احترامي لهم مستمر وقائم لأنني أحترم الذي يقدم تجربة ويؤمن بها ويخلص لها. النقاد الشباب وافتقاد الكاريزما: @ هل تجد النقاد الشباب الآن بحجم نقاد الثمانينات؟ - أرجو أن يكونوا أفضل من نقاد الثمانينات. وأنا أرى أسماء لكاتبات ولكتاب شباب وأتطلع أنهم فعلا يقودون الحركة. وأعتقد أن فورة الرواية الآن تحتاج لجهد مماثل في السن والاهتمام يتابعها. وبالتالي يكون الفعل النقدي فعلاً صحيحاً. نحن الآن عواجيز الثقافة. فإذا ظلُّوا يعتمدون على هؤلاء العواجيز فإلى متى؟!، هناك جيل شاب ناقدات ونقاد لكنهم لا يعني أنهم اشتغلوا بشكل واسع وعريض على الرواية. الرواية تحتاج دخولاً كثيفاً جداً. @ هل النقد الآن لا يوازي ما يطرح روائيا؟ - إذا كنا نحسبها بالعدد، طبعا لا. وإذا كنا نحسبها بالنوع فما يملك الناقد إلا أن يكون لديه درجة من الوعي النوعي وليس العددي. @ هل هم يفتقدون إلى الكاريزما التي كان يملكها النقاد في الثمانينات؟ - الكاريزما ما كانت موجودة، ثم أتينا لكي نلبسها. الكاريزما لا تصنعها أنت. أنا في ذهني أربع خمس ناقدات لو الخمس الناقدات نزلوا بشدة وبكثافة وبقوة عن الرواية وبشجاعة. لأن المسألة تتطلب الشجاعة وهذه صعبة. لأنهنَّ سيواجهن بوابل من الاتهامات والسخط والغضب الذي لا أول له ولا آخر. لو تجاوزنَّ هذا كله وكتبن بكثافة وأركز على الكثافة. ستخلق الكايزرما، سيخلق الأثر والتأثير سيخلِق الجو النقدي. والرواية الآن فيها جو ليس ببسيط. شرط أن نقول الكلمة الصح. ليست الكلمة المجاملة. لأن الرواية فيه عيوب لا أول لها ولا آخر. والناقدة أكثر قدرة على تشخيص هذه العيوب وهذه المشكلات. فلو تقدمنَّ لها أعتقد سيأتي مرحلة تشبه مرحلة الثمانينات. مرحلة الثمانينات كان البطل فيها الشعر. ومن الممكن أن تأتي الآن مرحلة البطل فيها هو الرواية. وهي تنتظر من يدخل الميدان. شرط الذين يدخلن الميدان هو جيل الشباب من الناقدات والنقاد. @الذي ألاحظه من نقد جيل الشباب للرواية هو مجرد طبطات؟ - هذا الإشكال إذا كان فيه طبطات لن يكون هناك نقد. أما إذا كان فيه صدق منهجي ومعرفي ومبني على نظريات في السرد. وكل اللاتي درسن في الجامعات وتدربن يعرفن نظريات السرد. المنهجيات في تناول النصوص كلهن قد تدربنَّ على هذه المنهجيات. بقي أن يتوفر وقت لقراءة الروايات وللدخول بكثافة على الحادثة الثقافية هذه. وحينئذ سترى مرحلة وجواً مبهراً، وربما يفوق مرحلة الثمانينات. @ أجدك تعول على الناقدات أكثر من النقاد الشباب؟ - هناك نقاد شباب. بس أنا أمامي ناقدات وهذا سيحدث تغير نوعي ضخم. أن المرأة دخلت كشاعرة ودخلت ككاتبة روائية ودخلت ككاتبة مقالة. وهناك ناقدات طبعا مثل:سعاد المانع، لمياء باعشن، فاطمة الياس، فاطمة الوهيبي. وهناك جيل شاب مثل سهام القحطاني، أمل القثامي، أمل الخياط التميمي، إيمان القويفلي، ولطيفة الشعلان ذكية وماهرة. هذه الأسماء ليست بسيطة. نحن نحتاج من هذا الجيل الدخول بكثافة، أنا شرطي (الكثافة). فهناك كتابات. ولكن لكي أتكلم عن ظاهرة. فالظاهرة يجب أن يقوم بها مجموعة شخوص. ويجب أن يكون العمل أيضاً كثيفاً جداً. متنوعاً جداً،قوياً جداً، شجاعاً جداً.وهذا كأفراد مؤهلين ذكرت لك بعضهم. ترجمة الروايات السعودية مجرد قشور وهو شغل مستشرقين: @ ترجمة الروايات هل تجدها ظاهرة صحية؟ - سأتحدث عن شيء مهم. أنا عملت دراسة في بريطانيا وفي أمريكا باللغة الانجليزية عن الترجمات العربية ولا أحكي عن السعودية فقط، بل عن الترجمات العربية إلى اللغة الانجليزية كانت النتائج ضعيفة وسلبية جداً حتى عند نجيب محفوظ. وأشير هنا إلى بحث علمي للدكتور صالح جواد الطعمة الذي وصل إلى نتائج مهمة جداً فيما يخص الترجمات من العربية إلى الانجليزية ولقد استفدت من بحثه كثيراً في تناولي لهذه القضية. فالدراسة ليست هي عن عدد الأسماء التي ترجمت ولا عن عدد الكتب التي تمت ترجمتها. السؤال المهم عن أي كتاب تجاوز إلى الطبعة الثانية والثالثة والرابعة؟! هذا هو السؤال. ثانياً: عن أي رواية أو كتاب يكون موجوداً في أرفف المكتبات التجارية يباع على الرف؟. لم أجد إلا أسماءً ضئيلةً جداً. وكمثال واضحٍ لها الطيب الصالح حيث وصلت رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) إلى الطبعة السادسة وتجدها على رفوف المكتبات. أما الباقون فلا تجدهم، ولا تجدهم إلا على طبعة واحدة فقط. وإذا أردت الكتاب يطلب عبر الانترنت. هذا لا يسمى شيئاً. لذا لا يجب أن نحكي عن الترجمة عن مجرد كتاب أو الكاتب الفلاني أو المستشرق غير المستشرق أو الدار الفلانية سواء كانت جامعة أو غير جامعة طبعت الكتاب. أنت اسألني عن القراء، اسألني عن الكتاب الموجود على الرفوف، اسألني عن الطبعة الثانية والثالثة. هذا الكلام الذي يجب أن نتكلم عنه. أما الباقي فهو قشور ومعناه أن هذا كلام واحد مستشرق يريد أن يأخذ ماجستير. واحد مستشرق يبغى يترقى أو يترفع. واحد مستشرق كلف من جامعة أو من مؤسسة.هذا شغل المستشرقين. @ هذا يعني أن ترجمة الرواية غير جادة؟ - إلاَّ جادة. عيبها أنها جادة إلى أقصى حدود الجد. لكنها جادة بالمعنى الأكاديمي وليس بالمعنى الثقافي. وهناك فارق بين الجدية الأكاديمية والجدية الثقافية. أنت تسألني عندما ترى شخصاً تباع كتبه مثل ما تباع كتب ماركيز. أو تباع مثل ما يباع كتاب (موسم الهجرة إلى الشمال). هذه الكتب أقول لك أنها عبرت حدود الثقافة ودخلت. أما كتب تجدها حتى عربيا غير مقروءة على المستوى العربي لم تبلغ قيمة تقديرية لها. على مستوى الجوائز لا تجدها وصلت إلى مستوى الدرجات العليا في الجوائز. أنا في خبرتي لم أرَ سوى اثنتين رجاء عالم ورجاء الصانع. اثنتان وصلتا إلى درجات متقدمة جداً وأوشكتا أن تفوزان. @ رواية (بنات الرياض) ترجمت إلى أكثر من لغة. هل نعتبر رجاء الصانع روائية عالمية؟ - إذا كان الأمر كذلك. فأنا وأنت عالميان.، وأعود مرة أخرى إلى جوابي السابق. يصبح الإنسان عالمياً إذا رأيت كتبه على أرفف المكتبات التجارية. إذا رأيت الناس وهم في القطار يقرؤون هذا الكتاب. أنا كلما اذهب إلى أمريكا وإلى بريطانيا لي علاقات مع جماعات يسمون جماعات قراءة أو جماعات ثقافة. عندما أسألهم عن أسماء، أجدهم لا يعرفونها ولا مرَّت عليهم قط. وحتى يكون للإنسان مكانة يجب أن يكون مثلما أسالك عن ماركيز وتكون عارف ماركيز سواء قرأت له أو لم تقرأ له. لا تقول مين يطلع أو ماعمري سمعت بهذا الاسم!!. إذا جاء الناس من أهل القراءة ولم يسمعوا به ولا بكتابه فهذا ما بلغ ما شيء. مجرد نقل صفحات من العربية إلى الانجليزية ليس انتشار ولا صناعة ثقافة. قصيدة النثر شيء كبير ولكن ذائقتي لا تقبلها: @ كيف ترى قصيدة التفاصيل اليومية؟ - لا اعرفها ولم اسمع بها. ماذا تعني بقصيدة التفاصيل؟ @ هي التي تتكلم عن اليومي في قصيدة النثر؟ - قصيدة النثر. أنا كتبت عنها أربعة مقالات وقلت عقلي يقبلها لأنه من حق أي إنسان أن يكتب بالصيغة التي يراها وأن يعبر عن نفسه بالصيغة التي يراها ولكن ذائقتي لا تقبلها، عقلي يقبلها بناء على حرية الإنسان في أن يعبر عن نفسه. أما ذوقي فهو حق شخصي لي أنا، والأمر هنا مختلف. لكن هذا لا يعني أن قصيدة النثر ليست شيئاً. قصيدة النثر شيء كبير، وفي الحقيقة أنها أسهمت في صقل اللغة العربية.أسهمت في تقديم عمل مخلص. وأنت أحيانا تنبهر من شدة إخلاص كتَّاب قصيدة النثر لعملهم.على الرغم من اللاجماهيرية التي عندهم ولكن مع ذلك تجدهم مخلصين إخلاصاً حقيقياً. وهذا يكبر فيهم حرصهم على أن يصنعوا نصاً يقوم على مفهوم الاقتصاد اللغوي، الكثافة اللغوية، وذلك مفيد فأنا أدرِّس طلابي في الجامعة نصوصاً لقصائد قصيدة النثر لكي يروا بأعينهم هذه النماذج. ولكن هناك فرقاً بين أن تشير إلى مزاياها وحقها في الوجود وبين تذوقها. وأنا لو قيل لي أن فلانا سيعمل أمسية قصيدة للنثر.. فلن أتشجع على الذهاب. الشاعرة السعودية.. وموت الشعر: @ كيف ترى تجربة الشاعرة السعودية؟ - ظهرت تجارب رائعة. خيرية السقاف لديها قصائد جميلة جدا ولم تعط حقها. فوزية أبو خالد تجاوزت شرط النثرية لأنها دخلت في صيغة إبداعية لم يعد ينظر إلى شعرها هل هو قصيدة نثر ولا قصيدة حرة، ثريا العريض، أشجان هندي هذه أسماء شعرية ليست عادية. لطيفة قاري تكتب نصوصاً من الطراز الإبداعي المتجاوز حتى لذاته. @ ولكن ما بعد التسعينات لم تظهر أصوات شعرية نسائية متميزة؟ حتى على مستوى الشعراء لم يكن هناك أصوات شعرية. والشعر عموماً في العالم كله وليس على مستوى العالم العربي فقط ليس هذا زمانه. لذلك كوننا ننتظر ولادة شاعر أو شاعرة الآن نحن نشتغل ضد الزمن. هذا زمن ثقافة الصورة.. زمن السرديات. ولا تقول لي محمود درويش فهو ظاهرة خاصة لها شروطها الخاصة وأصلا تحتاج قراءة ومراجعة خاصة. إذا خرجت من محمود درويش الباقي ستجد أنهم يعيشون خارج زمانهم، يصرخون في بيداء مظلمة. وكلَّ يوم يمرُّ يزداد ابتعاداً عن الشعر. فنحن على مستوى الشعر نشتغل ضد الزمن يمشي باتجاه آخر غير زمن الشعر. @ هل هو موت الشعر؟ - أمور كثيرة ماتت. أنا قلت بموت النقد الأدبي ولا شك أن هذا ناتج ومتزامن ومتداخل مع موت الشعر. فتراجع القصيدة كمؤثر نتج عنه تراجع النقد الأدبي. ظهور ثقافة الصورة وظهور الصورة وهيمنة الصورة نتج عنه بالضرورة ظهور النقد الثقافي. سر الاختلاف مع أدونيس: @ ماهو سر اختلافك مع أدونيس؟ - ليس لديَّ اختلاف مع أدونيس. إنما حكمت على تجربة أدونيس بأنها تمثل الحداثة الرجعية. ومن الطبيعي أن أدونيس يغضب لأنه يعتبر نفسه رمزاً للحداثة ومن الصعب عليه أن يجد شخصاً اسمه عبدالله الغذامي موصوفاً بالحداثة وموصوفاً تحت عنوان النقد الثقافي ثم ينظر إلى أدونيس على أنه نسقي ورجعي - هذه صعبة - . فبعد تجربة 70سنة يقال عنه هذا الكلام.. من الطبيعي أن تكون ردة فعله صارخة. لكن من الإبداعي أن يكون رده أعلى من هذا. وهناك فارق بين الطبيعي والإبداعي. "الطبيعي" حالة غضب يتساوى فيها الذئب مع الفأر مع الرجل مع المرأة. أما "الإبداعي" فهو عمل متجاوز، وكان من الممكن أن أدونيس يتشفع بذكائه ويتجاوب بطريقة أعلى وأرقى لكن ذكاءه خانه وبالتالي أعطى دليلا إضافياً على نسقيته. أدونيس كان يراني صديقا وكان يستخدم هذه العبارة، وعندما رأى كتابي كان يمزح ويمازح من باب الملاطفة ولكن بعد ذلك تأثر. وأنا ليس بيني وبين أدونيس خلاف ولكنه كان من الشرط عليَّ أن أقول رأيي وإلا سأكون كاذباً. @ كيف استقبلت كلام محمد العلي عندما قال: الغذامي يحب الضوء وطاقة نقدية مهدرة؟ - محمد العلي لم يوجِّه سؤالاً لكي أجيب. كذلك لم يقدم رأياً. هو أصدر حكماً، والذي يصدر حكماً دون وجود المتهم ولا حق المرافعة ولا حق التميز نعمله ايش !! وقد كنت في جلسة في جدة وعندما دخلت قالوا لي (وقتها لم اطلِع على ما قاله العلي) أن العلي يقول عنك عبثي فقلت: الحمدالله أنه لم يقدم الباء على العين، وعلى أيِّ حال هو لم يطلب رأيي في قوله ولم يطلب إجابتي عليه. @ كيف ترى تجربة العلي الشعرية؟ - أنا احترم تجربة العلي ولا أزال، وذكرت مراراً وتكراراً رأيي هذا، ولم أغيره حتى لو قال ما قاله. وخلاصة رأيي في تجربته الشعرية مكتوبٌ في كتابي (حكاية الحداثة) وحتى لو أعدتُ كتابة هذا الكتاب، فسأقول الكلام ذاته من قبل سواء قال ما قال أو لم يقل. فالقضية ليست مربوطة بأنه قال قولا يغضبني أو قال قولا يرضيني. النقد لا يخضع لشروط الرضا أو الغضب.