انتشرت وسائل الاتصالات الحديثة وغزت معظم البيوت في مختلف ارجاء العالم فاستحوذت على عقول الشباب لما لها من تأثير عميق وجاذب في شتى المجالات المتعلقة بحياتهم، ولم يسلم من تأثيرها الكبار خاصة المتزوجين منهم حيث اشركوها في تفاصيل حياتهم اليومية حتى في مشكلاتهم الخاصة مثل «الطلاق» فهل يمكن ان تحل هذه الوسائل محل «المأذون» فتحرر قسيمة الطلاق الذي هو «أبغض الحلال عند الله» سؤال طرحناه على بعض من أهل الدين والقانون وعلمي النفسي والاجتماع بعد ما تعددت حالات الطلاق السريع عبر المحمول والانترنت وغيرهما فتسببت في زعزعة استقرار العديد من الاسر وشهدت المحاكم الشرعية دعاوى قضائية من قبل زوجات، إما لاثبات وقوع الطلاق عبر الانترنت أو المحمول أو لاثبات زواج «عرفي» للحصول على الطلاق.. كل ذلك تضاف اليه نماذج لما سبق رصدناها من خلال هذا التحقيق: السيدة سناء السيدة «سناء» من مدينة امدرمان تزوجت من احد اقربائها منذ أكثر من عشر سنوات لم تنجب خلالها اطفالاً وكانت تعيش مع زوجها في احدى دول الخليج حيث يعمل بإحدى الشركات وقد حمل لها الهاتف ذات يوم نبأ مرض والدتها فاضطرت للحضور الى السودان والبقاء الى جانبها وعندما طالت فترة غيابها عنه أرسل لها زوجها رسالة عبر الانترنت في يوم تصفه ب«الاسود» يقول فيها «انت طالق». فكان ان تناولت «صبغة شعر» لانهاء حياتها غير انها وجدت نفسها بعد فترة في المستشفى بعد ان قامت جاراتها اللائي تصادف وجودهن مع الوالدة باسعافها الى المستشفى. الرأي القانوني ترى ماذا يقول أهل القانون في هذا الشأن؟ المحامي الاستاذ «معاوية عابدين» يرى انه يجب الاستيثاق من ان الطلاق قد تم بالفعل من قبل الشخص المعني بالامر اي «الزوج» وذلك لوجود اشكالات كثيرة مع وسائل الاتصالات الحديثة والمتنوعة إذ قد يقوم شخص مثلاً بالاتصال بالموبايل والتحدث الى الزوجة دون علم الزوج وفي بعض الحالات قد يرسل الزوج رسالة بالموبايل وهنا لابد من التأكد من ان الزوج هو الذي ارسل الرسالة يعلنها بالطلاق. أما الاستاذة المحامية «صفاء عبدالعظيم علي التوم» فتقول ان الطلاق اذا تم بالموبايل فلابد من اتمام اثبات ويسمى هنا «اثبات طلاق» وقد تفشى حالياً وبوسائل كثيرة لذا يصبح من الضروري البحث عن المسببات خاصة بعد ما اصبح الموبايل في كثير من الحالات دليل اثبات لبعض الوقائع حتى في الطلاق ولو أنكر الزوج الطلاق يكون الطلاق ثابتاً للزوجة بعد احضار «شهود» لتوضيح الضرر الواقع عليها امام المحكمة. المعالجات السايكولوجية وما رأي علم النفس والاجتماع في الضرر النفسي والاجتماعي الذي قد يقع على الزوجة من جراء هذا النوع من الطلاق ومدى تأثيره على الطرفين؟ يقول بروفيسور عبدالعزيز مالك: ان السبب الرئيسي في هذا النوع المتعجل من الطلاق هو حصر دائرة التفكير في آخر خطأ وقع من الزوجة ويعرف في علم الادراك بالقرار الانعكاسي للتعجل خارج دائرة الرشد وتتكرر هذه الظاهرة فتأخذ وجودها من التكرار الذي لم تقابله حركة العلماء بين الناس، ومعالجة التعجل بالطلاق يجب ان ينظر لها من ثلاث زوايا منطلقة من قاعدة واحدة: زاوية وسطية مستقيمة واخرى على اليمين وعلى اليسار الزاوية في الوسط تتمثل في ضرورة وجود «كبير» يحترم كلمته الزوجان وليس بالضرورة ان يكون الاب، وان كان الاصل كذلك، وهذا تيسير لحركة الرشد في بيت الزوجية: «أليس منكم رجل رشيد»، وبالضرورة ان يكون الكبير كبيراً في عقله وفكره وحكمته ومواكبته والمامه بالواقع. والزاوية الثانية تخص الرجل والثالثة تخص الزوجة.. والزوج لابد له من صحبة حسنة، صديق حميم عاقل يخاف الله في اصدار الرأي والمشورة وأهم أسباب القوامة بالنسبة للزوج هي: الفقه والقيم الايمانية المتحققة في عبادة الله سبحانه وتعالى وسعة الاطلاع وكثرة الصمت وعدم التعجل بالرد حتى في الفكاهة اليومية بينه والزوجة. أما الزاوية الخاصة بالزوجة فلابد لها من قياس للاجابة على السؤال: هل الام اي امها من اللائي يقدسن الحياة الزوجية ويخشين فسادها ام لا؟ فان ظهرت لجاجة الام فعلى الزوجة برها وطاعتها ما امكن ذلك في حدود التراضي ولا تعلن لاي من الناس ان الام قد فقدت مقام مرجعيتها في الحياة الزوجية، لذا على الزوحة ان تقول «خيراً» عندما تصدر الام غير الراشدة رأياً يفتت الحياة الزوجية ولا تطيعها فيما تقول ولكن لا تعلن عدم الطاعة بل تواصل في كلمة خير لعل الله يجعله خيراً حتى تتناسى الأم مواصلة الضغط لانفاذ ما تريده، وبدائل الرشد عند الزوجة هن الصديقات، الحميمات على الا تفسح مجالاً للحديث عن زوجها حينئذ ستتلقى الرشد بالملاحظة والاستقراء وممارسة ما يناسبها مما قد لحظته واستقرأته من أحوال المحيطين بها ويعرف ذلك في علم الادراك بالممارسة غير الظاهرة» لما يحتاجه الموقف من خبرات الآخرين دون علمهم، وخلاصة بدائل الرشد هي كثرة السجود وطلب العون لها ولزوجها حتى يكون ذلك سبباً لاستجابة الله عز وجل. وتطرق بروفيسور مالك الى المعالجات السايكولوجية لتفادي التعجل بالطلاق وذلك كالآتي: ان يغادر الزوج مكان بداية العراك بأسرع وقت دون ان تصدر عنه كلمة واحدة. عند رجوعه للمنزل يبتدر موضوعاً غير موضوع الخلاف مثل حال الابناء ان وجدوا او حال البيت بما يدخل السرور في النفس. اولعودة الى سبب العراك على ان يكون الطرفان «متوضئان» ما امكن ذلك ويكون مبدأهما دراسة حالة مضت لا علاقة لها بالوقت الراهن ولا يصدر قرار في شأنها لانها اصبحت عبرة فيما مضى لتحسين الحاضر، والقاعدة الذهبية هي: «الا يخرج الخلاف لاي من أسرتي الزوجين» لانهم ان علموا فلن ينسوا وان تناسى الزوجان فيكون ذلك سبباً خفياً لشحن الطاقة الشريرة في الحياة الزوجية بوقود قد صدر منها فيستجيب الزوج لاهله بتلقائية وكذلك الزوجة ويعرف ذلك في علم الادراك ب«الاستجابة التلقائية لشحن الطاقة العكسية». الاجتماعي دكتور حسين عبدالرحمن سليمان استاذ علم الاجتماع، قال ان الاصل في الزواج هو الاستقرار والاستمرار كهدف للزوجين ولكن هناك عوامل ومشكلات اجتماعية كثيرة قد تسبب في عدم استمرار الزواج فتنتهي هذه العلاقة بالطلاق الذي قد يكون صدمة تؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية والجسدية للمطلقين بالسلب، حيث تتغير مكانتهما الاجتماعية من «متزوج أو متزوجة» الى مكانة «مطلق أو مطلقة» وتتغير نظرة الناس لهما وقد يفقدان الكثير من اصدقائهما ويعانيان الوحدة ويتعرضان ل تعليقات اللوم والفشل في الحياة الزوجية. ومع التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال وما تبع ذلك من تغييرات في ثقافة المجتمع فقد شاع في الآونة الاخيرة الطلاق عبر الانترنت والرسائل القصيرة بدلاً عن الوسائل التقليدية المعلومة. ونشير هنا الى انه في السابق كان الطلاق يتم عبر «أوراق» الطلاق التي تأتي بالبريد لزوجات من ازواجهن الذين يقيمون بالخارج. ونحن نؤكد هنا على ان هذه الوسائل الحديثة تؤثر كثيراً على القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع منها ما يتعلق بالطلاق وغالباً يلجأ الازواج لهذه الوسائل لعدة أسباب منها: ? طريقة الزواج نفسها حيث ان بعض الزيجات تتم عن طريق الاهل من خلال المعرفة الشخصية أو القرابة وبطرق مختلفة عبر الجيران والعمل، وقد تأتي الموافقة من أهل الطرفين ويكون زواجهما «اجبارياً» فيخشى الزوج المواجهة عند نيته الطلاق بنفس طريقة الزواج فلا يجد وسيلة للطلاق سوى الانترنت أو الرسائل القصيرة. هناك ايضاً انعدام الحوار والتفاهم بين الزوجين حيث ان الحوار قد ينتهي بالضرب والشتم والسب والخصام حتى لو كان الزوج بعيداً عن زوجته وقد يلجأ الزوج لتلك الوسيلة لانها الطريقة الوحيدة التي تركتها له الزوجة للاتصال بينهما. اما وقوع الطلاق بهذه الوسيلة الحديثة فهي من المسائل المختلف عليها بين مختلف التيارات الدينية والاجتماعية حتى الآن. ومشكلة الطلاق من المشكلات الاجتماعية الكبيرة التي تجب مناقشتها بجدية بين مكونات المجتمع للتوصل الى حلول لمثل هذه القضايا في مجتمعاتنا. رأي الدين ما هو رأي الدين في هذا النوع من الطلاق؟ يرى الدكتور عبدالحي يوسف - نائب رئيس هيئة علماء السودان - ان التعجل لا ينفي الوقوع ولا ينفي القصد فالطلاق واقع حتى وان كان بالاشارة من الأخرس. وأكد الدكتور أحمد عمر هاشم - رئيس اللجنة التشريعية بالمجلس الوطني «البرلمان» ورئيس جامعة الازهري السابق: ان الطلاق بين الزوجين يقع في حالة القاء الزوج بيمين الطلاق على زوجته في مكالمة تلفونية شريطة ان تكون الزوجة قد سمعت صوت زوجها. واضاف ان الطلاق يقع ايضاً في حالة ارسال الزوج رسالة موبايل بطلاق زوجته بشرط ان يكلمها بعد ذلك ويقول انه مرسل الرسالة. ويثير هذا النوع من الطلاق جدلاً كبيراً بين مؤيد ومعارض. فالبعض يؤكد على ضرورة تفوه الزوج بلفظ الطلاق حتى تسمعه الزوجة طالما انه قادر على الكلام. اما الطلاق بالكتابة فيجب ان يكون بخط واضح بحيث تستطيع الزوجة التيقن منه، لكن الحروف المطبوعة التي لا تستطيع التأكد منها لا يقع بها الطلاق. والبعض الآخر يؤكد ان اتخاذ القرار بالطلاق ما هو إلا «نية» وطالما توافرت النية للطلاق فهو واقع شرعا لكنه لا يقع قانوناً والسبب في ذلك انه قد يتدخل الغش أو أساليب الخداع في استخدام الوسائل التكنولوجية، فقد يقوم شخص ما بإرسال رسالة من هاتف الزوج على سبيل المزاح أو لاحداث وقيعة بين الزوجين أو قد يقوم أحد محترفي برامج الاختراق على الانترنت باستخدام البريد الالكتروني لاي من الزوجين مما يحدث وقيعة بينهما فعندما تجد الزوجة رسالة تحمل في مضمونها معنى الطلاق فانه واقع شرعاً اذا تأكد عدم التلاعب لكنه لا يقع رسمياً ولا تعترف به المحكمة دون اعتراف الزوج بأنه هو من قام بارسال الرسالة مما يحدث تشتيتاً يقع عبئه على الزوجة اولاً ثم الأسرة بأكملها. الرأي العام