تتعرض حكومة المملكة العربية السعودية لحملة غربية مسعورة لا تفتأ تنشب وتطفو على سطح أحداث المنطقة والعالم بين فينة وفينة، والحجج جاهزة، تشبه أن تكون معلبة؛ فتارة تكون الاعتداء على حقوق الإنسان، وأخرى تكون التزمت والرجعية، وثالثة حول حرب هويةٍ تخوضها المملكة، وهلم جرًّا. اخر الأحداث كان أزمةً حول فتاةٍ سعودية تدعى رهف القنون؛ تلك التي قررت -أو ولا يبعد أن يكون غرر بها- فهربت من أسرتها متوجهة إلى كندا مع ادعاءٍ لا دليل عليه بتعرض حياتها للخطر. المتأمل للمشهد الغربي يجد وسائل إعلامية كأن تكون أنشئت ووجهت للعامل الدائب وشبه يومي ضدَّ المملكة، يحدثوننا كلَّ يومٍ عن حوادث وهمية.. يختلقون قصصًا، ويزعمون مزاعم، ويضخمون أحداثًا، حول هروب فتيات وإلحاد شباب سعوديين. على الرغم من أن بعض هذا صحيحٌ إلا أنها لا تعدو النماذج الفردية الشاذة والنافرة. رهف هذه أيضًا فتاة مراهقة لم تتجاوز الثامنة عشرة، ولا يأمن أن تعود إلى صوابها بعد وقتٍ يمر. إنه عالم الانترنت الممتلئ بالوعود الكاذبة والخرافات، وإنها السموات المفتوحة والفضائيات التي لا تبحث عن سبقٍ على الدوام؛ فلا يجد أغرب من العبث بقصص الفتيات السعوديات “دانة”، و”أروى”، و”موضى”. والحقُّ أن الأمر لا يبعد عن طلب الشهرة، هوس العصر، فيوعدن بالإدلاء بتصريحات عل القنوات والظهور على صفحات الجرائد والفضائيات، مع دندنة مأجورة لإثارة الرأي العام العالمي حول المسلمين بعامة والعرب بخاصة، ويا ليت تكون السعودية بوجهٍ أخص؛ إذ هي مجتمع محافظ ودولة غنية ولها تأثير وهوية. اختلق الفتيات الثلاث قصصا حول إمكانية قتلهن بواسطة أهاليهن، وكأن شخصًا أو جهة يوعز إليهن ويوجههن من وراء ستار. بعض محطات التلفزة أشارت إلى أنه في العادة تلجأ مقدمات اللجوء إلى الترويج لقصص مكذوبة في وسائل الإعلام؛ في محاولة لكسب تعاطف الجمعيات النسائية والحقوقية، لضمان الحصول على حق اللجوء. حقًّا فإن ثمة حالة من التربص الغربي بما هو سعودي، لكأن الإعلام الغربي يترصد لخطأ أو حتى حدثٍ سعودي، وكأنها مادة مطلوبة في حد ذاتها، وما السبب الحق إلا في ندرة الحدث، ندرة حالات هروب السعوديات، وطلب لجوء السعوديات. إن أي دولة صغيرة قد لا يسمع بها يهرب منها ويطلب اللجوء، ولأسباب حقيقية غير مفتعلة، أكثر ممن يهرب من السعودية ويطلب اللجوء، ثم لا تحدث أية ضجة. فيما يخص السعودية لا يقتصر الأمر على دعم الإعلام لأمثال رهف، بل يمتد إلى وعود المؤسسات الحقوقية، وتدخل الدول في الشأن السعودي. تتحدث ملفات وزارة العدل الأمريكية عن أعداد مقدمي طلبات اللجوء للولايات المتحدة عام 2015م؛ فتشير إلى 45770 طالب لجوء من جميع دول العالم؛ بينهم بريطانيون وأوروبيون، ومنهم فقط 11 ممن يحملون الجنسية السعودية، وافقت أمريكا على أربعة طلبات منها ورفضت سبعة لأسباب منها عدم تقديم أدلة حقيقية لمكتب الهجرة واكتشافها قصصًا غير صحيحة. رهف محمد القنون؛ فتاة سعودية مراهقة، هربت من أسرتها في دولة الكويت، وتوجهت إلى تايلند، الدولة التي رفضت التعاون مع الحكومة السعودية في مقتل الدبلوماسيين السعوديين عبد الله بصري وفهد الباهلي وأحمد السيف، برغم امتلاك الجانب السعودي أدلة دامغة على التعتيم التايلندي. رهف لم ترتض تايلند وطنًا، ورغبت في تشويه سمعة بلدها بطلب اللجوء إلى كندا عبر تايلند، ما يعني أن الفتاة اختارت تايلند وفق خطة مدبرة، ولا ننسى العلاقات المتوترة بين المملكة وكندا. أعلنت الفتاة هروبها من قسوة والدين كما زعمت يريدان إجبارها على زواج من لا ترغب، ثم تطور الأمر إلى الإلحاد.. كل هذا خلال ساعات، وكأن الإعلام كان متربصًا ومنتظرا، والصواب أنه هو نفسه صانع الأحداث. اللاجئة السعودية رهف أخذت حق اللجوء في ساعات قلائل، مع تخصيص راتب شهري وحارس عملاق بزعم حمياتها، وشقة سكنية فاخرة.. كل هذا في لمح البصر. أفلا يدل هذا كله على أن وراء الأمور أمرًا ووراء الأحداث مدبِّر؟! ثم عديد من الفتيات اليمنيات فررن من غشم الحوثيين، والسوريات فررن من بطش نظام بشار، يطلبن حماية من الاغتصاب ومن القتل ومن التجارة بهن، ولم يسمع الناس بحادثة واحدة نالت قسطا من الاهتمام ب”رهف” السعودية، إلا إنهن لم يلحدن، أم لأنهن لسن سعوديات؟! إنها ليست المرة الأولى التي يفطن فيها الناس إلى معايير ومكاييل الغرب، والحضارة الغربية.