ربما كانت فكرة الوطن ملتبسة في الأذهان، شأن بدايات الدولة، إذ لم يتحرر مصطلح الوطن، إلا إثر قيام الدولة الوطنية، ولم تعرف الثقافة البشرية مصطلح وطن، منذ عهد الرومان، والامبراطوريات الكبرى، التي كانت تلتهم غيرها وتلغيه، فتغدو عظيمة، وكلما جاء لاحق (...)
في حلقة مثيرة بثتها ال بي بي سي ( 2019/5/12 ) عن حالة هيجان شعبوية في الجامعات الهندية ، سببها الاعتراض على تيار سياسي شبابي طرح حقوق الاختلاف الفكري وحقوق الأقليات ، ومن بينها فكرة منح كشمير حق الاستقلال عن الهند ، والسبب هنا منطقي وعقلاني بما أن (...)
صدر كتاب طه حسين (الشعر الجاهلي) عام 1927 وأثار ردود فعل مدوية توَّجها رد الأزهر الذي أفضى لمنع الكتاب ، ثم أصدر طه حسين كتابه الأدب الجاهلي ، وهو لا يختلف عن الأول من حيث العنوان فحسب بل يختلف جذريا في الرؤية وفي الحكم وطريقة التعامل مع النص (...)
تعوَّد الإنسان أن يركن إلى عقله كلما احتاج إلى حل معضلة ما ، ولكن ماذا عن العقل نفسه الذي ليس له مرجعية يعود إليها حين يحتار مع تساؤلات عويصة لا يتيسر جوابها ، ولو وثق العقل بنفسه فهذا سيقوده إلى الغرور العقلي ومن ثم الانغلاق على الذات دون مرجعية (...)
ظهر مصطلح العلموية (Scientism) ليشير إلى الصيغة السلبية في ممارسة العلم الطبيعي، والعلم الطبيعي ولاشك يقف بمنزلة عليا في الفتوحات المعرفية والبشرية مثله مثل الفلسفة حيث يحتلان قمة المعنى المعرفي والعلمي للبشرية، وإحداهما ذهنية تنشط بالعقل والتبصر أو (...)
أول حاسة تتحرك عند الطفل هي السمع ، وعبره يبدأ في معرفة العالم والتعرف عليه، ومن ثم تكوين وعي يأخذ بالنشوء شيئا فشيئا بينما تتأخر حاسة البصر وتبعها سائر الحواس ، ولو قسنا هذا التسلسل على حال الاستقبال عند الإنسان وخاصة ما يتعلق باستقبال الصور، حيث (...)
منذ ظهور الصحافة عربياً وسعودياً كذلك كانت على أيدي الأدباء وكانت صحافة مقالات وكأنما هي منشور أدبي، ومن مزاياها الأولى هي ترويضها للغة الكتابة وتقريبها اللغة الفصحى إلى درجات من الفهم اليومي والتخاطب الشفاهي، وحين ظهرت لم تكن صحافة إخبارية ولم تك (...)
حين نذهب إلى متحف فني تعمر اللوحات قاعاته فإن أول التزام ثقافي هو أن نلتزم الصمت التام ، وهذه من الأخلاقيات الثقافية وهي لازمة سلوكية لو خالفها أحدنا أفسد على كل من في القاعة ، وغالبا سيجد من يطلب منه التزام الصمت أو في الأقل ستتجه إليه الأنظار (...)
يميل البشر للقول بشقاء العاقل ويجدون في ذلك سلوى عن شقاواتهم، ومن ثم وصف غير الشقي بأنه جاهل، وهذا هو معنى بيت المتنبي المشهور، وعلامة قبوله الثقافي العام هو ترداده والتسليم بمعناه مما يعطي أفضلية طبقية للشقاء، وكأنه خاصية عليا بين عالم عاقل شقي (...)
لا يمكن تحقق الحرية واقعيًا بمعناها الفردي، فالواحد منا هو جزء من خلية صغرى وهذه الصغرى ترتبط مع خلايا أخر تشكل في النهاية مجتمعًا طبيعته التعدد والتنوع، وستكون الحرية هنا ضربًا من العلاقات العامة بما أننا مجبرون على التعايش مع بعضنا، ومعاشنا مرتبط (...)
تشيع عندنا صور أصبحت نمطية أو شبه نمطية تصف مشاهد الناس في أوروبا وهم يقرؤون الكتب في القطارات والباصات، ويحيلون ذلك لحب الأوربيين للقراءة، مع أنها ليست سوى حاجة إنسانية في كسر الصمت ومعالجة الوقت الضائع، فليس من طبع الغربيين تبادل الأحاديث العامة (...)
تشكل اسم محمد إقبال في الثقافة العربية تشكلاً رمزيًا عميق الرمزية، ويجتمع على اسمه الكل بصفته شاعرًا ملهمًا تتلخص صفاته بحديث الروح، هذه القصيدة الرمز التي اشتركت فيها قمم الرمزيات من الشاعر نفسه إلى صوت أم كلثوم وألحان السنباطي وعزف القصبجي، مع (...)
كل العلوم التي في رأس نيوتن لا تشرح ما حدث، وهو أن تفاحة سقطت من الشجرة، والفارق الحاسم هنا أن نيوتن لم يجعل ذلك حدثًا عاديًا وإنما قرر أن يشغل نفسه بالحدث ويعترف أولاً بعجز العلم، وهو عجز يقتضي الاشتغال لرتق هذه الثغرة العلمية.
وكما هي مقولة أبي (...)
في زمننا هذا لم يعد بيد المتخصص في حقل علمي إلا أن يكون جماهيريًا، ومن غير المتيسر اليوم أن يسلم المرء من الاحتكاك الثقافي العام، حتى الساسة والقادة الاقتصاديين والمفكرين وجدوا أنفسهم في تويتر وفيس بوك، وفي المجهر الإعلامي العريض بعامة، وهنا تقع (...)
كما يتلوث الهواء فإن البصر يتلوث ويتسمم أيضًا، وذلك عبر إدماننا للشاشات كبيرها وصغيرها، ومن أفدحها شاشة الواتس التي تضخ على عيوننا ما لا حصر له من مدد لحظوي بكل أنواع المواد مكتوبة ومصورة وسمعية، وكلها تتسلل لعقولنا دون استئذان ولا اختيار ولا (...)
تصور فيلسوفًا مفكرًا وباحثًا طليعيًا يظهر في قاعات الدرس الأكاديمي لابسًا بدلة نازية، وهذا أمر حدث مع مارتن هايدجر زمن عز النازية في ألمانيا، وهي الحادثة التي ظلت تشغل الباحثين بما أنها تكشف عن العلاقة المتلبسة بين الفكر الحر من جهة والسلوك المضاد (...)
كون الإنسان آلة بيولوجية هي فكرة تبناها ستيفن هوكينج، وتبعًا لها اعتمد التفسير الفيزيائي حصريًا للتعرف على الوجود مما يرهن كل شيء فينا لسبب بيولوجي، وهذا سيفسر الوجود المادي للإنسان إلا أنه يحصر البشر بمجرد كونهم أجسادًا، وهذا هو المدخل ضد هذه (...)
ما إن راسلني الأستاذ علي الرباعي للمشاركة في ستينية «عكاظ» حتى طارت بي الذاكرة إلى ردهات المعهد العلمي في عنيزة ولعام 1960 تحديداً حيث مكتبة المعهد تقع بين فصلين للسنة الأولى؛ فصل (أ) وفصل (ب)، وبين الفصلين غرفة صناعة الشاي ومكتبة المعهد، وكنت أمضي (...)
تعودت على مدى عقود أن أكتب عنه وأنا أعرف أنه سيقرأ ما أكتب، فكان قلمي يمضي على الورق وكأنه لساني يتحدث معه.
هو الرجل الذي ملأ حياتي حضورًا ومعنى وصداقة ووفاء، يفي معنا أكثر من وفائنا مع أنفسنا، يتواصل معنا حتى قبل أن نهم بالتواصل معه، يعرف هاتفي (...)
حين دخل الدكتور جاسر الحربش إلى تويتر تباشرنا بدخوله غير أن الفرحة لم تدم إذ أعلن تذمره من أجواء تويتر، وليس هذا بغريب على رجل عاش عمره كله بذائقة متفردة تميز علاقاته كلها، بدءا من علاقته مع تخصصه الرئيس طبيبا شهد له الكل بنطاسيته لكنه ضاق بالمؤسسة (...)
1 -
هل ستظل الجامعات التي نعرفها كما هي، أم ستتعرض لتغير نوعي يعيد صياغتها؟!
تتغير أنظمة التفكير، وتتغير معها أنظمة العمل. ففي العصر العباسي كانت مؤسسة المعرفة تأتي عبر ما سماه الجاحظ ب«المسجديين»، إذ قال طلبت العلم عند الرواة وعلماء اللغة والنحو (...)
العدد 600...!!!. سأجزم أن لم يفتني أي منها، وأنني سجلت بعض عصارات عقلي في بعضها. وأن توريقاتي ولدت في أحضانها. تمامًا كما أعي الدهشة التي تنتابني وأنا اكتشف هذا الهرم الورقي الذي أصبح هرمًا من ذاكرة وفكر وأسماء منيرة من كتاب وكاتبات شكلوا بسطورهم (...)
اختزن ذاكرتين عن أبي مدين، أولاهما ذاكرة الطفولة، وقد كنت تلميذاً في المتوسطة، وفي مكتبة المعهد العلمي بعنيزة كانت تعرض الصحف السعودية مع مجلات سعودية وعربية تأتي حسب مواقيت صدورها وإن كان وصولها لنا يتأخر بما إن البريد في ذلك الحين يأخذ وقتاً لكي (...)
وذنوب شعري كلها مغفورة
والله جل جلاله التواب
نزار قباني
1-1 حينما يقول نزار قباني بيتاً مثل هذا البيت، يعلن فيه ارتياحه النفسي وارتياح ضميره الثقافي من كل ذنب شعري اقترفه، فهذا يعني أولا انه مدرك وعارف بذنوبه الشعرية، ثم إنه ليس نادماً عليها بل سيظل (...)
-1-
إذا كنا قلنا في المقالة السابقة إن الخطاب النقدي العربي كان يحمل في طياته مقولات في الحرية والاختلاف والحوار والتفاهم مع الآخر، والرضى المبدئي بأن الكلمة هي أداة التعامل مع الآخر. ولم يحدث قط أن نشب صراع عنيف إما بالتكفير أو بالقتل داخل منظومات (...)