في حلقة مثيرة بثتها ال بي بي سي ( 2019/5/12 ) عن حالة هيجان شعبوية في الجامعات الهندية ، سببها الاعتراض على تيار سياسي شبابي طرح حقوق الاختلاف الفكري وحقوق الأقليات ، ومن بينها فكرة منح كشمير حق الاستقلال عن الهند ، والسبب هنا منطقي وعقلاني بما أن ذلك يحقن الدماء التي ظلت تسفك من طرفي النزاع وعلى مدى ستة عقود دون أي حسم غير الحسم العسكري الذي ظل يثبت فشله ولا يحقق سوى مزيد من الدماء والدمار الاقتصادي والتدمير الأخلاقي لكل قيم التعايش . غير أن هذه الدعوة فجرت مخازن الشرور كلها ، ونهضت فئات هندوسية متطرفة وصفت تلك الدعوات بأنها معادية للدين الهندوسي وأنها دعوات شيوعية وتغريبية ، وظهر التوتر والحس العنفي لدى هذه الجماعات ، واستقطبت الأصوات من المتوترين الذين صدقوا نظرية العداء للدين ، مما جعل أحد المعلقين يشير إلى معضلة الأمية الثقافية في الهند ، ويرى أن الجهل هو السبب وراء تصديق الجماهير الغفيرة لفكرة معاداة الهندوسية ، وأن الدين الهندوسي هو المستهدف ، ونتج عن هذا إحساس شباب الدعوة السلمية بأنهم في خطر يداهم حياتهم لمجرد أنهم طرحوا فكرة فيها حل سلمي لواحدة من أعقد مشاكل الهند السياسية منذ استقلالها في منتصف القرن الماضي . وتصاحب مع هذه الموجة أن ظهرت إحدى السياسيات الهندوسيات وهي تمجد قاتل غاندي وتصفه بالبطل القومي في لعبة انتهازية هدفها الاستقطاب وتجميع الأصوات وتهييج الشارع العام ضد المعارضين لها . وإن كانت حادثة اغتيال غاندي لما تزل واحدة من أبشع حالات العنف البشري، حيث تم اغتيال الرجل المسالم الذي كانت رسالته الوئام بين طبقات المجتمع ، وإنصاف المحرومين والشراكة المجتمعية في العيش والأمن ، وظلت حادثة الاغتيال من أشرس صور الشاشة السينمائية مذ سجلها الفيلم الشهير عن حياة غاندي ، لكن تلك المرأة المتطرفة لم تتورع عن تمجيد القاتل ، وهي تمجد العنف والتطرف تحت شعار سياسي تستقطب فيه الحقد الشعبوي وتجيشه ليكون قوة سياسية تحكم وتصنع القوانين وتتخذ قرارات الحرب وتجعل العنف لغة مطلوبة لكسب الأصوات . وإن كان غاندي قد ألهم المناضلين الشرفاء والسلميين في العالم فإن اليد التي اغتالته قبل ستين سنة مازالت تغتاله دون خجل ولا وازع إنساني.