لا يمكن تحقق الحرية واقعيًا بمعناها الفردي، فالواحد منا هو جزء من خلية صغرى وهذه الصغرى ترتبط مع خلايا أخر تشكل في النهاية مجتمعًا طبيعته التعدد والتنوع، وستكون الحرية هنا ضربًا من العلاقات العامة بما أننا مجبرون على التعايش مع بعضنا، ومعاشنا مرتبط ارتباطًا تشاركيًا، فالمريض مثلاً ضروري لمعاش الطبيب وسبب لوجود وظيفته، والحياة كلها هكذا في تشابك متصل وتتشابك معه العلاقات التي لن يضبطها إلا قانون يتحكم في حال هذه العلاقات فيقيد حرياتنا الفردية تمامًا كما تسير بسيارتك في الشوارع وتضطر للوقوف طوع إشارة حمراء توقفك قسرًا لكي يتمكن غيرك من المرور، وسيتوقفون هم من أجل مرورك في تتابع محكوم وتنسيق متفق عليه بحيث تتنازل فيه عن حريتك للحظات وتخضع نفسك بتسليم تام لكي تعيش في هذه البيئة التي أنت فيها فرد من مجموع ولست حرًا لكي تؤثر نفسك عليهم وتمتلك حق المرور رغمًا عنهم، ولذا قال لاكريه: لقد تنازلنا عن حريات كثيرة لكي نكون أحرارًا، ولهذا فالحرية هي مفهوم في العلاقات البشرية تعتمد قانون التعايش أساسًا لها، وهي فرع عنه ومن ثم هي مدلول مجازي يعني القبول بالتنازل والتسليم بحق غيرك كما يسلم هو بحقك فنتقاسم فضاءنا المشترك ولكن بعدالة في ضبط الميزان بين حق وحق، ومن هنا فالحرية ترتبط بالعدالة والمساواة كما ترتبط بالقانون، وهذا ما أفضل تسميته بالتفاوضية الثقافية، وقد فصلت أمره في كتابي الليبرالية الجديدة، الفصل الخامس.