تشكل اسم محمد إقبال في الثقافة العربية تشكلاً رمزيًا عميق الرمزية، ويجتمع على اسمه الكل بصفته شاعرًا ملهمًا تتلخص صفاته بحديث الروح، هذه القصيدة الرمز التي اشتركت فيها قمم الرمزيات من الشاعر نفسه إلى صوت أم كلثوم وألحان السنباطي وعزف القصبجي، مع جمهور ذواقة استمع وتفاعل وتشابكت عواطفه مع روحانية النص وتأثير الصوت والإيقاع، وكان هذا أشد حالات الاتحاد الروحي بين العرب وباكستان جمعته الذائقة مع الوجدان ومع المعنى الإنساني والديني والثقافي، وهذا يتصل بمقام باكستان معنويًا لدى الإنسان العربي، وارتباط هذه الكلمة بمحمد إقبال مبتكر الكلمة وصاحب فكرة الدولة المستقلة، وقد ولدت الدولة بعد وفاته بمثل ما ولدت القصيدة عربيًا بعد وفاته، وهما معًا ولادتان تجسدان حلم إقبال وبعد نظرته، إذ يتحقق إقبال من بعد مماته وكأن موته حياة لأنه كتب حديث الروح والروح لا تموت وإن مات الجسد. وكل مرة تبث فيها قصيدة حديث الروح تتحرك النفوس مع سمو الخيال وعمق الدلالات ومؤثرات المعاني لتشكل وجدانًا لا تفرق فيه بين العربية والأوردية ولا بين باكستانومكةالمكرمة، ملهمة الشاعر ومهبط الوحي الذي ترحل عبر الفضاءات ليلامس أجداد إقبال ويحولهم نحو القبلة الشريفة فتتعلق قلوبهم بمكة، وترد لهم مكة التحية عبر قلوب أهلها مع استقبال كلمات حديث الروح، وهنا تتناغم الأرواح في عبادة لخالقها وخالق جمال الأرواح وجمال اللغات وجمال الإيمان. هذه صيغة المعنى الروحاني الذي حلمت به روح إقبال وتحدثت به حتى أصبح يسمع كل ذي قلب حي يحركه المعنى الجميل والحلم المحلق، ويظل اسم محمد إقبال يرمز لكل حلم قابل للتحقق، وأحلام الأبطال في كثير من الأحيان تتعطل واقعيًا وتتفاعل رمزيًا، ولكن حلم إقبال أصبح استثناءً في تاريخ أحلام العظماء فتحقق وطنًا وتحقق نصوصًا تخلدها حناجر الإبداع وقلوب العاشقين لجمال الأرواح.