في شارعٍ ضيقٍ قيل لي إن مرادي لا بد وأنه موجود على أحد الأرفف، يتكىء وينحني على توائمه. كانت نسمات آخر النهار ترافقني وأنا أعيش التجوّل بين باقاتٍ من الورق وبالقرب مني جدول راكد من الحبر اللامع, شممت شيئاً من رائحة دخان السطور المكدّسة، وسمعتُ (...)
انقضت 100 يوم بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وقد يكون وصفها كذلك ضربًا من الوصف المخل، فهي وكما يبدو للجميع حرب روسية وأوروبية وأمريكية عدا كونها أوكرانية أيضًا، وقد أخذت تلك المعضلة لونًا وطعمًا يختلف عن سواها، فهي أول حرب نظامية واسعة النطاق (...)
فوق جبل تحيطه الدنيا بذراعيها، وتضع أحد خدّيها فوق رقعته طمعاً بالغياب، لم يؤرق عينيها سوى حفنة من أشجار اللوز والزيتون تحاول مشاكستها، وفي كل مرة تتصنع القوة وتدّعي البأس دون أن تبرح مكانها، بينما هي في قرارتها تُقبّل أقدام السحب المتناثرة، خوفاً (...)
من بيروت التي تملّكها الظنّ وأمسك بيدها الأمل، عندما ودّعت حربها الأهلية المقيتة لتصحو على انفجار مرفئها الرهيب، ومن لبنان الذي تحوّل من سويسرا الشرق إلى كومةٍ من المهاترات المتواترة، وتلّة من الإحباط وجبلٍ من الديون.
ذلك البلد الجميل الذي أصبح (...)
بخطاب نمطيّ يكتسي بالانفعال ويتلذذ بالارتجال، وبجمل وقراءات أكل عليها الدهر وشرب، وبإطلالة تنفث الشتم وتمضغ الوعيد، ليس فيها خير وليس فيها أي جديد، وبرؤية ضاقت وصغُرت حتى ضيّقت بلاد الأرز وصغّرت أحلامها وآمالها، وبعبثية تجاوزت الثلث المعطّل إلى (...)
عند الحديث عما جرى ويجري فوق الرقعة السورية قد تتضارب العناوين وتتعارك المسميات وتتشابك الرؤى فوق أرض السياسات وتحت سماء المقتضيات، فذلك الصراع المسلح الذي احتفل قهراً بسنينه العشر العجاف، قد كان سورياً وإقليمياً ودولياً، وكان حرباً وأزمةً وثورةً، (...)
لست أدري كيف سأخبر نفسي عن نفسي، فمن يضمن لي بأن رواية الحقيقة قد توقف قصة الألم، ومن سيقلب يقيني بأن حياتنا ليست سوى مجرد كلمات تترادف إلى حد الضجيج، نمضغها ونبتلعها ونشترّها بلا هوادة، نقرأها من ماضٍ بقيت كلماته تتشبث ببعض حجارته خوفًا من الرحيل، (...)
من يعشق التاريخ كثيرا، ويأنس المكوث بين صفحات ذاكرته، ربما لا يتلذذ بتناول بعض أطباق الحاضر، وشمّ رائحة المستقبل، فالماضي فاكهة سهلة المنال، حيث لا يحتاج إدراكه سوى النظر إليه جيدا، ومن زوايا متباعدة. ومن يسرد أفضال العرب الغابرة على حضارة الغرب (...)
عند النظر إلى السياسة من أجل إبصار السياسيين جيدًا في عالمنا هذا، ربما نحتاج إلى ضوء غير الأضواء المسلّطة عليهم، وعدسات أبسط لكنها أعمق من تلك الممتدة أمامهم، وقراءة مجرّدة لذواتهم تتجنب سماع جملهم المحبوكة وكلماتهم المصنّعة، فهم كغيرهم من البشر (...)
بعد عشر سنين ثقالٍ عجاف، اختلط فيها الغث بالسمين، واحترق الأخضر واليابس على مرأى من بعضهما، فتشابكت الأحلام مع الأوهام، وتصارعت الشخوص مع الأصنام، وتبدّل الأفرقاء فغدوا أعداء، واحتمى الأقرباء بالغرباء، تقف ليبيا عند مفترق الأمس واليوم والغد، ففي (...)
ربما أصبح الحاضر والماضي في لبنان جليسان في كفة واحدة، لا ندري أيهما أكثر إيلاماً، فالصراع يتبعه صراع والنزاع يسبقه نزاع، وحفر مسارب الغد يثقله نبش قبور البارحة، والأعمال والأقوال مجرد ردود أفعال، تتناطح في المقدار وتتصارع في الاتجاه، والقامات (...)
ليس مستهجناً أو ضرباً من الخيال أن تغرق «سويسرا الشرق» لبنان في ظلام حالك ربما عن بكرة أبيها، وليس من العجائب أن تتلون «زهرة الشرق» بيروت برداء أسود لا يليق بها، بيروت التي عشقها نزار قباني فسمّاها «ست الدنيا»، وبيروت التي لم يجرؤ الفينيقيون ولا (...)
بضعةُ أصواتٍ أكاد لا أفهمها، ورفرفةُ أجنحةٍ لعصفورٍ ربما حملته الصدفة قرب عالمي، ونافذةٌ تأذن لضوء الشمس أن يتساقط على وجهي فأشعر بدفئه دون أن أراه، ووهنٌ من سباتٍ أتجنبه بأن أخطو إلى سباتي الممتد، لا أفقه أي ومضاتٍ ولا التقط أي لحظاتٍ، أواسي عينيّ (...)
في لبنان لم يعد لدقات ناقوس الخطر بيان أو خبر، فلا التوازنات تطرح جديداً ولا التشاور يُسقط مطرا، ولا الأحلام تُبصر نوراً، ولا الأحزاب تنتج ثمرا، ولا الآمال والوعود تصلح حالاً، ولو لامست أناملها القمر، فالقرارات لا تنفّذ.. غاب من غاب وحضر من حضر، (...)
في عشق لبنان تفنّن الشعراء وتمرّدت القلوب، وعلى ذكرياته تزاحم الأمراء وتوالت الحروب، وقرب أحزانه تموضع الفرقاء ولم تختف الندوب، فاشتدّ وتعاظم البلاء وتقاطعت وتهالكت الدروب، في ذلك المكان الذي توّجته الطبيعة كقِبلةٍ أو قُبلةٍ للجمال، غدت جبال بعلبك (...)
ربما آن الأوان لساعة الصفر بتوقيت تونس هذه المرة، وذلك عندما لامست عقارب أحلام التونسيين الرقم ثمانين في دستورهم الذي ارتضوه ضامناً لحقوقهم.
فتونس المتأرجحة دستورياً بين أقطابها الثلاثة، والرابضة بشللٍ فوق فوهة جائحةٍ لم يكن بالإمكان لجم شراستها، (...)
لطالما ألهمنا الغموض، واستُدرج فضولُنا الفطريّ بحبال غريبة صوب تلك العوالم السرّية، تلك التي ربما حسبناها نوعًا من الأدب المنفلت أو سكرات من الخيال الأرعن، وكثيرًا ما دغدغت الأساطيرُ أحلامنا المحلّقة، وهي تتراقص في سباتنا وتتبدى في يقظتنا، فنلتمس (...)
لو كانت الأسئلة تُكال بعدد حروفها لكان هذا السؤال خفيفًا، ولو كانت الأسئلة تقاس بنتائجها لأصبح ذلك السؤال خطيرًا، ولو سألنا عن فلسطين المقهورة منذ عقود طويلة، لكان الجواب مفجعًا وماحقًا، ما دامت الأرض بقدسيتها والحق بشرعيته والزيتون بتجذّره يتلظّون (...)
ليس ببعيدٍ عن ذلك الجدل المتوارث، والذي يتبدّى كصراعٍ أزليّ، صراع لا يفارق ولا يرحم طائر العمر، وهو يحلّق فوق رقعة الجغرافيا وتحت مظلة التاريخ، طائرٌ جناحاه ضدّان متكاملان، أحدهما العاطفة التي تبدو حالمة وتلقائية، والتي كلما أشتدّ عودها زادت (...)
استمرأ المحللون للشأن اللبناني تلك العبارات التي تحتمل التأويل، واجتهدوا بمسك عصا التشاؤم من منتصفها الكئيب، فقالوا إن لبنان يسير نحو الانهيار، وأنه ما زال يتربّع على شفا الهاوية، لكنّ سُحُب الشلل الاقتصادي قد غدت تمطر وبغزارة، وأشباح الفقر والجوع (...)
من الجولة الأولى إلى الفرصة الأخيرة، مرورا بحسن النوايا أو بالعراقيل المتواترة، ومن القاهرة إلى كينشاسا، مرورا بالخرطوم وأديس أبابا وواشنطن، ومن ذكريات طاولات التفاوض ووعود عدم الإضرار بالآخرين إلى محاولة لجم ذلك النهر العظيم بفرض غُبن الأمر الواقع، (...)
ربما لا نضيف شيئاً جديداً عند الحديث والتفصيل بمنظومة انعكاسات ذلك الوباء المستجد، فالتداعيات الكارثية قد تعدّدت وتشعّبت وتلوّنت حتى غدت عميقة الأثر وبعيدة الأمد، إضافة لجملةٍ عريضةٍ من الضغوط النفسية والقهريّة المعنونة بالخوف والحزن، وتبقى مطرقة (...)
على رقعة فلسطين التاريخية أماكن سُوّيت وأخرى خُلقت وشُيّدت، وبذاكرة فلسطين الصامدة آلام وجراح وأحزان كُمّمت وأخرى أُحدثت ورُسّخت، وفي التاريخ الفلسطيني احتلال ونكبات تكرّرت وتوالت.
وعلى مفترقات القضية الفلسطينية رموز ورجالات رحلت وستائر أُسدلت، وعبر (...)
في عالم تشابكت وتقاطعت فيه وسائل وأدوات صناعة الإعلام بأنواعه المتعدّدة، وفي زمن تلوّنت وربما غرقت فيه مصداقية الإعلام تحت مسميات حرية الرأي التي طاولت سقوفها عنان السماء، وفي تيهٍ عميقٍ بين ما نسمع وما نرى وما نصدق، وبلغةٍ منمّقةٍ تجعلنا نحلم (...)
بينن أزقّة مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذلك المكان الحزين والمسمى بعاصمة الشتات الفلسطينيّ، وباستقبالٍ فصائليّ وشعبيّ حاشدٍ ومتحمسٍ لبقعة أمل في لوحة قضية، ووسط لافتات الترحيب المعنونة بما لذّ وطاب في حضرة ذلك الضيف الكبير، وأمام (...)