بينن أزقّة مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، ذلك المكان الحزين والمسمى بعاصمة الشتات الفلسطينيّ، وباستقبالٍ فصائليّ وشعبيّ حاشدٍ ومتحمسٍ لبقعة أمل في لوحة قضية، ووسط لافتات الترحيب المعنونة بما لذّ وطاب في حضرة ذلك الضيف الكبير، وأمام أصواتٍ حالمةٍ وهتافاتٍ سقفها السماء وأرضها ضيق العيش وبؤس الحياة، وعلى اكتافٍ تصلبت وهي تنتظر، وضاقت وكابدت ولم تنحسر، رُفع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية عليها، في زيارة هي الأولى والأرفع لمسؤول فلسطينيّ إلى ذلك المخيم، ومنذ سنواتٍ طويلةٍ وعجاف، عاش فيها اللاجئون ذلك الخليط المؤلم، من جراحِ فلسطين وصراعات لبنان وربما هموم الدنيا التي لم تفارق أنفاسهم المهتزّة. جلس الزعيم الحمساوي في حضرة وضيافة زعيم حزب الله اللبناني، كانوا مكممين في صورتهم ومجلسهم لكن خياراتهم معاً ربما كانت مكممة أكثر من ذلك، والتقوا مؤكدين معاً ثبات ما يسمى محور المقاومة وصلابته، ومرسّخين أسس الأخوة والمصير المشترك على حد وصفهم، ولكن هل يحتاج ويحتمل الواقع الفلسطيني تلك الزيارة بجديتها أو برمزيتها؟، فالتشرذم والتناحر السياسيّ الفلسطينيّ بين جناحيه الكبيرين قد غدا أمرا مزمنا وواقعا متعايشا معه، وصناع القرار الفلسطينيّ من كل طيف يمددون لشرعيتهم ويعينون أنفسهم بأنفسهم، وغزة المحررة كما يروها قد أصبحت تضيق بشباب أطفالها وكهولة شبابها، وتغرق كل يومٍ في آتون اللا حرب واللا سلم، إلا من إطلاق بعض الصواريخ العبثية في فعلٍ كثر وطال التشدق به، وفي نضال تبدّل وكفاح ربما ضلّ طريقه، وماذا سيجني السيد هنية بتلك الزيارة التي ربما وافقت إسرائيل على حصولها أو على الأغلب قد باركتها بأن أغمضت عينيها عنها؟. ألا يكفي لبنان صراعاته الطائفية والمذهبية والسياسية، وتقهقر حالته الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية، وهل سينفرج الغد الفلسطيني بالقفز في خندق إيران شبه المنبوذة عربيا؟، والارتماء والتلاحم مع ميليشيا حزبية لبنانية تأتمر من طهران وتتنفس من قُم وتُكيد في اليمن، وهل هناك كثير مما يجمع بين رؤية حماس وقناعات حزب الله غير ذلك الخطاب الرنان والصوت المزمجر؟، والتبشير - يا رب - بتحرير فلسطين قريبا، وبأن إسرائيل ستتلاشى من تلقاء نفسها!، وهل طريق العشق لحزب الله سيثري عدالة قضية فلسطين؟، بينما لم تُثمر سياسات حزب الله إلا مزيداً من الخراب والتعطيل والانسداد السياسي في لبنان، ناهيك عن التدخل الأرعن والمباشر في الأزمة السورية، واستخدام الردح السياسي والتضليل الإعلامي ضد من ساندوا ودعموا لبنان طوال عقود من الزمن فكان لهم الشتم والنكران جزاء، وهل متطلبات المرحلة تقتضي مخالطة ذلك الحزب شبه المحجور دولياً؟، والمحاصر أمنياً ومالياً وتنظيمياً، ثم ألم تدرك قيادة حماس حتى اللحظة أن قتل أو اختطاف جندي إسرائيلي من قبل حزب الله أو من قبلها ليس انتصارا؟، لأنه سيتبعه قتل عشرات وربما مئات الأبرياء، إضافة لتدمير البنى التحتية المتردية أصلاً، تتلوها مناشدة الأشقاء وما تبقى من الأصدقاء في كل مرة لإيقاف ردة الفعل الإسرائيلية، وطلب العون لإعادة بناء ما جادت به قريحة آلة الحرب الاسرائيلية الغاشمة. إن معاني المقاومة والممانعة من أرقى وأنبل معاني الشعوب، لكن حمل ألوية تلك المعاني يستلزم فهم الواقع الإقليميّ والدوليّ بمنتهى الدقة والتبصّر، ويحتاج مدّ أذرع التفاهم والتنسيق السياسيّ بين الأفرقاء في الضفة وقطاع غزة، لتطوير المشروع الفلسطيني الحقيقي والمشترك، بدل الولوج في محاور وخطوط لا تسمن القضية ولا تطعم فقراء الشتات، وتلك المعاني تتطلب الابتعاد عن المبالغة والانشغال في العتب السياسيّ، وتجديد الرؤى ضمن براغماتية تحقق أكثر وأهم المنشود في كل مرحلة. إن نسي السيد نصرالله أفضال اتفاق الطائف فهل نسي السيد هنية اتفاق مكة وما بعده!، وهل سيبقى المشروع الفلسطيني حبيس مغامرات ساسته، وما ذنب شعب يدفع فاتورة من يبعثرون طاقتهم ويخنقون أنفسهم؟!.