سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الحمد : أتقبل أن يقول لي أحد ما أنني والشيطان عملة واحدة في نطاق فلسفي
نشر في أنباؤكم يوم 21 - 03 - 2009


حوارات - الدين والحياة : حوار عبدالعزيز قاسم
رابع حلقات مكاشفاته قال الدكتور تركي الحمد الروائي والمحلل السياسي بأن القطيعة الكاملة مع التراث لا يمكن، حتى لو أردنا ذلك، وشن هجوما شديدا على العلمانية التركية واعتبرها أنها لا تمثل العلمانية، في ما اعتبر أن الشيخ صالح اللحيدان أخطأ كثيرا في فتواه بإهدار دم ملاك القنوات الفضائية، ورد على الذين شنعوا عليه حيال ما أورده في احدي رواياته أن الشيطان والله وجهان لعملة واحدة أنها تدخل في باب فلسفي ، والى تفاصيل الحوار:
* لنبدأ دكتور تركي هذه الحلقة بسؤالك عن الحداثة والتيار الإسلامي، هل يمكن أن يتصالحا أم أن العلاقة بينهما هي علاقة تضاد واستبعاد؟
- ليس بالضرورة.
* ولكن هناك من الحداثيين من يرون بأهمية وجود قطيعة كاملة مع التراث حتى نصل إلى النهضة؟
- القطيعة الكاملة لا يمكن، حتى لو أردنا، لأن التراث والثقافة تدخل في كل جزء من تكويننا. أنا أعتبر التجربة اليابانية جواب على هذا السؤال. الثقافة التقليدية هي عبارة عن مفاهيم ومصطلحات وبإمكاني أن أعيد حشوها وتعبئتها بمفاهيم حديثة. عندما نتحدث عن مفهوم الحرية، دائماً يقولون أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً). مفهوم الحرية عند عمر في ذلك الوقت كان هو مفهوم عبودية وحرية.
لكن السؤال هل نبقى على هذا المفهوم؟ بالقطع لا وهناك مفاهيم واسعة. من ناحية المبدأ نقول إن التاريخ أو التراث أو الدين اتخذ موقفاً إيجابياً من الحرية وهي اتسعت وأصبحت من مضامينها الحرية السياسية والفردية وغير ذلك.
هناك مفهوم من الدين يندرج تحت قوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) الضمير هنا محل اختلاف، فالبعض قال إنهم أهل الحل والعقد من زعماء القبائل وغيرهم. أهل الحل والعقد الآن هل هم الشعب؟ يمكن ذلك لأن الضمير عائد إلى المؤمنين وبالتالي يمكن إضفاء مضامين جديدة على مفاهيم قديمة.
* تقودني إجابتك هذه إلى سؤالك عن الفرق في المؤدى بين الانخلاع من التراث، وبين المحافظة على ألفاظه بعد إعادة شحنها بمعاني جديدة؟
- هو الفرق بين زمن وزمن..بين فكر مرحلة وفكر مرحلة أخرى..فرق بين أن تكون عائشاً في لحظة وتحن إلى لحظة أخرى..فرق بين أن تكون متجدداً وبين أن تكون متقوقعاً..فرق بين أن تكون حياً أو ميتاً..فرق بين أن تكون منافساً وبين أن تكون متقاعساً .
المواءمة بين التراث والحداثة
* أفهم من هذه الإجابة أنك تطالب بالمواءمة بين أصول شرعية موجودة لدينا في ديننا مع المستجدات العصرية والمفاهيم الحديثة وكل أدبيات المعاصرة الإنسانية؟
- كتبت مرة مقالة طويلة عن تجربة آدم عليه السلام في الجنة وأكله من الشجرة المحرمة. الله أدخل آدم الجنة وخلق له حواء وقال لهما افعلا ما شئتم ولا تقربا هذه الشجرة، فأغواهما الشيطان فأكلا منها. السؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكن الله تعالى قادراً على أن يمنع آدم من أن يأكل من الشجرة؟ الإجابة هي بلى. ألم يكن قادراً على عدم وضع الشجرة المحرمة؟ بالتأكيد كان قادراً ولكنه لم يفعل. الله تعالى لا يفعل شيئاً إلا بحكمة ولم يخلق الشجرة إلا لحكمة ولم يأكل منها آدم إلا لحكمة. ما هي هذه الحكمة؟ كأنه يقول لآدم: قد أعطيتك حرية الاختيار. إذا لم يأكل آدم من الشجرة لما طُرد من الجنة ولما جاء إلى الدنيا ولما عمرت الأرض. كان سيبقى هو وحواء في الجنة. لكن الحكمة كانت في هبوطه وحواء إلى الدنيا لتعمر الأرض. هذا جانب، الجانب الآخر.
كذلك عندما خلق الله آدم. الشيطان ناقش ربه عن السجود لآدم. ألم يكن بمقدور ربنا تعالى أن يقض على الشيطان؟ كل هذه حكمة، ولولا وجود الأسود لما كان الأبيض. هذه الحوادث تبين مفهوم الحرية وقيمة الفرد. أن نرفض ذك لأنه جاء من الإسلام، أو أن الإسلاميين يرفض مفاهيم مشابهة لأنها جاءت من ليبرالي فهذا غير صحيح.
* عفوا دكتور تركي، اسمح لي أن أقول أن هذا الكلام فيه اجتزاء، فالله –سبحانه- نص في كتابه على تشريع عقوبات على ممارسات شخصية، مثل مقارفة الزنا، والنبي صلى الله عليه وسلم جلد شارب الخمرة. فأين معاني الحرية في مثل هذه الأحكام التي لا تتضمن اعتداء على حريات الآخرين؟
- لم يجلد النبي عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، بل ضرب بالنعل، والحادثة التي تتحدث عنها معروفة، حتى أنه عندما مات ذلك الرجل، لعنه الصحابة، فقال لهم ما معناه لا تسبوه فإنه كان يحب الله ورسوله، أما حكم الجلد فقد أقره عمر بن الخطاب باستشارة من علي بن أبي طالب (اجتهاد)، كما أن الرجل كان مجاهراً بالمعصية.
* دعني أنهي هذا الجزء بسؤالك عن ما قاله أحد التغريبيين الأتراك: (عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين، حتى الالتهابات التي في رئتهم والنجاسات التي في أمعائهم) أين تركي الحمد من مثل هذه الآراء؟
- هذا تطرف وغلو. العلمانية التركية لا أعتبرها علمانية. العلمانية تفصل المؤسسة الدينية عن الدولة ولكنها لا تفرض السلوك على الناس. هؤلاء يفرضون السلوك على الناس وهذا تطرف مضاد.
الموقف من التيار الإسلامي
* سأنتقل للحديث عن خطابك، فالبعض يرى أن خطاباتك الحدية المضادة للتيار الإسلامي هي ناشئة من حدية الخطاب تجاهك من بعض المنتسبين لذلك التيار، إلى مدى يمكن القول بصحة ذلك؟
- لا أبرئ نفسي وأنا في الآخر إنسان له مشاعر. قد تكون هناك آثار لما كتبته، ولكني عموماً أحاول ألا أدخل مشاعري في ما أكتبه، خاصة عندما يكون الخطاب الذي بصدد كتابته هو خطاب فكري أو ثقافي. أطرح ما أقتنع به بدون لف أو دوران. بذلك يستطيع الآخر أن يتعامل مع ما أكتبه. أنا في الداخل هو ما أطرحه في الخارج. لست ممن يطرحون خلاف ما يبطنون. أنا أرفض هذا الأسلوب وأفضل أن أتعايش مع نفسي ومع الآخرين بسلام. أما من ناحية تأثري بما يكتب ضدي فلا أنكر، رغم أنني أحاول جاهداً تجنب ذلك.
* بعض المثقفين المتابعين للخطاب الفكري يقولون إن أحد أسباب شهرة تركي الحمد الواسعة والكبيرة هي مهاجمة الإسلاميين له، هل تتفق مع ذلك؟
- لا أتفق معه، من يهاجمون الإسلاميين كثر.
* شهدنا في مرحلة بعد 11سبتمبر موضة لمن يريد الشهرة السريعة بمهاجمة المناهج الدراسية وأدبيات وهيئات المؤسسة الدينية، ويكيل لها شيئا من النقد المتجاوز في الزوايا الصحفية.. غير أنك أنت دخلت معترك الشهرة كروائي وليس كمثقف، هل هذا صحيح؟
- إلى حدٍ ما نعم.
* هل يمكن تجلية السبب ؟
- السبب هو أن الرواية مقروءة أكثر. البحث أو المقالة لها قراء معينون. الرواية يقرأها الصغار والكبار والرجال والنساء، لذلك تنتشر. كذلك أنه في هذه الروايات هناك أشياء لم يسبق أن طرحت من قبل في الرواية السعودية.
الحديث عن الثالوث مثلاً محرم. جاءت هذه الأشياء في وقتها، ولو كتبت تلك الرواية الآن لما نالت تلك الشهرة. في الوقت الحالي أصبح الجنس في بعض الروايات لذاته وليس كجزء من الرواية.
* هذا اعتراف منك بضآلة الجمهور الذي يقرأ المقالات الجادة والرصينة؟
- ليس بالضبط. بالنسبة للأجيال الجديدة هناك قلة منها التي تقرأ، لكن عندما تكون هناك رواية بها متعة وجاذبية فسيقرأها الجميع.
* دكتور تركي، أنت من أوائل من خطا بكتابة الروايات في المجتمع السعودي. كيف تقرأ هذا الكم الهائل من الروايات السعودية والنسائية منها بالخصوص؟
- الحياة في السعودية بها غموض. لا تستطيع أن تعرف ماذا يخفي الآخر. هذا موجود بطبيعة الحال في كل المجتمعات لكنه عندنا بصورة كبيرة. النساء لدينا عبارة عن ألغاز. لا تراهن إلا بعباءاتهن في الشوارع. ماذا يكمن تحت هذه العباءة؟ كيف هي حياتها السرية وحياتها العادية؟ لا أحد يدري. هناك انفصال تام.
و أعتقد أن كل امرأة سعودية تكمن خلفها رواية نتيجة لازدواجية شخصيتها. الرجل السعودي أيضاً موضوع رواية كبيرة. ماذا يخفي وراء شخصيته الظاهرة؟ مجرد محاولة المواءمة بين الشخصيات فهذا في حد ذاته رواية.
كمّ الروايات
* هل ترى في هذا الكمّ من الروايات ظاهرة صحية؟
- نعم. عندما يذهب المريض النفسي إلى الطبيب يستطيع الأخير أن يستخرج منه الكثير. الظروف التي مررنا بها وحياتنا الاجتماعية وطريقة حياتنا السرية قد تجعل منا مرضى نفسيين بشكل أو بآخر.
عندما كنت أكتب رواية جرح الذاكرة زرت مستشفيات الأمراض النفسية ووجدت أعداد مهولة من المرضى وبالذات النساء، أعداد فوق ما تتصور...
* لكن دكتور تركي، إذا أخذنا بهذا المنطق فالمجتمعات كلها مريضة. فالمصحات النفسية في العالم كله اليوم تستقبل أعداداً أكبر مما لدينا؟
- ليس صحيحاً..تحدث إلى بعض أطبائنا النفسانيين وستجد العجب..كل أمراض النفس التي تحدث عنها فرويد وغيره لدينا وبامتياز.
* وما هي النتيجة التي خرجت بها عندما رأيت هذه الأعداد الكبيرة؟
- المعايير المختلفة للسلوك. المرأة لها ساعات معينة في كل مكان، باسم التقاليد والالتزام بالدين، مع أن الدين عندما تتعمق فيه تجد أنه يعطيها مجالاً أكبر للحركة. لا تستطيع المرأة أن تفعل الكثير، مع أن المواءمة مهمة لكنها صعبة، مثل أن تحاول مواءمة الموجب مع الموجب والسالب مع السالب. معاملة الأب والأخ للمرأة وخاصة في المنطقة الوسطى معروفة.
لأول مرة أعرف أن هناك أخ ينام مع أخته. في الصحف نجد أن هناك من يعتدي جنسياً على أمه، في المملكة. للمرة الأولى نسمع عن ولد يحرق والده بالبنزين. هذه أمور لم نكن نعرفها لأنها كانت معتمة. حتى خلال الأيام الأولى لانتشار المخدرات كان بعض المسؤولين ينفون وجودها حتى استشرت كما السرطان. طبيعة حياتنا والازدواجية التي بها والمعايير المتناقضة في سلوكنا.
* اسمح لي بالتوقف هنا.. أنت تقول الآن أن الدين يعطي المرأة مجالاً أكثر للحركة. فها أنت عدت لتجعل فهمك هو الدين، وأنت الذي تقول آنفاً: لا أحد يعلم إرادة الله؟
- أكيد..هذه وجهة نظر وليست فتوى يا عزيزي، وهذا هو الفرق بيني وبين غيري.
الرواية والكاسيت الإسلامي
* قام الشريط أو الكاسيت الإسلامي في الثمانينات بدور كبير في بلورة ثقافة المجتمع، هل يمكن القياس على أن الروايات يمكن لها أن تحل محل الكاسيت اتكاء إلى هذا الإقبال الجماهيري عليها؟
- يمكن ولكن ليس بمفعول الشريط في تلك الفترة. ما أرى أنه يمكن أن يكون بمفعول الشريط في الوقت الحالي هو الفضائيات. إنشاء قناة فضائية لا يكلف شيئاً ويمكنك أن تفعل بها الشيء الكثير.
* سبق في مكاشفاتك أن قلت في مسألة توظيف الجنس في الرواية أنك تصف الواقع، وجوبهت بردود أفعال كثيرة وذُكر أن ذلك إفساد للمجتمع وانحياز لواقعية التجريدية. أنت تقول بتجريد الأدب من القيم والمُثل والاتجاه نحو الواقعية. لماذا لا نرى لك إسهاماً في مكافحة بعض الفساد المستشري في طبقات المجتمع من أصغرها لأعلاها ؟
- من هي الطبقات العليا..هل تتوقع مني أن أنتقد الأسرة المالكة مثلاً؟
* ما الذي يمنع وخادم الحرمين رأس هذه الدولة هو من يقوم بمحاربة الفساد بكل أشكاله؟
- بإمكانك فعل شيء واحد وتكون نهايتك ولا تستطيع أن تكتب بعدها، وبإمكانك ألا تكتب كل شيء ولكن تستمر. الاستمرارية لا بد أن تكون نصب العين، حتى تستطيع أن تكتب وتغير ولو كان شيئاً بسيطاً فذلك شيء مهم.
لا أصور نفسي كمناضل. هناك كثيرون يبحثون عن السجن بأي طريقة حتى يصبحوا مناضلين. يمكن أن يخرج الواحد إلى الشارع ويسب الملك وفوراً يُدخل إلى السجن...
أنا لا أصنف نفسي كمناضل لكني شخص أريد تغيير مجتمعي إلى الأفضل، لا أكثر ولا أقل. إذا كان الشخص يريد ذلك عليه أن يعرف الاستراتيجيات المناسبة والتفكير المناسبة. ليس من المناسب أن أتحدث عن فلان أو غيره من الأسرة المالكة وأقول إنه فاسد لأن كلامي عنه لن يغير فساده. لكن يمكنني أن أنادي بمساواة الجميع أمام القانون والقانون يمنع الفساد.
* وبإمكانك أيضاً دكتور تركي عرض مشكلات المجتمع وتصويرها في الرواية بطريقة لبقة و مهذبة وصادقة. فلماذا تكون متعقلاً ومحتاطاً في نقد السلطة، وحين يتعلق الأمر بالأخلاق تلغي جميع الخطوط الحمراء، وتدخل في شرح تفاصيل الممارسات المنحرفة.
- يبدو أنك لم تقرأ شرق الوادي وجروح الذاكرة، ومن هنا يبدأ التغيير.
* بل قرأتها جيدا، ولكن حديثك هنا ولكأنك توميء إلى أنك تستطيع أن تصل إلى الإنكار بوسائل أخرى؟
- نعم.
الرواية والمقدس
* قلت في إحدى رواياتك أن (الله والشيطان وجهان لعملة واحدة) وقامت عليك قيامة المحافظين، بل ذهب البعض وأفتى بردتك بسبب هذا القول. أنت احتججت بأنك قلت هذه العبارة على لسان إحدى شخصيات روايتك. لكن هناك من يرد عليك في ذلك..فهل تقبل إذا قام شخص ما بسب أعز الناس إليك سواء كان والدك أو زوجتك ووظف ذلك في رواية ما ؟
- هذا موقف فلسفي بشكل أو بآخر. الجملة قيلت على لسان إحدى شخصيات الرواية، لكنها رؤية فلسفية. لو لم يكن هناك إلا نهار فقط هل يمكن أن تقول إننا في وقت النهار؟ حتى تعرف النهار لا بد أن تعرف الليل، واليوم كتلة واحدة ولكنه ليل ونهار، أبيض وأسود.
لماذا جعل الله سبحانه وتعالى من الشيطان شبه مضاد له؟ كان بإمكان الله عز وجل أن يقضي على الشيطان ولا يكون هناك إلا الخير. الله عز وجل ترك هذا الشيطان ليقوم بمهمة معينة هي إغواء البشر حتى يكون الناس هم الذين اختاروا بدون أن يفرض عليهم شيء.
هناك جانب أسود هو جانب الشيطان وجانب أبيض هو جانب الله سبحانه وتعالى. منذ بداية الكون وإلى الآن هناك قطبان – رغم أن أحدهما مخلوق – ويريد أحدهما أن يضل الناس والقطب الآخر يغفر لهم. هذه هي النقطة الفلسفية التي لم يدركها من هاجموني ولم يروا فيها سوى أنها كفر وشتيمة بينما هي تمجيد لله.
هناك حديث قدسي يقول (خلقت الخلق كي أُعرف بهم). مشكلتنا أننا نقرأ الآيات والأحاديث بدون أن نفكر فيها. الله تعالى خلق الإنسان والشيطان وبقية المخلوقات كي يعرف بها، وإلا لكان كل شيء خواء، وعلى فكرة الشيطان ليس ملحداً، فهو يقدس الله (وعزتك وجلالك لأغوينهم أجمعين)، وهذه مسألة فلسفية أخرى، وخاصة إذا علمنا أن الصوفي الكبير الحلاج يرى أنه سيدخل الجنة في النهاية، لأنه منفذ لإرادة الله، وناقل الكفر، كما يقولون، ليس بكافر.
* لا أخفيك دكتور تركي بأنني أجد صعوبة في قبول تلك الكلمة على أنها (تمجيد لله). ومهما قلت في تفسير عمقها الفلسفي، فأنا شخصيا لا أقبل أن يقول أحد لي مثل تلك العبارة، مهما كان المعنى الذي يقصده، و أظن الكثيرين يوافقونني على ذلك. لكن ماذا عنك أنت، فهل ستشعر بالتمجيد والفخر, لو قال لك أحد : إنك والشيطان وجهان لعملة واحدة؟!، ثم ذكر أن لكلامه بعداً فلسفياً جميلاً.
- حين يكون المعنى الفلسفي الذي وصفت هو الأساس، فلما لا..أعد التفكير، ففي إعادة التفكير تكمن المعاني..
نظرية ليبرالية
* قرأت لك إجابة في إحدى حواراتك الأخيرة، وذكرت أنك تستطيع إيجاد نظرية ليبرالية متكاملة من آية (لا إكراه في الدين)، هل توضح لنا قصدك؟
- هناك مثل ياباني أكرره دائماً (إذا لم يجد اللص للسرقة فلا نحسبه شريفاً). لا إكراه في الدين لأن الدين بطبعه لا يوجد فيه إكراه. إيجاد هذا الإكراه يخلق ظاهرة النفاق. حتماً سيكون هناك منافقون. لا بد أن البعض لن يؤمنوا ولكنهم لا يستطيعون إعلان ذلك بسبب الخوف.
لكن عندما نقول (لا إكراه في الدين) بشرط عدم تعدي حدود الآخرين لأنها قيد على الإنسان. بالتالي عندما أرى من يصلي ويصوم بمحض اختياره وليس مكرهاً فهذا مؤمن حقيقي. بذلك نقضي على النفاق. عندما كنت في أمريكا كنا والله نذهب إلى مسجد يبعد عنا 30 كيلو متر وكنا نصلي بطمأنينة. هناك حيث لا أحد يكرهك. هنا نصلي ولكن الإنسان يشعر أنه مكره...
* عفوا دكتور تركي فحتى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وجد المنافقون. وعوداً على استدلالك فهناك من يقول إن هذا تجزئة للنص بدون إكمال بقية الآية؟
- معنى الآية أن هذا هو الرشد وهذا هو الغي فمن يكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقى. الله تعالى أعطاك الخيار ولم يقل إذا لم تؤمن سيفعل بك كذا وكذا مما أخرجه الفقهاء لاحقاً تحت مسمى حكم الردة. الله أوضح الطيب والخبيث وعلى الإنسان أن يختار.
* ها أنت ثانية تدخل في تحديد إرادة الله، التي كنت تقول إن أحداً لا يمكن أن يعلمها؟ عموما حد الردة ليس كلام فقهاء، بل هو نص حديث نبوي صريح، وليس لك أن تدعي أن الحديث أو كلام الفقهاء يخالف القرآن، لكن سبق أن ذكرتَ ألا أحد يستطيع معرفة مراد الله.
- وهناك فقهاء قالوا بقولي هذا، أو أنني أقول بقولهم، وهو أن عقوبة الردة في اليوم الأخر، أما في الدنيا فقد تبين الرشد من الغي، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، هذا كلام رب العالمين لا لبس فيه، أما الحديث الشريف فله ظروفه التي قد تجعله مختصاً بحادثة معينة، والدليل على ذلك أن الرسول الكريم لم يقتل أحداً لأنه ارتد، ولكنه قتل حين ترافق مع الردة القتل والسرقة، فكان تنفيذ حد الحرابة، أما حد الردة فهو مفهوم سياسي في المقام الأول، أُلبس لباساً دينياً، كسلاح استخدم ضد المعارضين السياسيين أساساً في التاريخ الإسلامي.
* ولكن يمكن أن يأتي من يستنبط على طريقتك ويحتج على عقيدة التثليث ويقيس على قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وإنا تعني هنا بزعمه الجمع ، فيمكن سحبها على عقيدة التثليث. واليهود يمكن أن يستدلوا على حقهم في فلسطين بقوله تعالى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) والحلولية يستدلون بقوله (وهو معكم أينما كنتم)؟
- وما المانع في أن يتعايش الجميع بسلام وكل له دينه؟ ثم أن الآيات التي ذكرت تتدحدث عن تاريخهم وليس عن وضعهم بعد الإسلام. أنت هنا تريد أن تفرض فهمك، ولكن فهمك ليس هو الفهم الوحيد.
* عفوا دكتور، ولكن السؤال ليس عن التعايش. ولكن في تحميل القرآن مثل هذه المعاني الباطلة؟
- ولماذا حكمت عليها بالباطلة من البداية؟ أين ذهب حوار الأدبان والتعايش السلمي بين الشعوب؟ لك أن تؤمن بما ترى أنه الحق، ولك أن ترى أن ما يخالف فهمك باطل، ولك أن تناقش في ذلك، ولكن ليس لك الحق في أن تفرض فهمك على الآخرين.
* لا ألزمك بفهمي يا دكتور، عموما أنت تقول ذلك ولك هذا التراث الضخم من القراءات الطويلة؟
- أنا أتحدث عن التعايش، بريطانيا أو أمريكا أو غيرهما وهي دول علمانية هل منع أحد بها المسلمين من الصلاة أو بناء مسجد؟ في قضية توزيع التركة لنا في الإسلام قانون معين وهم ليسوا كذلك وبإمكاني أن أكتب وصية أقسم فيها أموالي قبل وفاتي بالطريقة الإسلامية. بالتالي نستطيع العيش المشترك بسلام. هناك معابد يهودية وكنائس مسيحية ومساجد إسلامية وكل يعيش وهو محمي بالقانون.
* أنت تريد قانوناً مدنياً وخصومك يحتجون ويقولون أن لدينا الشريعة الإسلامية وقانونها. وتطبيقها واجب علينا، هل توافق على ذلك؟
- ليس لدينا مانع، بشرط عدم السماح للقضاء بالتلاعب. كمثال على ذلك فهل من الدين أن يحكم في قضية ما بالسجن ثلاث سنوات في جدة وفي الدمام يحكم في نفس القضية بالسجن خمس سنوات؟ تحدثنا عن الديمقراطية ونحن في مجتمع مسلم. البرلمان سينتخب أفراداً يصنعون القانون.
هل يستطيع هؤلاء أن يضعوا قانوناً مضاداً لثقافة المجتمع؟ بالتأكيد لا يستطيعون ذلك. كل ما أقوله أنه في ظل حقوق الإنسان ينبغي أن توجد لدينا قوانين منصوصة. لا جريمة إلا بنص. هذا متفق عليه.
* عفوا دكتور تركي، لم تنتبه إلى أنك قلت بأنك ترفض الانتخابات الآن. فكيف سينتخب الناس من يسن القوانين؟
- أنت غريب جداً، تحاول دائماً لي أعناق الحقيقة، قلت وأقول وسأقول أنه إذا كانت الانتخابات غير مترافقة مع حريات عامة وحقوق لكافة المواطنين، فإنه لا معنى للانتخابات، أما إذا توفرت الحقوق والحريات، فالانتخابات تصبح الوسيلة الأصلح لاختيار من يمثلون المجتمع.
اللحيدان وملاك الفضائيات
* في تعليقك على فتوى الشيخ صالح اللحيدان عندما أفتى بجواز قتل مُلاك القنوات الفضائية فيما إذا نوصحوا ولم يعودوا، ورأى أن تطبق عليهم آية الحرابة لأن ما يفعلونه هو نوع من الإفساد في الأرض. قلت إن ما قاله اللحيدان هو ردة فعل نفسية. هذا التعبير حاضر في رواياتك وإجاباتك، وطلبت محاكمته، أليس ذلك نوع من الاستعداء الذي طالما اشتكيتم ورميتم خصومكم بأنهم يستخدمونه ضدكم؟
- اللحيدان أثار جدلاً في قضايا كثيرة. أخطر شيء هو القضاء لذلك جاء في الأثر أن قاضيان في النار وقاض في الجنة. لأن القضاء مسألة دقيقة. القاضي يحكم في الدماء والأموال والأعراض. لذلك يجب أن يكون دقيقاً ويتحرى. ما يجري في نظامنا القضائي فيه مهزلة كبيرة للأسف الشديد. الدماء ليست بتلك القدسية.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هدم الكعبة حجر على حجر لا يساوي إراقة الدم). الدم مقدس. اللحيدان على رأس القضاء، وهناك دماء راحت وأموال ضاعت، فهذا أقل ما أقوله.
بخصوص فتوى الفضائيات فهناك ألف طريقة وطريقة لإصحاح الوضع. بإمكاننا النصح وزيادة الوعي ونقد ما يحدث. أما أن نلجأ للقتل فهذا فتح لباب كبير. إذا فتحنا هذا الباب فما هي القنوات الفاسدة فقد يأتينا متشدد يجعل كل القنوات فاسدة ما عدا قناة المجد مثلاً. بالتالي حق القتل على الجميع.
* سمعت كلامك وأتفهم قدسية الدم الذي تقول به، ولكن الرجل استدل ببند قانوني وآية قرآنية تطبق لدينا في نظامنا القضائي حين يقتل مهربو المخدرات تعزيرا بسبب الإفساد..فلماذا صمتم هنا وتكلمتم هناك ؟
- هل تقارن الفضائيات بالمخدرات؟ المخدرات ضررها واضح...
* لربما يرد عليكم أحدهم بأن الفضائيات أيضاً ضررها في العقول..وضرر الفكر أشد من ضرر الجسد.
- ولكن أي الفضائيات هي الفاسدة؟ الحشيش هو الحشيش. لا يوجد فرق. لكن الفضائيات تختلف وهنا يمكن أن تدخل الاشتباهات. صالح كامل مثلاً قد يكون من المفسدين في نظر البعض ويقتل بناء على فتوى. اللحيدان يريد فتح الباب. آية الحرابة موجودة وصحيحة وتعني المفسدين في الأرض، فهل هذا من الإفساد في الأرض؟
* دعنا نناقش هذا الأمر بموضوعية فحين يختلف تركي الحمد و الشيخ اللحيدان (المتخصص) في تفسير آية الحرابة. فما الحل في رأي الدكتور تركي الذي يرفض وجود مؤسسة دينية تفسر أحكام الشريعة؟
- لو أتيت بمثال آخر لناقشتك، أما وقد أوردت هذا المثل، فلا أقول كان الله في العون.
* (ضاحكا) لا بأس ، ولكنك ذكرت في ذات الحديث محتجاً بأن الفضائيات هي التي أعطت لمثل الشيخ اللحيدان الفرصة للظهور، وأفردت له أوقات الذروة لظهور هؤلاء المشايخ. يا رجل أية أوقات ذروة وهي بعد الظهر والمغرب وهي فترات ميتة ؟
- القضية في الفتوى التي صدرت عنهم، نحن نعيش في عالم فضائي وأي شيء يتناوله الإعلام، ويبدو أنك لا تشاهد إلا فضائية واحدة أو اثنتين من الفضائيات العامة، وتغفل عن كل تلك القنوات الفضائية الدينية، التي لا شك أنك من المتابعين لها.
* طالبت بحجب اللحيدان وقد رحل الرجل، ولكن السؤال: أليس هذا من باب كتم الحريات وتكميم الأافواه التي أقمتم الدنيا زعيقا عليها؟
- هذه ليست حرية. من يهدر دماء الناس ليس حراً في ذلك. قبل قليل تحدثنا عن الحرية - وأوضحنا أنها تعني الانتقاد وليس الشتيمة.
* الشيخ اللحيدان كان واضحاً في كلامه، فهو يطالب بعقوبة قضائية. فما قاله يتفق تماماً مع قواعد حرية التعبير؟ فلا يوجد نظام في العالم يمنع أحداً من المطالبة بسن عقوبات قضائية مهما كانت متشددة.
- فرق بين حرية التعبير والتحريض على القتل، فمثل هذه الفتوى لو تلقفها أحدهم ممن تعرف وأعرف، وجسدها سلوكاً، فالطامة كبيرة. كما أن هؤلاء لا يطرحون رأياً قابلاً للأخذ والرد، ولكنهم يطرحون فتاوى، وفرق بين الفتوى والرأي.
قاعدة التخصص
* لكم آراء في قضايا ومسائل شرعية فهل أنتم ممن لا يؤمنون بقاعدة التخصص؟
- أؤمن بها، ولكن بالنسبة للدين لا يمكن فصلنا عنه لأنه يدخل في كل شيء. عندما أتحدث عن أمر يكون أمراً عاماً وليس من باب الفتوى. لم أتحدث في أقسام الزكاة وغيرها مما يستوجب التخصص. الرجل أفتى بقتل ناس وهذه قضية رأي عام.
* ولكن يا دكتور تركي،بناء على هذا المنطق، فالزكاة أيضاً قضية رأي عام، لأنها تتعلق بأموال الناس.
- بصراحة، أنت تلف وتدور، ولا تحاول أن تفهم ما أقول. الزكاة ركن من أركان الإسلام، أي أنها غير خاضعة للفهم وسوء الفهم، أما تفاصيلها فتحتاج إلى مختص مثل مختصي الضريبة في الدول الأخرى، ولكنها، تصبح قضية رأي عام حين تؤخذ من البعض مثلاً ولا تؤخذ من بعض آخر، هنا لا تحتاج المسألة إلى مختص كي يبت فيها، بل تتحول إلى قضية تهم الجميع.
* هنا وظيفتي دكتور تركي وأرجو ألا تتضايق في أن أنتزع منك أكبر قدر من الإجابات، وعليه أقول إنها ليست المرة الأولى التي تقتحم فيها دكتور تركي ميدان الفقه، فأنت كثيراً ما تدخل في تفسير النصوص والاستنباط منها. وفي هذه المكاشفات فعلت هذا كثيراً. فأين التخصص الذي تؤمن به ؟
- أنا لا أفسر يا أخي، ولكني أعرض فهمي، أي كرأي وليس كتفسير متخصص، عندما أرى أن الهوى أو الظرف أو ضعف الثقافة قد أدى إلى تفسير لا يقبله العقل، وعلى فكرة فإن المنهج العقلي في التفسير هو أحد المناهج المتبعة في العالم الإسلامي، ثم بالله عليك كيف تريدني أن أقبل تفسيراً قديماً مثلاً، والبعض يقول به حتى اليوم، يقول باستواء الأرض " والأرض دحاها "، فيما أن كروية الأرض أصبحت من بديهيات العلم؟ لا شك أن الخلل هنا في المفسر والتفسير وليس في القرآن، وإلا فعليك الأخذ بهذه التفاسير التي تناقض العلم، والموجودة في كتب تفسير تراثية تُعد من أمهات الكتب.
* لو وضع الدكتور تركي لنفسه حدوداً، فهل هي ملزمة لغيره أم أن من حق كل أحد أن يفهم حدود ما يجب أن يتوقف عنده؟
- ملزم لي وليس ملزماً لغيري.
* فلماذا كان اجتهادك في فهم آية الحرابة ملزما للشيخ اللحيدان، حتى تطالب بمعاقبته؟ فإن كنت تراه متعدياً، فهو لا يرى نفسه كذلك؟
- لم أره كذلك لاجتهاده، ولكن لم يترتب على فتواه من دعوة لسفك الدم، وهذا أمر شديد الخطورة.
* إذًا أعطيت نفسك حق الاجتهاد بدون حدود؟
- لست مجتهداً، بل صاحب رأي.
* إذا اجتهد مجتهد ورأى في كتابات تركي الحمد كفراً وخروجاً عن الدين فهل يحق له الإعلان عن ما أداه إليه اجتهاده بمثل ما قلت عن الشيخ اللحيدان فيحكم على الدكتور بدون أن يتجاوز الحدود؟
* عندما تحدثت عن اللحيدان فهذا رأي شخصي وغير ملزم للآخرين. عندما يجتهد المجتهد يخرج بقاعدة شرعية ولا يطرحها على أنها رأي.
* ليكن عبد العزيز قاسم كمثقف؟
- المثقف لا يجتهد بل يطرح رأيه. الاجتهاد يطرح قاعدة شرعية وهي تحتاج إلى شرعيين. بالإضافة إلى ذلك لا يكون الاجتهاد في ما إذا كان فلان كافراً أم لا، بل يكون في ما ينفع الناس كالقوانين والقواعد الشرعية. حتى من ناحية الكفر فأنت لا تحدد شخصاً بعينه، لأن الذي يحدد الكفر هو محكمة معترف بها، ولا تكون محكمة متحيزة. القضاء لدينا متحيز في كثير من جوانبه، والحمد لله على إصلاحات خادم الحرمين الأخيرة، التي ستعيد إلى القضاء حياديته ونزاهته إن شاء الله.
* من الذي قال إن الذي يحدد الكفر هو المحكمة؟ ما مستندك دكتور تركي في هذا؟
- إن لم يكن كذلك، فهي الفوضى، وتكفير البعض بعضهم البعض، ومن ثم إهدار الدم، وبالتالي تحطيم المجتمع، فهل هذا هو ما تريد؟
* وقانا الله شرّ الفوضى، ولكن لولي الأمر تحديد ذلك، وعموما إذا كان الاجتهاد ينتهي إلى أن فلاناً متشدد، أو إرهابي، أو متطرف، أو أصولي، فلماذا لا ينتهي إلى أن فلاناً كافر، وبخاصة إذا كان القائل يستند على فهمه للنص الشرعي الذي يقول الدكتور ألا تحجير على أحد في فهمه وتفسيره؟
- أن تكون متشدداً لا يعني أن تكون إرهابياً، فالإرهاب فعل وسلوك.لك أن تكون متشدداً، هذه قناعتك، ولكن ليس لك أن تفرضها على الأخرين، وحين يتحول التشدد من الفكر إلى الفعل، أي القمع والقتل مثلاً، فذاك يعني أنه خرج من دائرة الرأي والسلوك المختار، إلى دائرة الجريمة، وهذه مسألة أخرى، وعندما يصم أحدهم بالكفر فإنه يُهدر دمه تلقائياً، وبالتالي فهذا ليس من الرأي ولكن من التحريض، والتحريض ليس رأياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.