الشروق - القاهرة كان عنوان صحيفة الصباح «وبدأت المعارك على أرض الرئاسة»، وتحت العنوان كلام عن حملة المشير السيسى واللجنة الاستشارية العليا التى ستتولاها والمهام التى سيقوم بها كل واحد من أعضائها الخبراء كل فى اختصاصه. فى موضع آخر من الصفحة الأولى تقرير آخر عن ترتيبات حملة المرشح «المنافس» حمدين صباحى، التى ستنزل إلى الشارع بسلاسل بشرية من أسوان جنوبا إلى الإسكندرية شمالا، وكيف أن الحملة ترفع شعارات ثورتى يناير ويونيو، وأن المشاركين فى تلك السلاسل البشرية سيرددون «قسم الثورة» وسيرفعون صور الشهداء. إضافة إلى مطالبة التليفزيون المصرى بإذاعة بيان للأخ صباحى يعلن فيه ترشحه للرئاسة أسوة بالمشير السيسى. على أن يبث فى نفس التوقيت مستغرقا نفس المدة، وعبر مختلف القنوات التى نقلت بيان المرشح المنافس. وإلى جانب ذلك دأبت الصحف طوال الأسبوع الماضى على الأقل على الحديث عن مضايقات يتعرض لها أنصار حمدين الراغبين فى تسجيل توكيلاتهم له فى مكاتب الشهر العقارى، واشتباكات بين أنصار المرشحين فى بورسعيد والإسكندرية ومصر الجديدة. ذكرنى مشهد «المعركة» بتجربة مررت بها حين زرت بنجلاديش فى عام 1981 أثناء عملى بمجلة «العربى» الكويتية. إذ تصادف آنذاك أن العاصمة «دكا» كانت تحتفى بزائر آخر أهم هو محمد على كلاى بطل الملاكمة الشهير بعد آخر مباراة له. وفى إطار ذلك الاحتفاء نظموا مباراة استعراضية له شهدتها فى استاد العاصمة، كان «خصمه» فيها شاب فى مقتبل العمر من هواة الملاكمة. دخل الاثنان إلى الحلبة وقد تهيأ كل منهما للمعركة، التى بدا فيها «كلاى» عملاقا أمام الشاب اليافع الذى لم يضيع وقتا. حيث ظل يتقافز على الحلبة من باب التسخين. ثم ما أن أطلق الحكم إشارة البدء حتى تقدم صاحبنا صوب كلاى وأمطره بلكمات استقبلها وهو يترنح ضاحكا دون أن يرد عليها، موحيا للجمهور بأنه يوشك ان يسقط جراء قوة الضربات. وبعدما أفرغ الشاب طاقته فى توجيه اللكمات، تقدم منه كلاى بهدوء وحمله على كتفه ثم ضربه على مؤخرته وهو يضحك، وانزله على الأرض وسط تهليل الجمهور وتصفيقه. أزعم أننا بإزاء مشهد مماثل، حيث يعرف الجميع من هو كلاى المفترض فى مباراتنا ومن هو «منافسه»، كما ان النتيجة محسومة سلفا، وربما اختلفت التفاصيل فى الختام. لكن الفارق الأساسى تمثل فقط فيما بعد المباراة، لأن محمد على كلاى كان قد أعلن اعتزاله وقتذاك، فى حين ان الأمر على النقيض تماما فى حالتنا، باعتبار أننا بصدد مرحلة انطلاق وليس اعتزال. إن شئت الدقة فقل إننا فى الانتخابات الرئاسية نحاول أن نقدم «شو» سياسيا لا يختلف فى شىء فى الاستعراض الذى شهدته فى استاد دكا. بالتالى فكل حديث يدور الآن حول معركة أو تنافس على التوكيلات وتجاذب بين الأنصار. والكشوفات الطبية والحملات الإعلامية والبرامج التى تعد ثم تعدل، ذلك كله من قبيل إخراج الاستعراض وتهيئة الاستاد السياسى لإشاعة البهجة بين الناس، وإقناعهم بأننا أجرينا انتخابات رئاسية كاملة الأوصاف، شبيهة بأى انتخابات أخرى تجرى فى «أجدع» ديمقراطية فى العالم. سمها ديمقراطية افتراضية لها نفس ملامح وشكل الديمقراطية الحقيقية، لكنها تختلف عنها فى الجوهر والوظيفة. وذلك خيط إذا تتبعناه فسنجد أنه يتكرر فى مجالات أخرى كثيرة. فقد حشدنا أعدادا هائلة من البشر فى ميدان التحرير يوم 30 يونيو وافتراضنا أنها شعب مصر وشبهناها بالثورة، ومازلنا نقول إنها ثورة. وحين رأت الإدارة الأمريكية فيها رأيا آخر افترضنا أنها مؤامرة وتخيلنا أن مصر بصدد مناطحة الدولة العظمى وأجهزة المخابرات فى أنحاء العالم. ثم استدعينا تجربة عبدالناصر فى الستينيات وتوهمنا أن الرجل بعث من جديد. كما توهمنا ان الاتحاد السوفييتى لايزال قائما، وحين مدت مصر جسورها مع موسكو من خلال زيارة استمرت عدة ساعات، فقد افترضنا أنها وجهت صفعة إلى واشنطن وان الرئيس أوباما سوف يطلق الرصاص على رأسه بسبب الإهانة التى تلقاها! لا تحصى النماذج التى ترد فى هذا السياق. فقد تحدثنا عن «قوى سياسية»، لكننا لم نجد بينها من يملأ العين ويمكن أن ينافس على الرئاسة. وتحدثنا عن حوار مجتمعى حول الدستور ثم تخيلنا أن برامج التليفزيون قامت باللازم. وقيل إن القضاء سيحمى دولة القانون، واكتشفنا فى حالات عدة أحدثها قرار إعدام 529 مواطنا أنه يشتغل بالسياسة وليس بالقانون. وقيل لنا إننا بصدد نظام لن يقصى أحدا، ثم اكتشفنا أنه يرفع شعار الإقصاء هو الحل. وادعينا أن الدولة استعادت مدنيتها وكان ذلك غطاء لدخولها فى طور العسكرة. وأوهمنا أنفسنا بأن مصر أم الدنيا وأنها قد الدنيا، ثم وجدناها فى الحقيقة فى كفالة الإمارات والسعودية...إلخ. للإمام الحافظ السيوطى الفقيه الشافعى المصرى المتوفى فى بداية القرن السادس عشر كتاب باسم «الاشباه والنظائر» تحدث فيه عن الأحكام الشرعية الأصلية والفرعية، وأفرد فصلا لفن الحِيَل عند الفقهاء. وقد وجدت أن اسم الكتاب يصلح عنوانا لوصف المشهد السياسى الراهن فى مصر. ذلك أن الكثير مما نراه من قبيل يصنف ضمن دون النظائر. بمعنى انها ممارسات تدعى انتسابا إلى مقومات الممارسة السياسية الرشيدة لكنها ليست بالأصالة التى تجعلها نظيرة لما تدعيه. ينسحب ذلك بالدرجة الأولى على الديمقراطية التى لاتزال عندنا افتراضية تدور فى دائرة الأشباه وإن ادعت أنها من النظائر والله أعلم.