بينما ينتظر الجميع المشير عبد الفتاح السيسي لإعلان ترشحه، حسم حمدين صباحي موقفه بعد طول تردد، وقرر أن يكون أول مرشح في السباق الرئاسي. القرار شكل مفاجأة غير متوقعة لكثير من الأطراف في مقدمهم حمدين نفسه والتيار الشعبي وشباب الثورة والأحزاب الناصرية والأهم السيسي، رجل المرحلة أو مرشح الضرورة بتعبير محمد حسنين هيكل، ومرشح الشعب والجيش بحسب الخطاب الشعبوي المتعاظم في مصر. بالطبع آثار وتداعيات المفاجأة في قرار حمدين الشجاع وربما المتسرع تختلف بحسب آثاره المختلفة وتداعياته على حسابات كل فريق وموقفه المسبق من حمدين مؤسس التيار الشعبي والمعارض الناصري العتيد الذي اعتقل 13 مرة أيام حسني مبارك وأنور السادات: أولاً: تغير موقف حمدين إزاء خوض الانتخابات الرئاسية، فالرجل أعلن في نهاية العام الماضي عدم ترشحه في حال خوض السيسي الانتخابات، ثم تعدل هذا الموقف إلى دعم السيسي أو أي مرشح آخر إذا تبنى مطالب وأهداف الثورة، ثم أخيراً ترشح حمدين على رغم عدم ترشح السيسي وبالتالي عدم إعلانه عن برنامج سياسي أو حتى رؤية سياسية للمرحلة. اعتقد أن حمدين بدل موقفه في ضوء الآثار والتداعيات السلبية لصدامات الحكم الانتقالي مع شباب الثورة وعودة بعض مظاهر الدولة البوليسية وفشل حكومة الببلاوي، وحملة التشويه الإعلامي التي طاولت ثورة يناير ونشطاء وحركات ثورية، وتصدر «الفلول» وممثلي النظام القديم حملة الترويج لرئاسة السيسي والتي تتواصل قبل إعلانه عن قراره بالترشح. كل هذه الأحداث وبحسب معلومات شكلت تياراً شبابياً ضاغطاً على حمدين يطالبه بالترشح لأنه لا معنى حقيقياً لشراكة وطنية من طرف واحد، ولا داعي لاستمرار جبهة «3 يوليو» الداعمة لخريطة الطريق طالما يبتعد الحكم عن تحقيق أهداف ثورة 25 يناير والتي تصور كمؤامرة. تفهم حمدين السياسي المخضرم استياء شباب الثورة وحرص على التواصل والحوار معهم وبحث فرص خوض الانتخابات الرئاسية، وفي الوقت نفسه أكد رفضه أن يكون مرشحاً باسم الثورة ضد مرشح الجيش أو ضد الجيش الوطني لأن قوة الجيش وتحالفه مع الشعب هو شرط نجاح الثورة وتحقيق التنمية والحفاظ على الأمن القومي، وهنا كان حمدين يستحضر تجربة عبد الناصر، ويطلب مزيداً من الوقت لدراسة فكرة خوض الانتخابات، لكن المفاجأة أنه أعلن ترشحه قبل إعلان السيسي أو أي مرشح آخر نيته للترشح، ما قد يرجح أن حمدين اضطر إلى تغيير مواقفه تحت ضغط شباب الثورة وفي المقدمة شباب التيار الشعبي، وهؤلاء هم القوى الضاربة في حملته الانتخابية. ثانياً: إن استجابة حمدين لمطالب وضغوط الشباب بالترشح قد تدعم من فكرة أنه الأقرب إلى تمثيل الثورة، وأنه مرشح الشباب، وهو تقدير في غير محله فلا بد أن يكون مرشحاً لكل المصريين والأهم ألا يكرر تجربته في الانتخابات السابقة التي اعتمد فيها على جهود شباب الثورة ودعم الناصريين وتمويل محدود، فقد تبدلت الظروف، فأسرة عبد الناصر وكثير من الرموز الناصرية أعلنت دعمها السيسي، كما لن تدعمه «جبهة الإنقاذ» والتي ستفشل في التوافق على مرشح رئاسي، وتراجع حماسة الشارع لخطاب الثورة والتغيير، وبات الجميع أكثر بحثاً عن الأمن والاستقرار، وأكثر تردداً في منح ثقتهم لرجل مدني بعد أن صدموا بأداء أول رئيس مدني منتخب، ومن الواضح أن عدد المرشحين سيكون أقل من الانتخابات الرئاسية السابقة وبالتالي لا بد أن يراجع حمدين حساباته واستراتيجيته السابقة ولا يخوض المعركة القادمة بالأساليب والأدوات التي خاض بها معركة الرئاسة السابقة واحتل فيها المرتبة الثالثة وحصل على حوالى 20.5 في المئة من الأصوات. وثمة مخاطر حقيقية على المستقبل السياسي لحمدين وللتيار الشعبي وشباب الثورة إذا خسر حمدين الانتخابات بفارق هائل مع السيسي أو حصل على عدد أقل مما حصل عليه من الأصوات في المعركة السابقة والتي كان ينافس فيها 11 مرشحاً بينهم خمسة كبار لن يخوضوا الانتخابات لأسباب مختلفة، فمرسي في السجن، وأبو الفتوح أعلن انسحابه لعدم ثقته في نزاهة الانتخابات، وشفيق وعمرو موسى أعلنا دعمهما السيسي. ثالثاً: أن ترشح حمدين يصنع مفاجأة سارة للمشير الذي وجد أخيراً من يجرؤ على منافسته! وهي منافسة مطلوبة وآمنة فكل الموازين لصالح السيسي، وفي الوقت نفسه تحافظ على الشكل الديموقراطي وتمنح الحياة السياسية وربما الإعلام قدراً مطلوباً من التعدد والتنوع الذي يتراجع بوتيرة متسارعة، ما يضمن في الأخير عدم تحول الانتخابات الرئاسية إلى مجرد استفتاء بارد يخلو من التشويق. وكل هذه المعطيات تحسن من صورة السباق الرئاسي وشرعية نتائجه أمام العالم الخارجي، ما دفع دوائر قريبة من «الإخوان» للحديث عن صفقة بين حمدين والسيسي، يحصل فيها الأول أو أنصاره على مكاسب بعد هزيمته المرجحة في الانتخابات الرئاسية! رابعاً: تشجع الفريق سامي عنان وغيره من المرشحين على خوض الانتخابات، فعنان رئيس الأركان السابق للجيش ويتطلع إلى الرئاسة منذ 2011، وكان يخشى من منافسه السيسي بحيث تقتصر الانتخابات على اثنين فقط من رجال الجيش، وبالتالي فإن وجود حمدين سيزيل عنه هذا الحرج، وقد يشكل عنان رقماً صعباً في المعركة الانتخابية لأنه محسوب على الجيش، كما سيلقى دعماً من «الإخوان» وأنصارهم وبعض السلفيين انتقاماً من السيسي أولاً، ولرد الجميل لعنان ثانياً، فالرجل كما يقال ساعدهم أثناء حكم المجلس العسكري 2011-2012، وبحسب هذا السيناريو فإن «الإخوان» سيدعمون عنان سراً حيث سيعلنون مقاطعتهم الانتخابات التي تعتمد على خريطة الطريق والدستور الذي وضعته من وجهة نظرهم سلطة الانقلاب. لكن في المقابل قد يصب ترشح عنان في مصلحة حمدين حيث سيظهر قادة الجيش (السابقون) كبشر عاديين لديهم طموحات سياسية، ما يعني الفصل بين الجيش والمرشحين ذوي الخلفية العسكرية. خامساً: يدرك حمدين ومؤيدوه خاصة شباب عديد من الأحزاب والحركات الثورية أن فرص نجاحه محدودة، ومع ذلك فإن هناك إدراكاً عاماً بأن خوض الانتخابات يدعم الحياة السياسية التعددية ويحسن من شروط ومناخ المعركة الانتخابية، ويجدد حيوية المجال العام الذي تراجع بسبب الانشغال بالأمن على السياسة وصدامات «الإخوان» والشرطة والعمليات الإرهابية، والمناخ الشعبوي المحموم الذي يدعم مرشحاً وحيداً، ويرفض مجرد مناقشة وجود منافسين للبطل الذي أنقذ الوطن من «الإخوان». ولا شك أن المعارك الانتخابية فرصة مواتية للحراك السياسي وتشكيل أحزاب أو تيارات سياسية شرط توافر مناخ ديموقراطي، لكن ثمة مخاوف من: 1- إن تأييد شباب عديد من الأحزاب والحركات الثورية لحمدين باعتباره مرشحاً مدنياً والأقرب لأهداف الثورة قد أحدث انشقاقات داخل هذه الحركات والأحزاب على نحو ما حدث في حركة «تمرد» بل وفي التيار الشعبي ذاته الذي أسسه ويتزعمه حمدين صباحي. 2- أن يقتصر النشاط السياسي لشباب الثورة على الاشتراك في حملة حمدين ولا يتطور بعد ذلك إلى حركات أو أحزاب منظمة وقادرة على العمل المتواصل في الشارع، والمعنى أن دعم الشباب لحمدين هو نوع من الاحتجاج على الحكم الانتقالي ومناخ صناعة الفرعون وتشويه المنافسين له، أي أننا بصدد سلوك احتجاجي موسمي تكرر في كثير من المناسبات والأحداث منذ ثورة 25 يناير من دون أن يرتقي إلى نشاط سياسي متواصل وفاعل بين الناس في الريف والحضر. 3- إعلان نهاية تحالف 3 يوليو المكون من الجيش والقوى المدنية الداعمة لخريطة الطريق والحكم الانتقالي مما يصب في مصلحة «الإخوان» وأنصارهم. 4- أن يحول بعض شباب الثورة الانتخابات إلى معركة لإسقاط حكم العسكر، وهي احتمالات من المهم أن يحرص الجميع على تجنب الوقوع فيها. 5- وقوع صدامات وأعمال عنف بين أنصار مرشحي الرئاسة علاوة على تدخل أجهزة الدولة، ما يؤثر في نزاهة الانتخابات ومعناها الديموقراطي. ولا شك في ضرورة ضمان نزاهة الانتخابات وتوفير فرص متساوية للمرشحين حتى لا تتعرض شرعية الرئيس القادم للطعن أو التشكيك وحتى لا يضطر حمدين أو غيره من المرشحين للانسحاب قبل نهاية السباق الرئاسي ما يعقد المشهد السياسي. في كل الأحوال فإن حمدين ليس رقماً سهلاً في السباق الرئاسي، فالرجل يستفيد من أخطاء الحكم الانتقالي وعودة «الفلول» وإعلام الصوت الواحد وحملات النفاق وصناعة الفرعون والتي تستفز مشاعر قطاعات من المصريين الذين يخشون على تعثر عملية التحول الديموقراطي وظهور فاشية جديدة تحت مبررات حماية الوطن وأمن المواطنين، لكن حمدين لن يكون المستفيد الوحيد فهناك مرشحون مدنيون متوقعون قد يعلنون عن نيتهم خوض السباق الانتخابي الذي افتتحه حمدين صباحي، لكن ثمة مشكلتين تحولان دون تعدد المرشحين كما كان الحال في الانتخابات الرئاسية السابقة والتي خاضها 11 مرشحاً، الأولى انقسام المجتمع حول الدستور وخريطة الطريق ورفض قطاع من المصريين المشاركة في الانتخابات، والثانية النص في الدستور الجديد على الحصول على 25 ألف توكيل من 15 محافظة أو الحصول على موافقة 20 نائباً في البرلمان، والشرط الأول يحصر السباق في عدد أقل من المتنافسين القادرين على جمع هذه التوكيلات، أما الشرط الثاني فقد يتسبب في إصدار حكم قضائي بوقف الانتخابات لعدم دستوريتها، لأن تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية جعل هذا الشرط مستحيلاً، فلا يوجد حالياً برلمان، ما يزيد المشهد السياسي تعقيداً. * كاتب مصري