بوابة يناير - القاهرة لقد خاضت سفينة الثورة طريقاً صعباً تقاذفتها فيه أمواج عاتية، وهى تعرف مرفأ النجاة جيدا وتعرف طريقة الوصول إليه، ولكن الربان الذى تولى قيادتها – دون اختيار من ركابها ودون خبرة له بالقيادة – أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة، ونحن نعرض عليه شتى أنواع المساعدة، وهو يأبى إلا أن يمضى فى الطريق القديم، وكأن ثورة لم تقم، وكأن نظاماً لم يسقط.. وبدلا من لم شمل الأمة فى عملية سياسية منظمة ومتفق عليها، نطلق فيها الحريات ونفتح النوافذ لإدخال الهواء النقى وتطهير العقول والنفوس من مخلفات الاستبداد، ونمنح أنفسنا المدة اللازمة لنكتب فيها دستورنا معاً بأسلوب مترو بروح توافقية تقوم على احترام الحقوق الأصيلة للإنسان، وننتخب ممثلينا وقادتنا فى إطار سياسى ودستورى يضمن انتخابات حرة عادلة وأيضاً ممثلة لكل طوائف واتجاهات الشعب، أدخلنا هذا الربان فى متاهات وحوارات عقيمة، فى حين انفرد بصنع القرارات وبأسلوب ينم عن تخبط وعشوائية فى الرؤية، مما فاقم الانقسامات بين فئات المجتمع فى الوقت الذى نحن فيه أحوج ما نكون للتكاتف والوفاق.. وتواكب مع هذا اتباع سياسة أمنية قمعية تتسم بالعنف والتحرش والقتل، وعلى إحالة الثوار لمحاكمات عسكرية بدلاً من حمايتهم، ومعاقبة من قتل زملاءهم، وكل هذا فى إطار حالة الطوارئ الفاقدة للمشروعية وغياب غير مفهوم للأمن وإدارة سيئة للاقتصاد، بالإضافة لعدم اتخاذ خطوات حازمة لتطهير مؤسسات الدولة – وخاصة القضاء والإعلام – من فساد النظام السابق، أو حتى عزل رموزه ومنعهم من الاستمرار فى إفساد الحياة السياسية. إن العشوائية وسوء إدارة العملية الانتقالية تدفع البلاد بعيداً عن أهداف الثورة، مما يشعرنا جميعاً أن النظام السابق لم يسقط. إخوتى وأخواتى مواطنى مصر الغالية وفى ضوء هذه الظروف فقد قررت عدم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وقرارى هذا ليس انصرافاً من الساحة، بل استمرارا لخدمة هذا الوطن بفعالية أكبر، من خارج مواقع السلطة ومتحررا من كل القيود.. لقد قلت مراراً إن هدفى هو مساعدة أهل بلدى على إعادة بناء مصر التى ننتمى إليها ونفخر بها، وليس تحقيق مصلحة شخصية، بل إننى تحملت الكثير من الإساءة والكذب والتدنى الخلقى، قبل قيام الثورة وبعدها، من جانب نظام ترتعد فرائصه من قول الحق، آخذاً على نفسى عهداً ألا ألتفت لهذه الإساءات وأن أركز جهدى على ما فيه المصلحة العامة، لكنى أكدت ومنذ البداية أن ضميرى لن يسمح لى بالترشح للرئاسة أو أى منصب رسمى آخر إلا فى إطار نظام ديمقراطى حقيقى يأخذ من الديمقراطية جوهرها وليس فقط شكلها.. إن الثورة تعبر عن ضمير الأمة الذى انتفض، وليست مرتبطة بشخص، وفى حين أن كل الأشخاص إلى زوال، فإن الثورة ستستمر مادام ضمير الأمة حياً، لقد قلتها منذ عامين وأكررها الآن: إن الذى سيعيد بناء هذه الأمة هم شبابها، الذين لم يلوث ضميرهم فساد النظام وأساليبه القمعية.. هؤلاء الشباب هم الحلم وهم الأمل، ولذلك سأستمر فى العمل معهم خلال الفترة القادمة، وسط جماهير شعبنا، لتمكينهم من المشاركة الفعالة فى العمل السياسى، كى يتولوا زمام أمور مصر ومقدراتها فى المستقبل القريب، ويحققوا أهداف الأمة كلها: الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، إننى على ثقة من أن شباب مصر، ومعهم كل من يؤمن بهم وبأهدافهم، سوف ينجحون، بفكرهم الجديد المجدد، وسوف يقودون هذه الأمة نحو مستقبل أفضل، وسيكون ذلك خير تكريم لمئات الشهداء وآلاف المصابين الذين قدموا أنفسهم فداءً لمصر وشعبها. عاشت مصر بشعبها حرة أبية كان هذا جزء مقتطف من بيان إنسحاب الدكتور محمد البرادعي من سباق الرئاسة في 14 يناير 2012.. أي بعد عام واحد من إندلاع ثورة يناير الذي كان هو أهم قائديها وأكثرهم حنكة وضمير وشفافية.. إنسحب لأنه أدرك أن القائمين على الثورة آنذاك يوجهون دفتها نحو جماعة الإخوان المسلمين التي قد عقدت إتفاقها معهم. ومسببات هذا كانت واضحة في مواقف عدة.. كماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء حيث في كل المجازر كانت تدافع الجماعة عن المجلس العسكرى وتتبنى مواقفه حتى اتضح انه هو من يتبنى مواقفها.. كما رفض المجلس العسكري تكليف الدكتور البرادعى بتشكيل وزارة نوفمبر 2011 بسبب رفض الإخوان لوجوده بعد أن صرح باستعداده لعدم الترشح للرئاسة وقبوله تولي الوزارة التي كُلف بها الجنزوري آنذاك. وقع إنسحابه هذا علي كأحد محبيه والمدافعين عن مواقفه المتوافقة مع ضمائرنا كالصاعقة.. وبعد لحظات من تدبر الأمر فطنت لما فطن هو إليه دون أن أتحدث معه «كما هو الحال مع إستقالته الأخيرة.. إلا انني كنت أتوقعها» .. واختار النضال مع الشباب من البداية حفاظاً على كرامتنا وكرامته في أن يكون دوره ضيف شرف لهذه الإنتخابات.. فهو لن يخدعنا ولن يتأمر علينا كما تفعل الدولة. حمدين صباحي هو إنسان مضحي بالفطرة.. فمن يختار النضال وهو كان يمتلك القدرة على أن يكون في السلطة منذ بداية عمله السياسي في السبعينات.. فهو إنسان نبيل يقبل التضحية بقوته من أجل الضعفاء. أعلم جيداً حمدين قرر خوض الإنتخابات هذه المرة إنزالاً لإرادة الشباب من حولة وله ولهم كل الحق في هذا.. بل إن واجبه ان يفعل هذا.. إلا أن الدولة لم تلتزم بالقانون تجاه المرشحين وقررت كما لم نتوقع أن تستمر في الغباء الفج وتنحاز لمرشح دون غيره.. رغم أن هذا المرشح المنحاز إليه لا يحتاج.. فشعبيته جارفه تمكنه من الفوز من الجولة الإولى. بات انحياز الدولة واضحاً في كل شيء.. ففضلاً عن إنحياز وزارة الإعلام حيث التليفزيون المصري وصل الإنحياز الأن إلى وزارة العدل حيث مكاتب الشهر العقاري.. توكيلات السيسي لها عدة موظفين قائمين عليها وتوكيلات صباحي لها موظف واحد ينتظر خلالها مُوكل صباحي لساعات ومُوكل السيسي لدقائق معدودات.. هذا كله فضلاً عن. لافتات وصور السيسي العملاقة على معظم مباني الدولة (أقسام ومراكز شرطة و مكاتب وزارات خدمية و مجمعات محاكم ومحطات القطارات والأتوبيسات).. ينقصنا فقط أن تكون صورته على فواتير (الكهرباء والمياة والتليفونات والغاز والقمامة).. وأنت يا حمدين «كأنك مفيش».. ثم تختتم بحملة السيسي الإنتخابية «مستقبل وطن» التي تمارس البلطجة في كل مكان باسم المنكوب الوطن.. إجتماعات في أفخم الفنادق وقيمة الفاتورة «نصف جنيه» من أجل البركة بوجودكم فقط.. تزيل من الشوارع بمساعدة الشرطة لافتات حمدين صباحي.. تسيطر بشكل تام على كل المكاتب الرئيسية للشهر العقاري في المدن.. وأخيراً ترقل بقدميها أضخم باب لأكبر مسؤول في كل محافظة ومدينة وينحني لها المسؤول إحتراماً.. وأنت يا حمدين «كأنك مفيش».. أرجو من حمدين صباحي وشبابه الجميل أن يدرك أن القادم أسوأ فبعد إنتهاء مرحلة التوكيلات ودخولنا مرحلة المؤتمرات ستقف حملته وحيدة في المؤتمرات من دون أي تواجد لعسكري أمن.. وبعد الهجوم المتوقع وإفساد المؤتمرات الإنتخابية لحملة حمدين صباحي سوف تكون النتيجة بعد هذا هي محضر إثبات حالة.. لأن العسكري ومدير الأمن يقفون في الشارع المجاور على سرادق حملة السيسي.. أما حمدين «كأنك مفيش» والمكسب المتوقع.. هو اللا شيء.. فلن يفوز حمدين ولن يفوز الوطن بالإنتخابات النزيهة.. فرجاءاً يا شباب حمدين الجميل تراجعوا وعوا أن إستمراركم خسارة للوطن وليست مكسب.. فبوجودكم سيبدو المظهر وكأن هناك إنتخابات نزيهة.. لكن سيكون الجوهر.. «كأنك مفيش».. اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد