الحياة صراع. يردد الناس كثيراََ هذه الحكمة، أو بالأصح الحكم على طبيعة عيشنا في هذه الدنيا. لا أحبذ ترداد هذه الحكمة، لا سامعاََ ولا مسموعاََ، ليس هروباََ من حتميتها، ولكن هروباََ من التأهب المستمر لخوض هذا الصراع! حسناََ، دعونا نعيد صياغة هذه «الحكمة الحربية» بهذا الشكل: (الحياة صراع... وأقل الناس صراعاََ فيها هم الأكثر إنسانية). وإذا كان لا بد لنا من القتال في هذه الحياة، فليكن «قتالاََ» ضد الاقتتال. هذا القتال «السلمي» يرتكز على مبدأين. الأول: النأي بالنفس عن المبادءة بقتال الآخرين. والثاني : النأي بالنفس ما أمكن عن الاستجابة للاقتتال مع الآخرين والانجرار معهم إلى معارك هم يشتهونها. مهما سعيت للمسالمة والبعد عن إيذاء الآخرين سيتم جرّك يوماََ لخوض معركة، انتصارك فيها حسب معاييرهم هو هزيمة لك حسب معاييرك! والناس في شأن الانتصار نوعان: نوع يحقق انتصاراته في الحياة من خلال خوض المعارك مع الآخرين، فهو مرابط دائماََ في ساحة القتال، وإذا لم يأته العدو المنتظَر خرج مؤقتاََ من ساحة القتال إلى ساحة السلام بحثاََ عن عدو بديل! ونوع آخر من الناس يحقق انتصاراته من خلال خوض المعارك مع نفسه، فهو في قتال دائم مع نزوات نفسه وشهواتها وارتخاءاتها وعزوفها عن العمل والانتاج ونفع الناس، فإذا انتصر فهو ينتصر على نفسه، أي ينتصر شِقَه الملائكي على شقَه الشيطاني، وحقّ له أن يفرح ويفخر بهذا الانتصار. فكلٌ منا له معركته الداخلية المستديمة بين ملائكيته وشيطانيته، وهو يتحول في حينها إلى من ينتصر منهما. لا تجعل الآخرين يفرضون عليك معاركهم الهشة والمؤذية لمساعي النفس الزكية، ولا تسمح لهم أن يجرَوك لساحات قتال موحلة، هم أقرب فيها للانتصار بما اعتادوا على خوض الوحل. وإذا تورَطتَ، لامحالة، في خوض معركة لم تذهب إليها ولكنها داهمتك، فلتكن معركتك مع «فارس كبير»، إذ سيكون عندها الوحل أقل... لا يتجاوز الأرجل إلى الرجولة، ثم إذا انتصرتَ قيل بفخر إنك انتصرت على فارس كبير، وإذا هُزمت قيل باعتذار إنك هُزمت من فارس كبير. لكن، لا تنس دوماََ أن انتصارك الأكبر في هذه الحياة هو انتصارك على الفارس الأكبر... الذي بداخلك، هو انتصارك على نفسك التي قد تكسل في الاستجابة لرغبتك النبيلة في التأمل والعمل والإنجاز ونفع الآخرين، لكنها تتحمس وتنشط في المخاصمة والعنف وإيذاء الآخرين. أيها الفارس: لا تحتفل بانتصاراتك على الآخرين فوق الاحتفال بانتصارك على نفسك.