في كثير من الأحيان يحدث تداخل بين مجالي العمل الحقوقي والسياسي، ينعكس على السياسات والممارسات والبرامج، مع أن بينهما فروقاً متعددة ومحددة، تجعل من كل مجال مختلف عن الآخر في المنطلقات والأهداف، بل حتى في الوسائل أحياناً. في المجتمعات التي تتمتع بحريات سياسية واسعة يمكن ملاحظة عدم التداخل بين مجالي العمل الحقوقي والسياسي واضحاً، بينما في الدول التي تتقلص فيها الحريات يكون من الصعب جداً التفريق بين الاتجاهين. السبب في ذلك يعود إلى أن وجود مجالات واسعة للعمل السياسي في بعض المجتمعات، ينتج عنه تشكل آليات عمل واضحة ومحددة من خلال الأحزاب والنقابات ومختلف الجمعيات. أما في المجتمعات المقيدة الحريات فإن فرص العمل السياسي تكون معدومة وبالتالي فإن أي نشاط حقوقي ينظر إليه على أنه عمل سياسي محرم. لعل من أبرز الفروقات بين المجالين أن العمل الحقوقي يعتبر محايداً تجاه مختلف الفئات والجماعات بحيث أنه يتعاطى مع قضاياها بصورة مبدئية بعيداً عن أي تصنيف فئوي، بل يصطبغ بالحالة الإنسانية العامة. في المقابل فإن العمل السياسي في كثير من الأحيان يعبر عن مصالح الفئة أو الجهة التي تتبناه سواء كانت حزباً أو فئة أو جماعة. وينطلق العمل الحقوقي من مبادئ وقيم عامة ومرجعيته القوانين والأنظمة سواء كانت اتفاقيات دولية أو تشريعات محلية. ولذا فإن العاملين في هذا المجال يستندون على هذه القيم والتشريعات في دفاعهم عن الحقوق أو المطالبة بها. أما العمل السياسي فينحو باتجاه تحقيق أهدافه مستنداً على منطلقات مصلحية قد تكون مشتركة وعامة أو تهم الجهة العاملة فيه ومن تمثلها، وينطلق من مطالب عامة تتعلق بتوازن القوى الاجتماعية والسياسية. تتركز آليات العمل الحقوقي على تأكيد الحقوق وتبني مبادئ وضمانات قانونية لها، ومتابعة ورصد التجاوزات والمخالفات للأعراف السائدة، والمطالبة بمحاسبة منتهكيها. أما العمل السياسي فيسخر سبل التأثير لتحقيق الأهداف التي يطمح إليها من خلال استغلال ما تتوفر من نقاط قوة. مسارات العمل الحقوقي تتسم بالميل إلى برامج وخطط شبه ثابتة ومحددة وقد تكون محسوبة النتائج والتأثير، أما العمل السياسي فتتدخل فيه عناصر المفاجأة والتغير حسب الظروف ومناخات العمل، وقد يعاد تشكيل التحالفات والعلاقات بين مختلف الأطراف العاملة فيه بين فترة وأخرى. في بعض الظروف يتحول العمل الحقوقي إلى أحد أدوات الضغط السياسي كما هو الحال لدى كثير من الأحزاب والحركات السياسية في منطقتنا العربية، ولكنه مع ذلك يبقى مجالاً مهماً قائماً بذاته وله منطلقاته وأهدافه وآليات عمله المستقلة ويعبر عن مطالب مشروعة ومقننة.