يتوجب علينا إماتة البيروقراطية حين تكون سبباً في إماتة مزيد من البشر. نعم هذا مؤكد، فالبيروقراطية - بمفهومها الإيجابي العام - لم تؤسس إلا خدمة البشر وتأمين حياتهم وممتلكاتهم وتحقيق رفاهيتهم وفق أعلى المعدلات الممكنة، ولذا فإن كان هنالك أي تهديد لحياة الإنسان أو رفاهيته فإنه من المتعين تجاوز الأطر البيروقراطية واتخاذ قرارات فعالة حاسمة سريعة. وما أقوله مُمارَسُ في البلدان المتقدمة ومُشاهَدُ في سياقات عديدة، ومنها ما يتصل بمعاش الناس وإدارة حياتهم والحفاظ على أمنهم وأرواحهم وممتلكاتهم. وحين أقول هذا، فإني لا أقصد أن يتم معاندة القوانين والأنظمة وتعمد خرقها، بل الإسراع في عملية تحقيق جوهرها ولبها، حتى لو تطلب الأمر قدراً من تجاوز بعض الأطر الإجرائية الروتينية. ونحن في العالم العربي بحاجة إلى أن نفيد من تلك التجارب التي يمكن أن تدخل في حيز “قضايا مصيرية غير قابلة للبيروقراطية". إذا تقرر ما سبق، فإني أقول بأن ثمة قضية مصيرية تتطلب تدخلاً سريعاً من قبل الجهات ذات الاختصاص. هذه القضية تتعلق بالطريق الرابط بين مدينة بريدة والمقر الرئيس لجامعة القصيم في حي الميلداء، حيث إنه شهد حوادث مروعة، راح ضحيتها العديد من الطلبة وغيرهم من المارين. ولقد رأيت بعضاً من تلك الحوادث الشنيعة، وهي مخيفة بحق. ومن الواضح أن السبب المحوري لها يعود إلى السرعة الجنونية، لدرجة أن بعض السيارات تتجاوز مسارها لتصطدم بسيارة أخرى مارقة في المسار الآخر. وإذا نظرنا في التدابير المتخذة حالياً، فلا نجد سوى وقوف سيارة “ساهر" في بعض الأيام في مكان محدد ومكشوف، الأمر الذي يجعل الكثيرين يتخطون السرعة القانونية بمجرد اجتيازهم ل"ساهر". والحقيقة أنني أشعر بعدم الأمان وأنا أقود سيارتي تجاه عملي في الجامعة. وفي ضوء كل ما تقدم، أؤكد على ضرورة التدخل السريع لعلاج هذه المشكلة الخطرة، عبر عقد اجتماع سريع لكافة الجهات المعنية لاتخاذ كل ما يلزم للتقليل من خطورة هذا الطريق وحماية أرواحنا وأرواح الناس، على أن تشارك جامعة القصيم في هذا الاجتماع للإفادة من خبراتها مع الطلبة ولكونها تمتلك آليات كثيرة تعين بشكل مباشر أو غير مباشر على المعالجة والحل. هذا مع علمي بأن سمو الحاكم الإداري سيولي هذه القضية ما تستحقه من العناية والمتابعة والحسم السريع، بما يحقق الصالح العام. ولعلي أضع بعض الأفكار التي أرى أنه من الضروري العمل على الإفادة منها بطريقة ملائمة، وهي في نظري جزء من الحل السريع الذي أطالب به: أولاً: الإسراع في زرع كاميرات ساهر في كامل أجزاء الطريق بدءاً من الجزء الداخلي في مدينة بريدة، مع الإعلان عن ذلك بكل وضوح، ومن المهم وضع اللوحات التحذيرية حتى قبل تركيب الكاميرات. ثانياً: إعادة النظر في السرعة المحددة في الطريق، حيث أنها تبلغ 100، ومن الجانب السيكولوجي تبدو هذه السرعة قليلة وربما “محبطة" لبعض الشباب، ولذا فإن الشاب إن قرر أنه سيخالف ويتجاوز هذه السرعة فإن معنى ذلك وصوله إلى سرعات جنونية، وهذا ما لاحظته. ومن هنا فإنه قد يكون مناسباً جعلها 120 في بعض الأجزاء الواسعة والممتدة وتخفيضها قرب الجامعة إلى 100. ثالثاً: منع السيارات الكبيرة من استخدام الطريق في أوقات الذروة ووضع جدولة دقيقة لها، أو مسارات أخرى، خاصة أنها سبب أكيد للزحام والإعاقة وإبطاء السير. مع وجوب متابعة التطبيق بدقة وصرامة. رابعاً: التأكيد على تطبيق القانون من جهة كيفية تجاوز السيارات والانتقال من مسار إلى آخر، وتأمين سيارات مرور كافية في أوقات الذروة لرصد المخالفات، وليكن ذلك لفترات كافية لحين ترسيخ هذه الممارسة المطلوبة في إطار ما يسمى ب “إدارة الاتجاهات" أو “تعديل الاتجاهات" وما تتضمنه من عمليات تعزيز للسلوك المستهدف، بطريقة مناسبة. خامساً: وضع حواجز في الجزيرة الفاصلة بين المسارين، لتأمين الحماية اللازمة من تجاوز بعض السيارات إلى المسار الآخر، وقد حدث ذلك فعلاً في بعض الحوادث المميتة، كما أشرت سابقاً. وفي رأيي أن البنود الأربعة الأولى لا تفتقر إلى كبير وقت لتنفيذها، ولذا فإنه يتوجب البدء في التنفيذ بأسرع وقت ممكن، مع وضع التدابير للبند الرابع بما هو ملائم وفي وقت قصير أيضاً، حيث إن القضية كلها برمتها مدرجة في خانة “القضايا المصيرية" التي لا تتحمل التأخير. ومن جهة ثانية، ألتمس من زملائي في الجامعة تنظيم حملات توعوية مكثفة ومستمرة، من شأنها إقناع الطلبة بالتبكير في الخروج من منازلهم لتفادي التأخير الذي قد يفضي بهم إلى “اقتراف خطيئة السرعة" ومن ثم تعريض أنفسهم وغيرهم لمخاطر مهلكة. مع تشجيع الطلبة على الحضور الجماعي في سيارة واحدة بما يقلل من عدد السيارات في الطريق، ويمكن دراسة تأمين حافلات نقل أيضاً لتحقيق هذا الهدف أيضاً، في حالة وجود طلب عليه. وإني أتساءل: هل يمكن لبعض الكليات أن تقدم أو تؤخر نصف ساعة مثلاً للمحاضرات الأولى والأخيرة، فربما يعين ذلك على التنظيم في عملية تدفق السيارات في الصباح الباكر وعند الانصراف. وما ينطبق على هذا الطريق، قد ينطبق على بعض الطرق القادمة من المحافظات، ونظراً لعدم وجود معلومات كافية لدي عن ذلك، فلم أتحدث إلا عن الطريق الذي خبرته جيداً، وهو الطريق المثقل بعدد هائل من السيارات بطبيعة الحال، ولكن هذا لا يعني استبعاد مناقشة الوضع في الطرق الأخرى، إن كانت تحمل بعض المخاطر. كلي أمل بمعالجة سريعة حاسمة، تثبت أننا قادرون على تحقيق الهدف العام من وضع القوانين والأنظمة حتى لو تطلب ذلك تجاوز بعض الأبعاد الإجرائية أو الشكلية. متمنياً للجميع دوام الأمن والعافية وراحة البال. وعام سعيد.. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.