فرحة «ربعنا» بمواقع التواصل الاجتماعي تشعرك أحيانا بأنهم هم الذين اخترعوا هذه الثورة المعلوماتية الفاتنة، لذلك تجدهم يبشرون منذ أيام «المنتديات» بنهاية الكتاب الورقي والجريدة الورقية، ولا شك أنهم لا يلامون على مواقفهم المتشنجة ضد المصادر التقليدية للمعلومات، لأن الكثير منها فقد مصداقيته أو قصقصت أجنحته الرقابة، ولكن مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي أنها قد تكون وسيلة رائعة للتعبير عن الرأي ولكنها ليست وسيلة كافية وموثوقة للتثقيف واستقاء المعلومات، ودائما تبرز الحاجة لوسائل الثقافة التقليدية كي لا يكون الرأي بلا أساس معرفي، فالشخص الذي لا يملك الحدود الدنيا للثقافة حين يقبل على وسائط الاتصالات المتطورة يكون مثل من ركب سيارة فيراري خالية من البنزين : لديه الثقة الكاملة أنه قادر على الوصول إلى هدفه ولكن السيارة المنحوسة لا تتحرك!. لقد عاشت الولاياتالمتحدة «أم تويتر وفيس بوك واليوتيوب» طوال الأيام الماضية أسبوع الكتب الممنوعة، حيث طالب مثقفون وناشطون ومواطنون عاديون في طول البلاد وعرضها على منح حرية أكبر للكتب التي تواجه ملاحقات قضائية وقانونية، وهذا يعني في مفاهيمنا أن الأمريكان قوم متخلفون و «ما عندهم سالفة»، لأنهم لا زالوا يناضلون من أجل حرية الكتاب الورقي رغم أن بإمكانهم تعويض نقص الحرية عبر تويتر والفيس بوك واليوتيوب!، ولكن من زاوية أخرى يبدو الأمريكان غير مبالين لثقافة «الدرعمة» والخوض في نقاشات حول أمور لا يعرفون عنها شيئا. ثقافة «الدرعمة» هذه، هي التي ستجعل استفادة المواطن العربي من تطور تكنولوجيا الاتصالات شبه معدومة، فكل شعوب العالم تتوفر لديها هذه التكنولوجيا المتقدمة، ولكنها لا تعول عليها في نشر المعرفة، «المدرعمون» لا يتقدمون مهما فتحت أمامهم الأبواب والنوافذ.. سيدخلون من فتحة التكييف لأنهم غير متأكدين من أهدافهم، ويكفي أن تعرفوا يا سادة يا كرام أن المواطن الأوروبي، رغم ما يتوفر له من تويتر وفيس بوك و بي بي، يقرأ بمعدل 35 كتابا في السنة، بينما يقرأ الإسرائيلي 40 كتابا في السنة، أما في الوطن العربي فإن كل 80 شخصا يقرأون كتابا واحدا في السنة!، ويكفي أن تعلموا بأن ما ترجم إلى اللغة العربية من كتب منذ أيام الخليفة العباسي المأمون حتى يومنا هذا يعادل ما تقوم بترجمته إسبانيا في عام واحد!، ويكفي أن تعرفوا بأن كمية الورق المستهلكة من قبل جميع دور النشر العربية من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر تعادل كمية الورق المستخدمة في دار نشر فرنسية واحدة فقط لا غير!. هذه ليست دعوة مفتوحة للإحباط والبكاء على الأطلال، ولكنها إشارة إلى أهمية ما يمكن أن تفعله القراءة من أثر يساهم في تغيير حياتنا وتبديل واقعنا، فالوقت الذي نخصصه للثرثرات الفارغة والنقاشات المتوترة على شبكة الإنترنت يمكن أن نقتطع منه فسحة لإحداث التغيير ولو على المستوى الشخصي، فبحسب تقرير منظمة اليونسكو فإن العربي يخصص 6 دقائق في اليوم للقراءة بينما المعدل العالمي 36 دقيقة.. أي أن الذي يفصل بيننا وبين العالم نصف ساعة فقط!، هذه النصف ساعة التي لو قرأنا فيها كتابا فإن الفائدة سوف تمتد إلى العالم أجمع لأنه من الواضح أن دقائقنا الست الشحيحة هي التي خسفت بالمعدل العالمي للقراءة!. ثقافة «الدرعمة» هي التي تجعل نقاشاتنا بلا فائدة، وتجعلنا مجرد أناس حائرين ساخطين تائهين في غياهب تكنولوجيا الاتصالات، سحقا لسيارة الفيراري الخالية من البنزين .. تجعلك «تفحط» بخيالك!.