* في ذاكرة شباب اليوم ثورة جامحة من تقنية الاتصالات ووسائط الاعلام الجديد .. قد تتعدد أشكالها وتتنوع وسائلها.. لكن مخرجاتها في نهاية الامر تزخر بالمعلوماتية الحدثية المتعلقة بما يجري لنا وحولنا.. ويبقى الايقاع السريع هو العامل المشترك في كل صور التعامل مع هذه التقنيات والوسائط.. لم يعد الخبر الفني او الرياضي هو عامل الجذب الوحيد لشباب هذا الجيل.. بل هناك فصائل اخرى من المعلوماتية الخبرية تحظى بنصيبها من كعكة اهتمام الشباب بما يدور في فلكهم حتى ولو كان في نظر الآخرين لا يعنيهم أو يؤثر عليهم. * كان بإمكان الشاب طارق أن يروي لصديقه حسن تفاصيل الحادث الشنيع الذي وقع قبل أقل من ساعة على الطريق السريع بين جدةوالمدينةالمنورة لكنه اختصر الكلمات وكل المسافات فقال له: “ أدخل على اليو تيوب وطالع الحادث بنفسك “. * هكذا وبضغطة زر تخلى الشاب عن كل وسائل الاعلام التقليدي من صحافة وإذاعة وتلفزيون وسار على خارطة الطريق التي رسمها له صديقه ليقف بنفسه على ما جرى ويشاهد الحدث وكأنه احد شهود العيان.. تلك باختصار شديد صورة واحدة وبسيطة جداً من صور الاعلام الجديد الذي بات يسيطر على اهتمامات المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات المتحضرة في بقية دول العالم.. وأصبح المختصون على يقين تام بأنهم على عتبة نقلة تاريخية ونوعية في التعاطي الاعلامي لم يسبق لها مثيل.. ولعل هذا ما جعل ارباب الفكر الإعلامي ينظرون إلى هذه المتغيرات الاعلامية من زاوية مختلفة على اعتبار أن وسائط الإعلام الجديد في السعودية مثلاً تشهد إقبالاً كبيراً وتسجل في كل يوم تزاحماً وتنامياً لاسيما في المدونات التي أصبحت تحتل حيزاً من الإنترنت إضافة إلى الشبكات التفاعلية مثل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب. المعلوماتية سر التأثير * لا يختلف اثنان على أن المجتمع السعودي وخاصة شريحة الشباب فيه انجذب نحو الاعلام الجديد بكل وسائطه المختلفة واصبح الكثيرون من جيل اليوم رواداً لهذا النوع من الإعلام بل سعوا إلى الغوص في اعماقه ليتمكنوا من إدراك وتطبيق مهارات التعامل مع الإعلام الجديد من خلال التدريب على كيفية الأخذ بهذه التكنولوجيا الحديثة و استخدامها كلغة جديدة وحلقة تواصل فاعلة.. وقبل هذا وذاك وسيلة تأثير في الرأي العام. * إن أهمية الإعلام الجديد تكمن في القيمة المعلوماتية، وسرعة إيصاله للمعلومات، وضمان وصولها للشرائح المستهدفة فضلاً عن تميز الإعلام الجديد بالتفاعلية ورخص الوسيلة واهتمام جميع أفراد المجتمع بها.. وهنا يكمن سر التحولات الجارية في التعاطي الاعلامي سواء في الجانب التقليدي المتمسك بالوسائل الرئيسية المتعارف عليها أو من الجانب الراكض خلف التقنية الجديدة وتسخيرها لصناعة إعلام مختلف.. إعلام يسابق الزمن ويخترق الحواجز وينقلك للحدث بضغطة زر وأنت في غرفة نومك. الكارثة نقطة تحوّل * لم تتوقف تكنولوجيا الإعلام الجديد عند هذا الحد بل فتحت باباً واسعاً لانتشار الإعلام فضلاً عن كونها وسيلة سهلة لإيصال المعلومات ونشرها إلى جميع الأطراف والشرائح.. ولعل ماحدث على إثر فاجعة جده في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، والأيام من بعدها من آثار الدمار والسيول التي أجتاحت أجزاء من المدينة، يُعدّ بداية حقيقية وعلامة مهمة في تاريخ الإعلام الجديد في السعودية. * كيف لا وقد أصبح كل صغير وكبير في المملكة بل في العالم من حولنا، يتحدث عما ألتقطته كاميرات الهواة، ومذكرات البسطاء وما أنتشر في أنحاء الإنترنت والهواتف المحمولة.. وعن ظهور حملات الانقاذ والتطوع عبر المواقع الاجتماعية.. كما أقتض موقع يوتيوب بمئات اللقطات المأساوية الحية ، وأنات ضحايا ومنكوبين. ومناظر من مخلفات الكارثة . والتي رأينا منها الكثير الكثير مما يظهر حجم الكارثة الحقيقي.. وتدافع سيل الصور الثابتة والمتحركة الصامتة والناطقة فأنتشرت الآف الصور الفوتوغرافية السريعة في شتى المواقع الإلكترونية. وبأسرع تغطية. وتحدث بعض ممن عاصروا الحدث عن قرب عبر موقع التحديثات الآنية ( تويتر ) والذي كان ينقلنا لمكان الحدث بتفاصيل سريعة ولحظية.. وظهرت كذلك بعض الأقلام التي تناولت تفاصيل واسباب الكارثة في المدونات والشبكات الاجتماعية ك فيس بوك وغيره.. ولم يتوقف الامر عند كارثة السيول بل ظل الاعلام الجديد بوسائط المتعددة يتابع ما وراء الحدث ويسبر أغوار القضايا والمستجدات وتبعات ما يجري على ساحة التحقيق وفتح ملف الفساد.. وهو الملف الذي فتح شهية جيل العنكبوتية للمزيد من الخوض في هذه القضايا الكبيرة وبالتالي لم يتردد في القيام بحملات الكترونية منظمة عبر اشهر المواقع وساهم بشكل مباشر وغير مباشر في خلق رأي عام داخل المجتمع السعودي فلفت الانظار وترجم الصورة الحقيقية لثورة الاعلام الجديد.. بل قامت هذه الحملات بدور الفكر التنويري من خلال تداول المعلومات الصحيحة كما هي دون قيود او حذف او تعديل.. وكان إلى جانب ذلك يستخدم هذه المعلومات بكثافة كوجه من وجوه الحياة المعاصرة بشتى مجالاتها الحكومية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والانسانية. ظهور القارئ الناشر * في أقل من شهرين تقريباً سجل موقع ( يوتيوب ) وكذلك موقع ( فيس بوك ) وموقع ( تويتر ) ارقاماً قياسية في الحضور السعودي سواء في عدد الزوار والمتصفحين أو عدد المنشئين للصفحات الجديدة.. ولاتزال هذه المواقع تشهد نشاطاً منقطع النظير صناعة رأي عام سعودي يصنع الخبر ويحلله ويقدم الرأي ويطرح وجهة النظر.. وكأنه يحاول أن ينسج خيوط النهاية للاعلام التقليدي ويهز عرش الصحافة الورقية برسالة وداع تنتظر ضغطة زر تطوي بها عهد مطالعة التغطية الحدثية في اليوم.. والأهم من ذلك كله قوة التأثير التي يحظى بها الاعلام الجديد في تغيير القناعات والاتجاهات وكسب التعاطف من خلال ما يملكه وسائط بصرية وسمعية تتمتع بهامش كبير من الحرية ولا يطالها مقص الرقيب في كثير من الاحوال. * إننا - كما يبدو - على ابواب قراءة مختلفة للمشهد الاعلامي، فنحن في زمن ( القارئ الناشر ).. فلم تعد وسائل الاعلام التقليدية هي المسيطرة على المتلقي في سوق المعلومات بل اصبح هذا المتلقي في موقع المتمرد الخارج عن طوق الاعلام التقليدي.. لقد سئم الجلوس في مدرج المتفرجين فقرر النزول إلى ارض الملعب والمشاركة في اللعب وتسجل الاهداف بنفسه وعلى طريقته الخاصة وفي الوقت الذي يحدده.. وكأني به يقود مرحلة التغيير.. التغيير الذي لابد منه. * كان المتلقي ينتظر الغد على أحر من الجمر ليعرف ما جرى بالأمس أما اليوم وعبر بوابة الاعلام الجديد لم يعد مضطراً للانتظار وأصبح أكثر ثقة ومتابعة لأولئك الإعلاميين الجدد الذين لا تربطهم بالضرورة علاقة أو صلة بالإعلام التقليدي المتأثر بقيود لا تعد ولا تحصى.. بل قام هذا المتلقي الجديد بالمشاركة معهم في النشر عبر المنتديات والمدونات والمواقع الخاصة أو العالمية.. وساعد على نجاحه أنه دخل صناعة الاعلام بأسلحة من طراز كشف الأوراق والوثائق السرية وتقديم الصور الحقيقية وعرض الوقائع بكل حرية فشد الانتباه ولفت الانظار وفتح باب المشاركة على مصراعيه ومنح الآخرين حق الدخول بالملابس العادية.. ومن هنا دارت عجلة التداول بث المحتوى الاعلامي بكل عناصره لأكبر شريحة ممكنة داخل المملكة وخارجها وفي اسرع وقت بل - أحياناً كثيرة - مبشارة في نفس اللحظة وحياً على الهواء. لغة جديدة للرأي العام * إن مجرد المرور السريع على بعض المنتديات والقراءة العابرة لمحتوى بعض المدونات واطلالة خاطفة على صفحات بعض المواقع الشهيرة كفيلة بوقوفك على ثقافة الجيل الجديد.. ليس الجيل الهامشي وإنما أعني الجيل المهتم بوطنه وقضاياها المختلفة وبما يحدث داخل المجتمع.. تماماً كما يحدث حالياً في متابعة الاعلام الجديد للقضايا الشائكة في المجتمع السعودي بما فيها قضايا الفساد في اجهزة الدولة وقيادة المرأة للسيارة وارتفاع معدل البطالة وغير ذلك من الملفات الساخنة التي تفرض نفسها لتكون قضية ( رأي عام ) ولكن بطريقة الاعلام الجديد. * حتى الفروق الجنسية بين الذكر والانثى تلاشت إلى حد كبير تحت مظلة الرأي العام العنكبوتي وانصهر الجميع في بوتقة التعاطي مع الحدث في ذات اللحظة وبروح العصر وعبر وسائط التقنية وبلغة خاصة تخاطب اصحابها قبل ان تخاطب الآخرين.. ومن هذا التوجه تزداد مخاوف الاعلام التقليدي فشبح الاعلام الجديد يزداد إثارة وشراسة ويسابق الزمن في سحب البساط من تحت قدميه.. وخطورة بهذا الحجم وتلك التحديات تتطلب حراكاً آخر من جانب الاعلام التقليدي ليرسم خارطة طريق تضمن له مواصلة المشوار وتنمحه حق الإستمرار لصناعة الرأي العام.