قبيل شهر رمضان المبارك من كل عام يتحول المسلم إلى رقم دعائي تحاصرك به المكاتب والجمعيات التي تلقى استجابة من مجتمعنا المأخوذ بالمشاعر الإسلامية العميقة خاصة في هذا الشهر المبارك. ومنذ منتصف شهر شعبان على الأقل تنتشر رسائل SMS أسلم 50 نفرا هذا الأسبوع أو 200 نفر هذا الشهر بصياغة ركيكة تطرح تساؤلات عديدة حول العمل الدعوي الإسلامي آلياته وسائله ومن يمثله. كلنا نجزم كمسلمين بل وكثير من المنصفين أو القريبين من العمل الدعوي بأن الإسلام دين مقنع ومشبع للروح دون إهمال لحاجات الجسم، لكن هذه الحقيقة لا تبرر الأرقام المبالغ فيها من قبل مكاتب الدعوة أو الجمعيات فيما لا نرى في الواقع أثراً لتلك الجهود التي تستنزف الملايين سنوياً. وبودي لو تم شرح الطريقة التي يسلم بها هذا الكم من البشر خلال لقاء قد لا يتعدى الساعات وكأن الإسلام إبرة تطعيم يأخها غير المسلم ليتحول خلال ساعة إلى مسلم محصن من السلوكيات والمرجعيات الكفرية الذي قضى فيه سنوات عمره. كثير من الأسر العربية تفضل أن يتلقوا الخدمة من غير المسلمين، بل إن البعض يشترط في استقدام خدم المنزلية ألا يكونوا مسلمين والسبب هو أن جهود التبشير المسيحية كبيرة جداً، وتبدأ برعاية الأيتام والمشردين والمحتاجين وتآمين احتياجاتهم المعيشية، ثم تعليمهم وتطوير ذواتهم ما يجعلهم أفضل خلقاً وذوقاً وأكثر تديناً من المسلم الذي يُشرح له الإسلام في جلسة شاي ثم يُترك لمواجهة مصيره. وإذا ما كان سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم قضى السنوات الطوال ليقنع عددا قليلا من أقاربه بالإسلام قبل الهجرة، بينما دخل في رحاب الإسلام بعد ظهوره وقوته عدد كبير أغلبهم أيضا ما لبث أن ارتد بعد وفاته، فإن دخول هذه الأعداد (اليوم) في الإسلام بعد جلسة أو جلستين لا يمكن اعتبارها صرفاً صحيحاً لأموال المتبرعين. كثير من الأسر العربية تفضل أن يتلقوا الخدمة من غير المسلمين، بل إن البعض يشترط في استقدام خدم المنزلية ألا يكونوا مسلمين والسبب هو أن جهود التبشير المسيحية كبيرة جداً، وتبدأ برعاية الأيتام والمشردين والمحتاجين وتآمين احتياجاتهم المعيشية، ثم تعليمهم وتطوير ذواتهم ما يجعلهم أفضل خلقاً وذوقاً وأكثر تديناً من المسلم الذي يُشرح له الإسلام في جلسة شاي ثم يُترك لمواجهة مصيره. وكأن أعمال التبشير المسيحية قائمة على الحديث الشريف (الدين المعاملة)، بينما كان الإسلام أول من جسد ذلك خلال السنوات الطويلة التي عاشها النبي عليه السلام في مكة ونزل خلالها أغلب آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن الأخلاق والإيمانيات أكثر مما جاءت به من أحكام وتشريعات، وعلمت بالقدوة وحسن الخلق أعظم المعاني. إننا بحاجة لإعادة النظر في العمل الدعوي الإسلامي وتتبع مخرجاته السريعة وهل أضاف لها الإسلام قيماً ؟ وهل ستضيف للإسلام؟ أم ستبقى أرقاماً تسجل في إحصاءات مكاتب الدعوة لا نعرف حقيقتها. في مثل هذه الأيام من العام الماضي كتب الأمريكيون بإعجاب عن مبتعث لم ينه دراسته بامتياز، بل إنه لم يحصل على الشهادة التي سافر من أجلها، لكنه حصل على شهادة من نوع آخر لا يمنحها البشر، ولا يستحقها إلا رجل من طينة مشاري السريحي الحربي، الذي استشهد نبيلاً كما عاش، وحصد بفضل شهامته أيضا شهادات التقدير والعرفان من الضباط والإعلاميين والأسر الأمريكية، وقدم بعض منهم لمواساة أسرته في المملكة في فقده بعد أن شاهدوا صورة بطولية صادقة لشاب عربي مسلم ملتزم ومتفوق قدم من حيث قبلة المسلمين للدراسة، لكنه لم يتوان في التضحية بنفسه لإنقاد أب وابنه يغرقان في مياه متجمدة إيمانا منه بقيم الإسلام وأخلاقه ورحمته ورسالته الإنسانية العظيمة. رحم الله هذا البطل الذي ملك فهماً عميقاً للإسلام الذي حث على إغاثة ونجدة الكائنات الحية، فضلاً عن الإنسان الذي كرمه الله، وقبل ذلك كان محافظاً على الصلاة وداعياً إليها بين أقرانه، هذا الفهم الذي كان من الأولى أن نتبنى الدعوة إليه في أوساط المسلمين قبل غيرهم. السريحي يرحمه الله وغيره من المتدينين بحق هم الواجهة الحضارية التي يجب أن تُبرَز لتبديد الصورة المشوهة للإسلام التي لا تمنع فقط بعض الخدم المقيمين لدينا من اعتناق الإسلام وإنما تمنع ملايين الباحثين عن الروحانية في مختلف بلدان العالم، وأقصد تلك الصورة التي ارتبطت بالإرهاب أو الطائفية أو الإنفلات والشهوانية، ما عزز عزلتنا وتوجس الشعوب الأخرى منا، حتى أن كثيرا من شبابنا صدّق هذا التصور. أتمنى على جمعياتنا ومكاتبنا الدعوية الكف عن إرسال هذه الأعداد وإبلاغنا بما تقدمه للتعريف بالإسلام والارتقاء بأخلاق وشخصية المسلم، و نشر ما أضافوه لأمتهم التي أعلنوا الانتماء إليها، وعلى الجهات المختصة مراقبة صدقية ما تعلنه الجهات الدعوية .. وكل عام وأنتم بخير.