اعتنقت الدكتورة لينا لارسن رئيس المجلس الإسلامي الأسبق بالنرويج الإسلام منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً ومن وقتها نذرت نفسها للدعوة والدفاع عن في الإسلام داخل النرويج وفي كل المحافل الدولية في الغرب وخارجه، وكانت أول امرأة في العالم تتولى منصب رئيس لمجلس إسلامي، وخلال توليها لهذه المهمة مثلت حلقة الوصل الفاعلة بين المسلمين وحكومة النرويج حيث استطاعت انتزاع اعتراف رسمي من الحكومة النرويجية باعتبار الدين الإسلامي الديانة الرسمية الثانية بالنرويج، وكان لها دور فعال في دفع مسيرة الحوار بين الإسلام والغرب، خاصة في النرويج فقد ساهمت في إنشاء تحالف أوسلو لحرية الأديان بالمركز النرويجي لحقوق الإنسان وتم اختيارها كمنسقة له نظرا لما قامت به في دعوة المؤمنين بالأديان سواء السماوية أو الوضعية إلى ضرورة التعايش السلمي والحوار البناء. وفي حوارها مع "الرسالة" أثارت لارسن العديد من القضايا الملحة المتعلقة بأحوال المسلمين في النرويج خاصة وفي الغرب بشكل عام وأهم المشكلات التي يواجهها المسلمون هناك قصة إسلامي كيف بدأت رحلتك للتعرف على الإسلام؟ اعتنقت الإسلام منذ أكثر من 25 عاماً وكان وقتها عمري 17 سنة وكنت مسيحية وكان إسلامي على يد امرأة مسلمة، رأيتها ذات يوم تصلي المغرب، ولم أكن أعرف ما هي الصلاة، فسألتها: ماذا تفعلين؟ فقالت: إنني أصلي لله تعالى، فأعدت عليها السؤال: ما هي الصلاة؟ وأي دين تتبعين؟ فأجابتني: إنني مسلمة، وهذه هي فريضة الصلاة على كل مسلم وأخذت تشرح لي ما هو الإسلام، والصلاة، والكثير من السلوكيات الايجابية التي يأمر بها الإسلام أتباعه، ثم اتجهت من يومها إلى القراءة عن الإسلام في الكتب، وعندما قرأت ما جاء به القرآن وأحاديث الرسول أعلنت يومها أنني على هذا الدين مهما واجهت من صعاب، وكنت أول سيدة مسلمة في العالم أتولى منصب رئيسة المجلس الإسلامي بالنرويج على مدار عامين متتاليين، وكنت أيضاً أول مفتية للمسلمين في الغرب. هل وجدت معارضة داخل محيط أسرتك أثناء اعتناقك الإسلام؟ أفراد أسرتي لم يعترضوا على اعتناقي الإسلام لأن في أوروبا الناس يقدسون الحريات ومنها الحرية الدينية، حتى إنه لا يوجد إنسان يقول لأبنائه وزوجته تعالوا للكنيسة أو العبادة، وعشت مع أسرتي وأنا كنت أعترض على أنواع معينة من الطعام وكنت أرفض تناولها مثل لحم الخنزير، وهم أيضا أي أعضاء الأسرة اعترضوا على ارتدائي للحجاب وبالرغم من ذلك أصررت على موقفي بحجة أنه حرية ولا أحد يستطيع سلبي هذه الحرية. حجاب المسلمة الغربية تثار من وقت لأخر قضية حجاب المرأة المسلمة في الغرب حتى باتت المسلمة مهددة في دينها وحياتها الاجتماعية بسبب حجابها فكيف ترين هذا الأمر؟ أنا ضد خلع الحجاب لأي سبب من الأسباب لأنه العنوان المميز للمرأة المسلمة، وبالنسبة لي فمنذ إسلامي وأنا أرتديه، رغم فتوى بعض العلماء بإباحة خلع الحجاب إذا أصبح مصدراً للمضايقات أو الخطر، وهناك معلومة خاطئة وهي أن الإسلام فقط هو الذي يأمر المرأة بارتداء الحجاب، الملتزمات من المسيحيات واليهوديات يرتدين أغطية رأس تشبه حجاب المسلمة وهن منتشرات في أوروبا ولا يواجهن أي مضايقات، لذلك دائماً أنصح النساء بألاّ يغيرن سلوكهن أو يخلعن حجابهن بحجة تجنب الاضطهاد، وقد ألفت كتاباً بعنوان "الحوار بالحجاب ومن غير الحجاب"، وترجم إلى لغات عدة ولاقى قبولاً وسط المفكرين والمستشرقين، وسجل الكتاب أعلى معدلات بيع بالنسبة للكتب الإسلامية الموجودة في النرويج وقتذاك، إذ تخطت مبيعاته خمسة ملايين نسخة، ما جعل القائمين على هيئة الإذاعة والتلفزيون النرويجية لدعوتي إلى تقديم برنامج أسبوعي يشرح ماهية الإسلام. دور المجلس الإسلامي ما أبرز الخدمات التي يقدمها المجلس الإسلامي بالنرويج للمسلمين؟ المجلس الإسلامي هو الجهة الرئيسة المتحدثة باسم المسلمين في النرويج، كما أن المجلس يضم أكثر من 120 جمعية ومركزاً إسلامياً، وتتشكل به هيئة سياسية للمشاركة مع الحكومة للمطالبة بحقوق المسلمين، كما تعمل على تثقيف المسلم اجتماعياً وثقافياً وعلمياً ودينياً، كما أن للمجلس الإسلامي مقعداً في البرلمان النرويجي يعمل على تعميق الدين بأخلاق عصرية دعوية تناسب طبيعة الحياة في الغرب. المجلس الإسلامي في النرويج من المجالس الحديثة التي أُنشئت خلال السنوات الأخيرة وتُجرى الانتخابات به كل أربعة أعوام، وبُني على أنقاض الرابطة الإسلامية التي كانت ترأس من قبل الجمعيات الإسلامية، والحمد لله أنني كنت أول سيدة مسلمة تتولى رئاسة هذا المجلس وترأسته على مدار سنتين قدمت خلالهما العديد من الخدمات، ووفقنا في إقناع القاعدة السياسية بالاستماع لمطالبنا، وحصلنا على الاعتراف بأن الدين الإسلامي يمثل الدين الثاني في البلاد، وكنت في هذه الأمور همزة الوصل بين المسلمين الذين أعبر عنهم وبين الجهات الرسمية وغير الرسمية، وقد شهدت تلك الفترة اعتناق كثير من النرويجيين للإسلام والحمد لله وكان سر الإقبال الشديد على دخول الإسلام أنني فهمت حقيقة الرفق في الدعوة الإسلامية والتي عرفتها من خلال قراءاتي في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والخلفاء الراشدين فعرفت المعنى الحقيقي لقوله تعالى: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ" وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه" وكان لهذا التطبيق العملي لمعنى "الرفق" مفعول السحر أثناء الدروس الدينية التي كنت ألقيها أمام الناس وكانت تحضرها نساء غير مسلمات وعندما تقتنع إحداهن لا أط\لب منها ارتداء الحجاب فور نطقها بالشهادة بل أعطيها فرصة لتوفيق أوضاعها في العمل والأسرة حتى تصل إلى درجة الاقتناع التام فإذا بها ترتدي الحجاب بقرار ذاتي. هل تقومين بالفتوى كما تقومين بالدعوة؟ إذا طلب مني رد شرعي في الأمور الحياتية أرجعه إلى بعض الدعاة الثقات، وأحياناً تُطلب مني فتاوى خاصة فأقوم بمراجعة الكتب الشرعية وقراءتها بنصها مع شرح توضيحي لها، والمفتي الفقيه العصري هو المعضلة التي يواجهها المسلمون في الغرب، إذ إن أغلبية المسلمين يعتمدون على الفتاوى الوافدة إلينا من الشرق، التي نرفضها لأنها في كثير من الأحيان لا تتفهم واقعنا، فنحن في حاجة إلى المفتي الأوروبي المعايش لواقعنا وأن يطبق فينا فقه الواقع. جهل بعض الدعاة كيف تشخصين حال الدعوة سواء داخل أوروبا أو خارجها؟ حال الدعوة يحزننا كثيراً فهناك دعاة بسبب جهلهم وعدم تمكنهم من الدين الصحيح أضاعوا على الإسلام فرصاً كبيرة في كسب أتباع جدد، وبخاصة الدعاة الذين يتم إرسالهم إلى أوروبا فهم ليسوا مؤهلين بالقدر الكافي لتولي أمور الدعوة، كما أنهم غير دارسين للتاريخ أو علم النفس أو علم الاجتماع، وليس لديهم أي معلومات عن المجتمع الغربي وعاداته، وعلى الجانب الآخر هناك الدعاة الجدد الذين نجحوا في صياغة أجندة جديدة لفهم الإسلام، نظراً إلى انغماسهم في الواقع الغربي وإلمامهم بالواقع الشرقي للمسلمين إلى جانب أنهم استحدثوا وسائل جديدة للدعوة، وأنا أرجع نجاحهم إلى أنهم دعاة أحرار، بمعنى أنهم ليسوا تابعين لجهة أو مؤسسة، لذا فنحن بصدد تدريب أبناء المسلمين والمهاجرين الواعين على أمور الدعوة، لأننا نراهم أقدر على تولي الدعوة في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها. هل ترين في ظاهرة الدعاة الجدد ظاهرة صحية ومفيدة للمسلمين سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب؟ أؤيد هؤلاء الدعاة لأنهم ظاهرة طيبة تستحق التشجيع، وهم دعاة موهوبون لديهم القدرة الفائقة على فهم ما يحتاج إليه الناس وبالتالي فهم يتحدثون في قضايا تهم المجتمع خاصة الأخذ بأيدي الشباب وتعريفهم بالإسلام الصحيح، لكن يجب على هؤلاء ألا يثيروا قضايا خلافية حرصا على وحدة المسلمين، وأن ينصب نشاطهم على التعريف بمحاسن الإسلام، والقيم النافعة التي جاء بها وأثرها في حياة الفرد والمجتمع، ونحن حقيقة نحتاج إلى الداعية العصري القادر على فهم الواقع وعلاج المشكلات الحياتية التي يعاني منها المسلمون بأسلوب مبتكر وجذاب. كيف تخدمين دينك خاصة في ظل ما يتعرض له الإسلام الآن من حملات للتشويه في المجتمع الأوروبي؟ نذرت حياتي للدعوة إلى الله تعالى وتعلمت اللغة العربية من أجل قراءة الكتب والمؤلفات العربية وغيرها من مصادر الثقافة الإسلامية التي أحصل منها على المعلومة الدينية، وخلال فترة رئاستي للمجلس الإسلامي قدمت العديد من الخدمات للمسلمين، وساعدني على ذلك كوني نرويجية الأصل وأتفهم ظروف المجتمع وثقافته، أيضا ربما أكون المرأة الوحيدة في تاريخ العالم التي تتولى رئاسة مجلس بهذا الشكل، ولتجديد الدماء وإفساح المجال أمام الأفكار الجديدة في خدمة الدعوة والمسلمين في النرويج رفضت إعادة انتخابي مرة أخرى، رغم إصرار المسلمين هناك على أن أتولى مسؤولية المجلس مرة أخرى، وأنا الآن أعمل كناشطة بالرابطة الإسلامية بالنرويج وأقوم بتدريس العلوم الشرعية للنساء المسلمات في المساجد وتثقيفهن إسلاميا، أيضا أقوم بترجمة بعض الكتب الإسلامية للغة النرويجية، فضلا عن عملي كباحثة بالدراسات الإسلامية في جامعة أوسلو، لكن كل شغلي الشاغل هو تبليغ الدعوة الإسلامية التي كرست لها حياتي منذ أن اعتنقت الإسلام لان الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الأنبياء، فالمرأة مثلها مثل الرجل مطالبة بتبليغ كلمة الإسلام والدعوة بالحسنى. المرأة الداعية هل ترين فكرة المرأة الداعية فكرة ناجحة خاصة في الغرب؟ الرجل والمرأة مطالبان بتبليغ رسالة الإسلام، وبالتالي فإن المرأة عندما ترشد النساء وتعلمهن فهذا عمل عظيم ونحتاج نحن المسلمين لعمل المرأة في الدعوة وبيان أحكام الإسلام للنساء كما كن يفعلن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا والحمد لله أقوم بهذا الدور في مساجد النرويج، فالمسجد في النرويج يلعب دورا كبيرا لتجمع المسلمين والمسلمات وهو الرابطة الوحيدة التي تجمع المسلمين الذين يمثلون أقلية ضعيفة لا يتجاوز عددهم 140 ألف مسلم، وكافة شؤون حياتهم الدينية والدنيوية تتم في المسجد، ففيه يتم الزواج والطلاق وتلقي دروس العلم والفقه، وأنا أقوم بإلقاء مواعظ وتوجيه للنساء ودوري هو دور تثقيفي للمسلمات، ولكن لا أفتي لأنني غير مؤهلة للفتوى، وعندما تعرض علي بعض الأسئلة من النساء وكثيرا ما يحدث هذا، أقوم بالرد عليهن من خلال الكتب التي وضعها علماء المسلمين في فتاوى المرأة وأقرأ لهن الفتوى بنصها، ذلك لان واقع المسلم في الغرب يحتاج إلى ذلك العالم الفقيه الذي يستطيع قراءة وفهم النصوص الدينية بوعي وبصيرة، حتى يمكنه إسقاط هذا الحكم على الواقع. التشويه الغربي للإسلام في رأيك ما الدافع وراء الحملات التي تشنها بعض وسائل الإعلام والصحافة في أوروبا ضد الإسلام والإساءة للرسول الكريم؟ الغرب عموما يقدس شيئا اسمه الحرية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا توجد في الغرب ثوابت حتى في المسيحية، نجد أنهم يسيئون للسيد المسيح عليه السلام، فمنظومة الثوابت الدينية والأخلاقية عندهم مختلة، وأرى أن مواجهة الحملة المسيئة للرسول تكون عن طريق الحوار الهادئ، وبالتالي فالعالم الإسلامي مطالب بتفعيل الحوار مع الغرب وبناء جسور من التواصل بينهما من خلال إبراز الدور الذي لعبته الحضارة الإسلامية وروادها في مختلف المجالات، وكذلك بيان موقف الإسلام من كثير من القضايا التي يخاف منها الغرب وتوجد لديه معلومات خاطئة عن الإسلام في هذا الخصوص، مثل موضوع الإرهاب، للأسف نجد كثيرا من الناس يعتقدون أن الإسلام يدعو أتباعه إلى التشدد والإرهاب وكراهية غير المسلمين وكراهية الحضارة الغربية، وبالتالي فإن رد الفعل هو كراهية الإسلام والخوف منه، ومن الضروري أن يعمل المسلمون على بيان موقف الشريعة الإسلامية من الآخر، ومن الإرهاب والتعايش السلمي بين الحضارات وذلك من خلال الحوار،وعلى صعيدي الشخصي في دفع مسيرة الحوار فقد ساهمت في إنشاء تحالف أوسلو لحرية الأديان بالمركز النرويجي لحقوق الإنسان وتم اختياري كمنسقة له نظرا لما قمت به في دعوة المؤمنين بالأديان سواء السماوية أو الوضعية إلى ضرورة التعايش السلمي والحوار البناء، في حل أي مشكلة وضرورة احترام كل منهم للآخر باعتبار الجميع أشقاء في الإنسانية، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يجبر الآخرين على ترك دينه أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال لأن كل إنسان دينه عزيز عليه وإلا ما آمن به ودافع عنه. الغرب يفتقد الداعية الإسلامي المسلح بالعلم المنفتح على ثقافة الآخر وابانت لارسن افتقار الغرب للداعية الواعي المثقف، وقالت: مشكلة الدعوة هي أكبر المشكلات التي تواجه المسلمين في بلادنا في الوقت الحالي، فالنرويج بلد متقدم والدعوة فيه تحتاج إلى دعاة مؤهلين وأكفاء، لكن للأسف نلاحظ أن مستوى الدعاة الذين يأتوننا من العالم الإسلامي خاصة في شهر رمضان غير الذي كنا نتوقعه، وهذا يؤكد تراجع دور المؤسسات الدعوية في العالم الإسلامي وعدم قدرتها على بناء الداعية الإسلامي العصري القادر على القيام بأعباء الدعوة في عصر العولمة، ومن هنا فإننا نطالب الدعاة المسلمين الذين يأتون إلى أوروبا سواء كانوا من العالم العربي أو الإسلامي بالإلمام بثقافة الآخر، بجانب معرفتهم بفقه المقاصد وربطه بالواقع والمستجدات العصرية والاعتماد على عرض جوانب من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية كأمثلة على صدق رسالة الإسلام وكوسيلة من وسائل الإقناع، خاصة أن الغرب يقدس العلم والعقل، فضلا عن الإلمام بقوانين وثقافة البلد الذي يذهبون إليه لتبليغ واجب الدعوة إلى الله عز وجل، وأنبه إلى أن المجتمعات الغربية تمثل الآن أرضا خصبة لنشر الإسلام بالرغم من حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام هناك، شريطة وجود الدعاة المؤهلين لحمل أمانة الدعوة وتبليغها ، لذلك نجد أن دولة مثل النرويج لا تحبذ كثيرا استقدام دعاة من العالم الإسلامي، بل إن الدولة تقيم معاهد خاصة للدعاة من المسلمين وغيرهم من أبناء البلد ليتلقوا من خلالها برامج خاصة في الدين لأن الفكرة الشائعة أن هؤلاء الدعاة الذين يأتون من الخارج يعملون على نشر الإرهاب، وأيا كان الأمر ففي النرويج هناك حرية دينية كبيرة وللأسف المشكلة لدينا في ندرة الدعاة المؤهلين للدعوة في هذه المجتمعات.