مشاري بن صالح العفالق - اليوم السعودية قبل أسابيع كتبت الصحف الأمريكية بإعجاب عن بطولة وشهامة شاب أصيل كوطنه الذي مشى على ترابه الأنبياء والقادة، ثم احتضن آخر الرسالات السماوية التي حولت البشر من سيطرة الخرافات إلى تحكيم العقل والمنطق، هذا الشاب السعودي اقترح أن تدرس حكايته في المناهج الدراسية، ويسمى أحد الشوارع القريبة للسفارة الأمريكية باسمه. وبرغم كل ما قيل وكتب عنه من إعجاب فهو مبتعث لم ينه دراسته بامتياز، بل إنه لم يحصل على الشهادة التي سافر من أجلها، لكنه حصل على شهادة من نوع آخر لا يمنحها البشر، ولا يستحقها إلا رجل من طينة المبتعث مشاري السريحي الحربي، الذي استشهد نبيلاً كما عاش، وحصد بفضل شهامته أيضا شهادات التقدير والعرفان من الضباط والإعلاميين والأسر الأمريكية، وقدم بعض منهم لمواساة أسرته في المملكة في فقده بعد أن شاهدوا صورة بطولية صادقة لشاب عربي مسلم ملتزم ومتفوق قدم من حيث قبلة المسلمين للدراسة، لكنه لم يتوان في التضحية بنفسه لإنقاد أب وابنه يغرقان في مياه متجمدة إيمانا منه بقيم الإسلام وأخلاقه ورحمته ورسالته الإنسانية العظيمة. تقديم المسلم بصورة الإرهابي أو الطائفي الذي يدهس أخاه بدم بارد، أو ترسيخ صورة العربي المنفلت عن خلقه والغارق في غرائزه، سلاح خطير ساهم في بقائنا في حالة من التوجس والعزلة من الشعوب الأخرى، وصدق كثير من شبابنا هذا التصور مما عزز الانفصام عن تاريخنا ثم التدني في الحضارة، وهو دليل على وعي الآخر بالقوة التي تحدثها صورة الإسلام الحقيقية الناصعة بالأخلاق لو تحلى بها أبناؤه، وخير مثال الراحل مشاري الذي أسر قلوب آلاف الأمريكيين بإنسانيته وشجاعته. رحم الله هذا البطل الذي كانت آخر توصياته لقريبه بالمحافظة على الصلاة، ثم عرض نفسه للهلاك لإنقاذ طفل يستنجده ثم ضحى بنفسه، وهو يحاول إنقاذ أبيه، دون أن يسأل عن دينه أو طائفته أو هويته، ليقدم فهما عميقا للإسلام الذي حث على إغاثة ونجدة الكائنات الحية فضلاً عن الإنسان الذي كرمه الله. أتأمل تفاصيل هذه القصة بمشاعر يختلط فيها الحزن على فقد هذا الشاب العظيم، والاغتباط بوجود شبان سعوديين على هذا القدر من المسئولية والالتزام والرقي الحضاري، ولربما هذه الحادثة جاءت لتنبهنا إلى أن معركتنا الحقيقية هي معركة حضارية وأخلاقية بالدرجة الأولى قبل أن تكون معركة تسلح مادي وتقني. تقديم المسلم بصورة الإرهابي أو الطائفي الذي يقتل أخاه بدمٍ بارد، أو ترسيخ صورة العربي المنفلت عن خلقه والغارق في غرائزه، سلاحٌ خطيرٌ ساهم في إبقائنا في عزلة وإحاطتنا بحال من التوجس لدى الشعوب الأخرى، وصدّق كثيرٌ من شبابنا هذا التصور؛ مما عزز الانفصام عن تاريخنا ثم التدني في قيمنا الحضارية، وهو دليل أيضاً على وعي الآخر بالقوة التي تحدثها صورة الإسلام الحقيقية الناصعة بالأخلاق لو تحلى بها أبناؤه، وخير مثال الراحل مشاري الذي أسر قلوب آلاف الأمريكيين بإنسانيته وشجاعته. وهو أيضا ما يفسر تشويه الإسلام بدءًا من تعليمه باعتباره فروضا جافة تحتاج لمطاردة الآخرين بالعصا لأدائها، أو تجهيل المجتمع بحجة سد الذرائع، وسلب روح المبادرة وإشاعة السلبية، وإخضاع الدين للسياسة وإذكاء الروح الطائفية لتبيح الغدر والخيانة والقتل وكل الأخلاق السيئة التي لا يرضى بها الإنسان النقي أياً كان دينه أو مذهبه أو عرقه. وفي المقابل تأتيني رسائل من مكاتب توعية الجاليات تبشر بإسلام (50 نفرا) هذا الأسبوع، و(200 نفر) هذا الشهر، جهود مشكورة، ومثلها في إفريقيا وآسيا -أجرها عند الله-، لكنها غالبا تستند على إقناع (وقتي) لغير المسلم بسلامة العقيدة الإسلامية ثم شرح لتأدية الفروض، لينتهي الأمر به إما مرتداً أو عدداً مضافاً على أعداد ضعاف النفوس والاخلاق من المسلمين، وكأننا نبحث عن الكم دون النظر للكيف؟ ثم تبهرنا الجاليات المسيحية في مختلف أنحاء العالم لأنها أرقى أخلاقاً وتحضراً بعد أن صرفت عليهم الكنائس الأموال الطائلة لتعليمهم الذوق والأخلاق والقيم ثم الدين. أتساءل ألم يرتكز الإسلام قبيل ظهوره على أخلاق وشهامة العرب الرفيعة، ثم جاءت الدعوة المكية المطولة لتكرس مبادئ العدالة وحسن الخلق والقيم الإيمانية قبل الدعوة للعبادات وشرح الفروض، تمهيداً لانطلاق حضارة عظيمة لا تقهر، فلماذا لا نستثمر الأموال والجهود التوعوية والتربوية لنكرس تكاملياً القيم الإيمانية والأخلاقية والحضارية، وأخيراً لنبق أوفياء لمشاري الذي ضحى بروحه ليحيي صورة مشرقة لشاب مسلم معاصر يدين له الأمريكيون بالعرفان ونحن أيضا.. تحياتي،،