أصبح من الصعب على بعض الشباب التفريق بين مفهوم الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين إثارة الفتنة والتطاول على النساء وتشويه الفعاليات والمناسبات الوطنية التي باتت محط أنظار المحبين والشامتين في ذات الوقت. قبل أيام أثار هؤلاء المتعصبون مستعينين ببعض الفتاوى التي صدرت ربما دون تثبت ووصل الأمر إلى الترويج بأن ما يحدث في هذا العرس الوطني الثقافي أشبه بملاه ليلية، وتم تضخيم بعض الشائعات وفبركة صور .. إلخ من التصرفات لتبرير أفعال الشغب التي قاموا بها وهي بعيدة كل البعد عن روح وتعاليم الإسلام. وكان الأمير متعب بن عبد الله بصفته المشرف العام على المهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية 27)، أكد ضبط حوالي 40 شخصا من المحتسبين اتضح بعد التحقيق معهم ومناقشتهم أن ليس لديهم علم أو دراية بما يفعلون ، بل كانوا يسعون لخلق فتنة على حد تعبيره. وما يجري في الجنادرية يجري في أنحاء كثيرة من المملكة يؤكد أن البعض يعتقد أن إثارة الشغب في أي محفل يُسمح للأسر أن تزوره أمر يدعو له الإسلام وكأن المرأة منذ صدر الإسلام وإلى زمن قريب لم تعمل في الأسواق ولم تشارك الرجل في الأماكن العامة وحتى الدينية وفي مقدمتها الحرمان الشريفان، ولم يقلل ذلك من حرمة المكان ولم يتسبب في إغواء المصلين، بل إن هذا الإجراء كان له حسنات من بينها الإحساس بالمرأة باعتبارها كيان يستحق الاحترام بما تقدمه من عمل أو عبادة ولا يرتبط فقط بالجنس. إذا كانت هذه التصرفات المتكررة تحت ذريعة الاحتساب تظهر بهذا النطاق الواسع في مهرجان وطني تراثي ثقافي هو واجهة وطنية بحجم الجنادية فكيف يكون الحال في المناسبات الأقل حجماً أو تلك التي لم تلق التغطية الإعلامية المماثلة، وهل يحق لكائن من كان أن يتذرع بالاحتساب لإثارة الفتن أو تخريب تلك المناسبات أو تجريم الآخرين وإثارة الشبهات حول أية جهة دون دليل مقنع، ثم يمضي إلى منزله دون أن يُحاسب؟ وإذا كانت هذه التصرفات المتكررة تحت ذريعة الاحتساب تظهر بهذا النطاق الواسع في مهرجان وطني تراثي ثقافي هو واجهة وطنية بحجم الجنادرية فكيف يكون الحال في المناسبات الأقل حجماً أو تلك التي لم تلق التغطية الإعلامية المماثلة، وهل يحق لكائن من كان أن يتذرع بالاحتساب لإثارة الفتن أو تخريب تلك المناسبات أو تجريم الآخرين وإثارة الشبهات حول أية جهة دون دليل مقنع، ثم يمضي إلى منزله دون أن يُحاسب. وما أن انتهت حوادث الجنادرية حتى تعرضت رئيسة جمعية فتاة الأحساء الخيرية (التي قامت بأعمال خيرية خلال السنوات الماضية لا تحصى إلا في ميزان حسناتها بإذن الله لحادثة تعد من أحد مدعي الاحتساب الذي أخذ منها هاتفها الجوال وتهجم على القسم النسائي حتى أنه دخل إحدى الغرف التي عُلقت عليها لافتة تمنع الرجال من الدخول وكأن هذا الشخص لديه الحق باسم الحسبة في أن يتصرف كما يحلو له، ضارباً بالأنظمة والمحظورات عرض الحائط. ولعل الشيء المحبط من وجهة نظري أن يتم الدفاع عنه أو تبرير اعتدائه على سيدات أثناء قيامهن بعمل خيري مرخص نظامياً وتهديدهن، ثم مصادرة جوال شخصي وبما يحتويه من صور عائلية، ثم محاولة تفسير هذه التصرفات المؤسفة بأنه يقوم بأداء عمله. هذه الحوادث ليست الأولى ففي العام الماضي شهد معرض الرياض الدولي للكتاب تصرفات مشابهة حينما انتشرت مجموعات من الشباب المنظمين الذي قدموا أنفسهم بأنهم محتسبون، ثم أساءوا للزوار ودور النشر وأحدثوا ضجة في الممرات ما تسبب في هرع العوائل في أول أيام المعرض، ثم اقتحموا غرفة مخصصة للتصوير التلفزيوني أثناء البث المباشر، ولاحقوا المسؤولين ثم تلفظوا بألفاظ جارحة بحق رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين تصرفوا بطريقة متحضرة مع المعرض الأخير. هذه الحوادث وغيرها مرشحة للظهور مجدداً في معرض الرياض للكتاب وهو على الأبواب، وكذلك مرشحة للظهور في أماكن أخرى ما لم يتم إيضاح صلاحيات أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإلزامهم بوضع بطاقة تعريف واضحة وألا يقوم أي مدني باتخاذ إجراءات تنفيذية وإنما تحال القضايا المطلوب التحقيق فيها لجهات أمنية مختصة. وقبل هذا لابد أن يتم إقرار تعريف واضح ومعلن من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفرق مفهوم الاحتساب وحدوده وبين التصرف دون رادع وإثارة الفتنة والتطاول على الأسر أو تشويه المناسبات الوطنية، وإعلان العقوبات المنتظر إيقاعها على المتجاوزين، لضمان استمرار هذه العبادة الدينية بصورة لا تمس كرامة الناس أو تشوه صورة الإسلام في زمن تظهر فيه التعاملات الأجنبية المقننة بصورة متحضرة أبهرت كثيرا من شبابنا الذي لا تتوافر له فرص الاندماج في فعاليات المجتمع إلا ما رحم ربي .. تحياتي.