خطاب ملك البلاد مهّد لقرار الإعلان بالقول نصاً "وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه". فما الذي تغير فعلاً؟ من يلحظ المشهد السعودي في العقد الأخير، سينتبه إلى التصاعد التدريجي في موضوع المرأة وتفاصيلها، وسيلحظ أنها كانت القضية الأولى في ملفات خلافية عدة داخل المجتمع، وموقع تنازع بين التيارات الفكرية، وبلغت المعركة الفكرية أقسى درجات العنف، ولا أكثر من موضوع تخوين المواطن لمجرد خلاف فكري، وذلك ما كان يحدث في موضوع المرأة تحديداً. على مدى عقد، تركز الحديث عن المرأة في موضوعات لم يكن بينها الشق السياسي. حديث عن المشاركة في التنمية، وعن الحقوق الشرعية، والقضايا الأسرية، وتوسيع دائرة التوظيف خارج التمريض والتعليم، وقيادة السيارة، وأشياء عدة كانت تقف أمامها جميعاً خلافات فكرية داخل المجتمع، وحرص رسمي على تجنب الخوض في الخلاف بحسم القرار لصالح طرف على حساب آخر، ولذا كانت تصدر التصريحات الرسمية بمفهوم واحد يرمى الكرة في ملعب المجتمع. اليوم كان القرار سياسياً في رؤيته واتخاذه، مستنداً على رأي فقهي فحسم أمره بجواز المشاركة في العملية السياسية، فيما بلدان خليجية رائدة في التنمية وفي كل ما يعني المرأة، لم تحسم قرار المشاركة السياسية إلا بعد مرور عقود طويلة على تحقيقها معظم مطالبها مختلف المجالات. القرار الجديد استبق قرارات أخرى منتظرة ومتوقع حسمها، وجميعها بعيد عن المجال السياسي، الأكثر خلافاً في التراث الإسلامي. الخلافات حول المرأة تبرز في الشأن السياسي عند مختلف المدارس الإسلامية، بعكس الشؤون الأخرى، ومع ذلك كان القرار جريئاً في الاعتراف بحقها المشاركة في الانتخاب وفي التشريع. ومن يتأمل في مسيرة المرأة السعودية، سيجد أنها خاضت معارك طويلة في المطالبة بتحصيل كل ما ينقصها، فنالت الكثير مما أرادت، واليوم تسعى لتحقيق الكثير مما تريد. وما فتح المجال السياسي أمامها إلا إشارة صريحة إلى قرب تحقيق الكثير من المطالب المتبقية خارج السياسة، فهي أهون كثيراً عند الحديث عن الخلافات الفقهية حول المرأة.