تواجه المرأة السعودية مشكلة كبرى في اشتراط مرافقة المحرم لها في السفر والتنقل، ولاسيما الطالبة المبتعثة للدراسة في الخارج، فاشتراط مرافقة محرم لها، سبِّب حرمان الكثيرات من إكمال دراساتهنّ العليا في كُبريات الجامعات العالمية، وقد يحققن إنجازات علمية كبرى، «فليس لكل النساء محارم» (كما قالت أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- عندما أرادت الذهاب للحج، وليس لديها محرم)، وإن وجد المحارم فهل ظروفهم تسمح لمرافقة بناتهم، أو أخواتهم؟ ولقد بحث الفقهاء هذا الموضوع عند تعرضهم لوجوب الحج على النساء، مع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة بغير محرم، فمنهم مَن تمسَّك بظاهر الأحاديث المذكورة، فمنع سفرها بغير المحرم، ولو كان لفريضة الحج، ولم يستثنِ من هذا الحكم صورة من الصور. ومنهم مَن استثنى العجوز التي لا تشتهى، كما نُقل عن القاضي أبي الوليد الياجي، ومنهم مَن استثنى من ذلك ما إذا كانت المرأة مع نسوة ثقات، بل اكتفى بعضهم بحُرَّة مسلمة ثقة، ومنهم مَن اكتفى بأمن الطريق، وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.. وبالتالي فإنَّ ما حُرِّم لذاته لا يُباح إلاَّ للضرورة، أمَّا ما حرم لسد الذريعة فيُباح للحاجة، ولا ريب أنَّ سفر المرأة بغير محرم ممَّا حُرِّم سدًا للذريعة. وقد أصدر فضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان عضو مجلس الشورى (سابقًا)، والمستشار بالديوان الملكي (حاليًّا) فتوى تجيز سفر المرأة بلا محرم، هو بهذا خالف إجماع هيئة كبار العلماء في السعودية، الذين يذهبون لحرمة سفر المرأة بلا محرم، وقال في حديث ل «قناة العربية»: «هناك من العلماء والأئمة الكبار الذين أفتوا بجواز سفر المرأة في زمن كانت وسائل النقل فيه هي الإبل، وغيرها من الدواب، ويقطعون الفيافي والصحارى، ومع هذا أجاز جمع من الأئمة أن تسافر المرأة من دون محرم إذا أمنت على نفسها»، وأورد حديثًا في صحيح البخاري يبيح للمرأة السفر بدون محرم في الزمن الذي يكون فيه العدل، وعدم الخوف، ووجود الأمن؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: (تُوشك الظعينة أن تسافر من مكة إلى صنعاء لا تخاف إلاّ الله والذئب على غنمها»؛ ولهذا أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بجواز سفر المرأة للحج من دون محرم إذا أمنت على نفسها. واستغرب فضيلة الشيخ العبيكان ممّن يحرّم سفر المرأة بدون محرم على الإطلاق متسائلًا: كيف يجيز من يقولون بذلك لأنفسهم استقدام خادمات من الخارج، ومن بلدان بعيدة بدون محرم، مشيرًا إلى التناقض العجيب في ذلك، لاسيما عندما يمنع مثل هؤلاء الخادمات من الحج بحجة أن ليس معها محرم، ناسيًا أنّه قد لا يتيسر لها الحج لو رجعت إلى موطنها، سواء كانت بمحرم، أو بدونه، في الوقت الذي يجيز فيه هؤلاء سفرها أصلًا من مسافات بعيدة بلا محرم لتعمل لديهم. وقال إنّ ديننا دين العقل والعلم، ولم يشرع الله عز وجل حكمًا عبثًا، فالشرع منزّه عن العبث، وما لا فائدة فيه، فإذا كانت المرأة معرضة للاعتداء في سيرها وحدها في طريق مظلم ليس به أحد، بل وربما في بيتها إذا كانت وحدها، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون معها في هذه الحالة محرم، فكيف يشترط البعض المحرم في السفر بالطائرة، ومع الأمن عليها؟ فإنّ هذا لا يتصوّر في هذه الشريعة المحكمة، موضحًا أنّ مَن يقول إنّه قد تختطف الطائرة، فإنّ محرم المرأة في هذه الحالة لو كان معها وقتها سيكون مختطفًا، ولن يستطيع عمل شيء. وأضاف: لو قلنا باشتراط المحرم بدون النظر للعلّة، ومع وجود الأمن لضيّقنا على الناس، و«أثّمنا» النساء المدرسات اللاتي يذهبن مع سائق كل يوم مسافات طويلة؛ ليقمن بالتدريس في بلدان بعيدة مع كثرتهن، ولضيّقنا كذلك على مَن يريد زوجته أن تسافر من مدينة لأخرى، وهناك مَن يستقبلها عندما يكون مرتبطًا بعمل. هذا وتعود فتوى الشيخ العبيكان لبحث فقهي منشور في موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت، حيث يقول: «إن ما خلص إليه كان أساسه فتوى قديمة له، ويعتبر جمعًا بين الأدلة، ونفيًا للتعارض بينها، كما أنَّه تتحقق به المصالح، وتدرأ به المفاسد، ويحصل التيسير على الأمة». ويؤيد الشيخ العبيكان في فتواه الدكتور سعود الفنيسان أستاذ التفسير وعميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، مؤكدًا أنّ الفتوى ليست بجديدة، وإنَّما سبقها عدة اجتهادات أجازت سفر المرأة بدون محرم، إذا توفر لها الأمن، وآزرها اجتهادات الشافعية والمالكية، وبعض أئمة الخلف مثل الحسن البصري، ومن المحدثين الشيخ عبدالرزاق عفيفي -رحمه الله- عضو هيئة كبار العلماء، واللجنة العليا للإفتاء بالسعودية، وقال: «إذا تحقق عنصر الأمان للمرأة في السفر، خاصة في وسائل النقل الكبيرة مثل الطائرات والقطارات، وكانت مدة السفر قليلة كما هو الحال اليوم، فأنا أرى أنّه لا بأس بسفرها في تلك الحالة بلا محرم». وأشار الفنيسان إلى أنّ «ابن البطال» قال في شرحه لحديث البخاري الذي استند إليه المحرمون إنّ هذا الحديث إنّما يشير للسفر الطويل، الذي تكون فيه المرأة وسط مجموعة كبيرة من الرجال الذين لا يؤمن مكر بعضهم، ويبيتون ليالى وأيامًا في السفر، وينامون مع بعضهم، فإنّ ذلك غير مأمون بالنسبة للمرأة، أمّا الآن فقد أصبح السفر أكثر أمنًا، وأقل كثيرًا في المدة». واستشهد على جواز الأمر بأنّ أم المؤمنين السيدة عائشة -رضي الله عنها- قد سافرت بلا محرم، وعندما كلمها أبو سعيد الخدري في ذلك، قالت له: أوَ كل النساء تجد محرمًا؟! إضافة إلى ذلك، فقد خرجت أمهات المؤمنين للحج بدون وجود محرم». واختتم كلامه قائلًا: «العلة ليست في السفر ذاته، وإنما في عنصر الأمن والسرعة المتحققين الآن في السفر، ولا داعي لإثارة الجدل حول فتوى العبيكان، فالرجل لم يأتِ بجديد». (إسلام أون لاين: الخميس 25 ديسمبر 2008م، تحقيق ياسر باعامر، وجمال سالم). وبناءً على ما سبق توضيحه، ولحل إشكالية الإقامة الآمنة لبناتنا المبتعثات للدراسة في الخارج، أرى أن تؤمن وزارة التعليم العالي سكنًا آمنًا لهنّ، بأن تستأجر للطالبات المُبتَعَثات سكنًا في المدن المُبتعثات إليها، وأن تحرص على جمع عدد من الطالبات للدراسة في مدينة واحدة، وتُعيّن مشرفات على سكن الطالبات، وبالتالي تكون طالباتنا تحت إشراف وزارة التعليم العالي طوال فترة دراستهن في الخارج.