الأسبوع الماضي لم يرق لغالبية القراء الأعزاء ما كتبته عن الجانب المهني لتغطية قناة الجزيرة لأحداث مصر، ولن أصادر حق أحد في الاختلاف مع ما طرحته، بل إنني أستفيد من كل تعليق على مقالتي. ما يحدث في الشارع المصري يجب أن يؤخذ بجدية من كل دول المنطقة، وما صاحبه من انقلاب العواصمالغربية على حلفائها يذكّرنا بموقفها من شاه إيران، والشباب هم حطب الثورات، ولهم حاجات ومطالب ويفكرون بطرق مختلفة عن المجتمع الأبوي، وعلينا أن نستمع لهم بصدق وأن نتعامل معهم بما يحترم عقلياتهم، ويستوعب حماسهم، وأن ننظر إليهم على أنهم جزء من العملية التنموية الشاملة وليسوا على هامشها. كما ينبغي أن نقترب أكثر من شبابنا وأن نطور أنظمتنا بما يستجيب للمتغيرات التي تلعب دورا حيويا في مجتمع الشباب، وأن نتأكد أن هؤلاء الشباب يتصلون من داخل غرف نومهم بمجتمعات وأقوام وأقران في هذا الكون ويقارنون بين واقعهم وما يعيشه غيرهم في المجتمعات الأكثر تقدما، ومن المهم أن ندرك بأن التحكم في المدخلات التي تشكّل قناعاتهم وتصوغ انتماءاتهم أصبح من الماضي وعلينا أن نتعامل بواقعية وأن نبادر إلى احتواء أبنائنا قبل أن يحتويهم غيرنا. وبالعودة إلى قناة الجزيرة فليس بخافٍ على المشاهد أنها دخلت طرفا في الصراع الجاري في مصر، وهي وإن انحازت للشارع فإنها قبل ذلك قد انحازت لمصلحة القائم على الرسالة الإعلامية، فالجزيرة ليست صدقة جارية، ولذلك فهي ليست متوازنة ولم تسمح بالرأي والرأي المخالف في تغطيتها، بل لاحظت ارتباك مذيعيها مع كل بادرة أمل في احتواء تداعيات الأزمة. الأمر المثير الآخر تمثل في تأليب الشيخ يوسف القرضاوي الرأي العام وحشد المناوئين للنظام إلى درجة الفتوى بأن الخروج يوم الجمعة للتظاهر هو واجب شرعي لا يجوز لأي قادر التخلف عنه، وربما أتفهم موقف الشيخ القرضاوي الذي أحترمه كثيرا - ولا أتوانى في تقبيل رأسه كلما قابلته، فله ثأر قديم مع النظام المصري، غير أنني لم أفهم موقف التلفزيون الذي نقل الخطبة كاملة، ونقلت منها قناة الجزيرة عدة مقاطع في نشراتها وتغطياتها. الشباب الذين بدأوا الثورة تنادوا عبر قنوات اتصال تفاعلية حديثة، وقد ظنت الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب أنهم مؤمنون بثقافة تلك الوسائل ولذلك اعتبرتهم امتدادا للقيم الغربية في المجتمعات العربية فرحبت بثورتهم، وخذلت واحداً من أهم وأخلص حلفائها في المنطقة.. وإذا كان الشباب وأمريكا والغرب والجزيرة والشيخ القرضاوي قد تقاطعت مصالحهم في الإطاحة بالنظام فإن من حق المتلقي أن يفتش عن تفسيرات لهذا التحالف. الجزيرة في خضم حماسها لتحقيق أهدافها في مصر تحولت عن دورها الإخباري المتوازن إلى التدخل السافر في توجيه الأحداث فهل ذلك من أجل عيون المواطن المصري، أم مجاملة للشيخ يوسف القرضاوي؟ أم أنها تحقق مصلحة القائمين عليها؟ أم هي تمارس عبثا إعلاميا مداده دماء وطموحات واستقرار واقتصاد المنطقة من أجل تحقيق مشاهدة عالية مستغلة الفرصة؟ مسألة حرية الإعلام هنا ومصداقيته وتجرده مسألة نسبية، ولكنها في لحظة حاسمة تتراجع ويظهر التحيز بوضوح من أجل تحقيق مصالح القائم على الرسالة الإعلامية، فماهي تلك المصالح؟ مآلات الأمور في الشارع المصري غير محسومة، وماتسفر عنه الأحداث سيكون له عواقب وخيمة، فالثورة التي بدأها الشباب بعفوية تلقفتها قيادات أكل الزمان عليها وشرب، وهي مؤدلجة إلى النخاع، وسيخرج الشباب بالملكية الفكرية للمبادرة، وسيختصم القوم على النتائج، فإذا عاد كل بغنيمته من الثورة، فبماذا ستعود قناة الجزيرة؟