لا يتغافل عاقل عن دور الإعلام المعاصر.. إنترنت وتفاصيل طرقه من بريد إلكتروني ويوتيوب وفيس بوك ومواقع وعن فاعليتها في الحرب والسلم والحياة العامة سلبا وإيجابا ودورها البارز في حركة التغيير الأخيرة في مصر الشقيقة، إلى درجة أن كثيرين عزوا ما حصل إلى جهد متواصل من الفضائيات ومتابعة تمادت فيها بعض هذه الفضائيات إلى درجة التحريض وعدم الحياد بصورة واضحة، مما ولد أمامنا سؤالا له فروع تتمحور في: كيف تفاعلت الفضائيات مع «الحدث»؟ والحدث هنا هو سقوط النظام وتنحي الرئيس مبارك في ثورة 25 يناير، كان سؤالنا المتشعب الذي طرحناه أمام خبراء الإعلام من ضيوفنا في هذا التحقيق. كيف تفاعلت الفضائيات مع الحدث وإلى أي مدى أثرت وتؤثر الفضائيات في تحقيق أهداف الجماهير في هكذا مواقف وهل ساهمت في صناعة ثقافة التعامل مع هذا الإعلام الحديث عند الشباب إلى درجة صناعة رموز من المنتفضين الشباب، مثل وائل غنيم في «ميدان التحرير» في القاهرة؟ أيضا عرجنا مع مستشاري الإعلام الكبار حول الوصول إلى هوية من هو المؤثر الأقوى في هذا «الحدث» وائل غنيم، أم الفضائيات الإخبارية بشكل عام؟ وخلصنا إلى أن الإعلام سيظل مرآة تعكس واقع المجتمعات والشعوب بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات، وجاءت ثورة شباب 25 يناير لتؤكد مجددا على دور البطولة للإعلام في تغيير أفكار وقناعات الناس وتحفيزهم على التعبير عن أحلامهم، بل وإلى قيادة الثورة. وهنا تفتح «عكاظ» ملف تقييم الأداء الإعلامي وفضائياته بصفة خاصة في تغطية ومعالجة ثورة 25 يناير، ودورها في تحفيز الجماهير.. من ناحيته، يقول الدكتور بدر أحمد كريم الخبير الإعلامي: اعتمدت النظرية التسلطية في الإعلام على: تضليل المتلقين وخداعهم، وبموجبها خضعت العملية الإعلامية لمناهج مدروسة وموجهة، تقوم على برامج وكوادر إعلامية وفنية وإدارية، لا يستهان بها، واستلم الإعلام وفقا لأحد خبرائه «مهماته التي أوكلت إليه، وسط أجواء تنذر بكل ما هو غير متوقع، وراح يتحرك باتجاه أهدافه التي رسمت له، وأريد له بها تحقيق الغزو الفكري، فهيج الجماهير وشحنها بشعارات براقة وفقد الإعلام كل الضوابط السياسية والأخلاقية والإعلامية». اليوم يعيد التاريخ نفسه، ها أنت تشاهد أكثر من قناة عربية تطبق النظرية نفسها بآلية وسعت بتشديد السين دائرة الخلافات العربية، وفرضت على من يزاولون مهنتهم الإعلامية الخضوع لقانون اسمه «قانون جمعية النفع العام» الذي يجعل الإعلام يقع تحت هيمنة جهة واحدة، رافعة شعار الرأي الواحد والوحيد، فعرضت بفتح العين والراء «انتفاضة 25 فبراير»، وحللتها من منظور ما تريد وما تشاء، طمعا في كسب المتلقين بما يذكرك بشعار «من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر» و«أخوك في العروبة» الذي أودى في النهاية إلى هزيمة ساحقة، وتجرع كؤوس المرارة. وظائف الإعلام المتبني نظرية التثوير والتحريض: قمعية، تعسفية، عدوانية، وهمجية، تسمعه، تقرأه، وتشاهده، فإذا هو قد تخلى عن المعالجات الإعلامية المتوازنة والمتزنة، وتحيز لمعسكر دون آخر ورأي دون آخر خاليا من الاعتدال، والوسطية، مرتديا حلة المصالح والغايات غير البريئة، مخضعا متلقيه لمعادلة الدكتور جيكل ومستر هايد، بكل ما تحمله من ازدواج في الشخصية. إن خطورة نظرية التثوير الإعلامي تكمن في: خداعها للمتلقين، تضليلهم، فرض وجهة نظر واحدة، اختراق الضوابط الإعلامية والأخلاقية، وإقصاء الرأي الآخر، وبذلك فإن هذه النظرية أقرب ما تكون إلى إعلان مقبوض الثمن منها إلى إعلام تنويري. التسلط هو نزعة إعلام التحريض والتثوير وتكريس سلطته ضد مؤسسات المجتمع المدني، وتسخير مقدراته لمصالح فردية، وهذا يعني تحوله من إعلام مسؤول إلى إعلام متطرف يلتمس الشرعية لنفسه في صورة قمع إعلامي وطغيان سياسي تسلطي وشعارات تمويهية، ولم يعد ذلك الإعلام الذي يدفع البلاد والعباد نحو مواقف تستمد قيمها من المجتمع، وعلاقتها وارتباطها من العقل الجمعي الرشيد. وصف أحد خبراء الإعلام، الإعلام التحريضي التثويري بأنه «مع فريق ضد آخر وغير معتدل» ورأى«إن كلا الأمرين مثلبة وأمر مستقبح؛ لأنه يوغل في الارتباط بالذات والأنا ولا يقيم أي وزن للآخر». إن أي إعلام يتحيز لوجهة نظر واحدة ويتبناها ويروج لها ويبشر بها ويقصي الآخرين، فلا يسمع الناس أصواتهم ولا يشاهدون صورهم، هو إعلام قمعي، فاسد، يقهر الناس ويستعبدهم، وهم الذين ولدوا أحرارا، لا تهيمن على حريتهم أجهزة إعلام قمعية وأي إعلام يتجاوز هذه المفاهيم فهو إعلام مسيس غير نزيه وغير حر ويخلو من الجدية، ويلهث وراء التسريبات والحملات الإعلامية الكاذبة وينجر وراء دعوات مزعومة. سياسة التهييج كما يتحدث الدكتور المستشار الإعلامي محمد أحمد صبيحي أمين عام منظمة إذاعات الدول الإسلامية سابقا فيقول: من الطبيعي أن الدور الذي أدته الفضائيات المتخصصة خلال الأيام ال18 في التهييج الإعلامي ودعم مطالب الشباب في الميادين، الطبيعي أن الثورة كانت ثورة الشبان وآزرتها الفضائيات بصورة جلية بعضها بحيادية تامة، وهي مهمة الإعلام وميثاق الشرف الإعلامي وبعضها انحاز لجانب معين لهدف أو لآخر وكانت كل هذه الفضائيات تعمل بشكل واضح يبين أهدافها. التضليل الإعلامي وقد تعاملت أجهزة الإعلام المصرية مع أحداث الثورة منذ يومها الأول وكأنها تخاطب الهنود الحمر، وكأن الشعب المصري مغيب عن الوعي ولا يسمع صوتا سوى صوت فضائيات الإعلام المصري، حسبما يؤكد ذلك الإعلامي الكبير حمدي قنديل، مشيرا إلى أن الجمهور المصري كمشارك في الحدث ومتلق له في وقت واحد كشف بنفسه سياسات التضليل الذي انتهجتها وزارة الإعلام المصرية، وبموجب ذلك فقد حول اتجاه بوصلته من إعلام بلاده إلى تلقي الحقائق عن الواقع والحقيقة بالاتجاه نحو العديد من الفضائيات العربية الأخرى وفي مقدمتها قنوات أخرى مثل العربية. من جانبه، قال عمرو أديب: إن النظام وظف أدوات الإعلام الرسمي في تكتيم أفواة المفكرين والإعلاميين والمبدعين. وأضاف قائلا: إن الفضائيات المصرية المستقلة والعربية نجحت في استقطاب الجماهير والالتفاف حولها بما قدمته من صورة موضوعية عن الواقع في ميدان التحرير وغيرها من المحافظات المصرية. من جانبها، قالت الإعلامية رولا خارسا: إن غياب الإعلام الفضائي المصري عن ميدان التحرير ونقله صورا مغلوطة عن المتظاهرين، أفقده المصداقية لدى الرأي العام المصري، والذي بدوره انتقل إلى إعلام مغاير وأكثر تنوعا على الفضائيات المستقلة في مصر، وعبر نظرائها في العالم العربي والغربي على حد سواء، وكان الجمهور قادرا على أن يقوم بنفسه بعمليات الفرز لصحة حشود الأخبار والتقارير الواردة من هنا وهناك مما خلق حالة من الوعي السياسي لدى الجماهير ومن ثم فقد ناصرت الثورة وباركتها، ولعل ما يؤكد ذلك انتقال ملايين الجماهير من مشاهدة الفضائيات إلى ساحة التظاهرات على الأرض في ميدان التحرير ومنطقة وسط البلد. «وبذاك فإنني أعتقد أن الفضائيات أدت دورا مهما في صمود الثورة ونجاحها». إلى ذلك، تعترف سعاد سليمان وهي كاتبة قصة ومعدة برامج في التلفزيون المصري بأن الإعلام المرئي المصري قد خسر شعبه. وأرجعت ذلك إلى سيطرة الوزير أنس الفقي على مجريات الأمور. التضحية والتهوين إلى ذلك، اعتبر الإعلامي حسين عبدالغني: إن الإعلام الفضائي قد وقع بين نقطتين أمام التهوين من شأن انفجار غضب الثوريين في الميدان، كما صور ذلك الفضاء الإعلامي الرسمي في مصر، أو بين التضخيم والمبالغة كما جرى في بعض الفضائيات العربية. واعتبر أن تغطية الإعلام الغربي leg CNN وBBC الإنجليزية كانتا الأفضل لأنهما اعتمدا على نقل معظم جوانب الصورة للأحداث في مصر، خاصة عندما انقسم الشارع بين مؤيد ومعارض، لكنه في المقابل يؤكد أن الفضائيات على اختلافها ساهمت في نقل ما يجري على الأرض وفي زيادة حماس المصريين لتبني الثورة العمل على مواصلتها. من جانب آخر، أوضح الخبير الإعلامي الدكتور صفوت العالم، أن التخبط السياسي الذي شهدته مصر كان سببا مباشرا في ضعف الأداء الإخباري للمحطات بصفة عامة. وأن هذا التخبط السياسي قد لعب على وتر التضليل للإعلام لتشويه الحقائق وتزييفها، فبينما لعبت الجزيرة على الإثارة والأنباء المغلوطة لتشعل الأجواء . ورأى الخبير الإعلامي علي جابر، أن الإعلام التقليدي والإعلام الجديد مكملان لبعضهما البعض في مثل هذه الأعمال، مبينا أن وسائل الإعلام الجديد كالفيس بوك والتويتر والمجموعات البريدية هي من أشعلت شرارة هذه الأحداث والإعلام التقليدي تلقف هذه الشرارات وأشعلها وأججها. وعلل جابر ذلك بأن الشباب اليوم يقضون أكثر من نصف أوقاتهم أمام شاشات الحواسب الآلية وأجهزة اللاب توب.. لذلك فإن أنشطتهم تكون على وسائل الإعلام الجديد أكثر منها على الوسائل التقليدية لذلك فإن أنشطتهم وشراراتهم التي أطلقوها في وسائل الإعلام الحديثة وجدت استقبالا من الإعلام التقليدي الذي حول هذه الشرارات إلى حرائق. ورفض جابر الفكرة القائلة بأن الفضائيات والإعلام التقليدي هو من يؤجج الثورات ويعمل التغيير، مؤكدا على أن ثورات الشباب هي من أشعلت هذه الثورات، لكن من عممها وجعلها تنتشر بشكل كبير هي وسائل الإعلام التقليدية كالفضائيات التي أوصلتها لكافة شرائح المجتمع، مشددا على أن الإعلام التقليدي تبنى الإعلام الحديث في هذه الأزمات وساهم في نقل ما يحدث فيه. وعن الجهة التي كسبت الجولة من الفضائيات في هذا الصراع قال جابر «ليست هناك جهة كسبت الجولة فكل جهة كان لها خط معين، فقناة الجزيرة تبنت خط المتظاهرين والناس ورفضت أن تكون صوت النظام فكسبت تعاطف الكثيرين، بينما حاولت العربية أن تكون مهنية في تغطية الأحداث فأخذت آراء من الطرفين.